عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-05-2010, 11:48 AM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

سياسة الثورة الاجتماعية


كان لنظرية هيجل عن المجتمع المدني الدور الأكبر في صياغة البيان الشيوعي في العام 1848. فقد وجد به ماركس كما وجد به الجمهوريون واليساريون والاشتراكيون ثغرات كثيرة؛ وقد كان لعجز الثورة الفرنسية في تحقيق المساواة والعدالة، مع التطورات الصناعية الكبرى، الأثر في إطلاق العنان لجهود الفلاسفة والمفكرين في محاكمة نظريات هيجل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الكل كان متفقاً معه على نظام الحاجات.

(1)

لم يكن نقد ماركس لهيجل في نظرته فيما يخص المجتمع المدني فحسب، بل كان نقده لمفهوم هيجل عن الدولة ودورها، كما كان نقده منصباً على فكرة المجتمع المدني نفسه. فقد أنكر ماركس المجتمع المدني الذي تحدث عنه هيجل، فقال: إنه مجتمع مدني برجوازي. وقد جاء هذا المجتمع بتشكيلاته من خلال تطور مناهضة البرجوازية للأرستقراطية، فلهذا السبب لا يستحق اسم المجتمع المدني.

كما أنه انتقد فكرة هيجل عن الدولة باعتبارها دولة تحقق العدالة والمساواة، فلو حققت الدولة العدالة والمساواة فلا حاجة للدولة عندها، لأنه لن يكون لها دور، طالما أن العدالة والمساواة هما السائدتان. لكن كون هناك لا مساواة ولا عدل، فإن الدولة تستحق ضرورتها التي اقترحها هيجل!

أما أن الدولة هي التي تشكل المجتمع المدني، حسب رؤية هيجل، فهو قول مغلوط، لأن المجتمع المدني هو الذي يشكل الدولة.

(2)

لم يكتفِ ماركس بنقد هيجل في موضوع الدولة والمجتمع المدني، بل انتقده كما انتقد تلاميذه وأتباعه ولاحق أفكارهم عن تلك المقولات وعن رؤيتهم عن معنى الحرية. فدعوة هيجل وتلاميذه عن عزل الدين عن الدولة وترك الحرية للأفراد أن يزاولوا ما يرون من معتقدات دينية، هي دعوة تحمل تناقضها داخلها (حسب رأي ماركس).

أحد تلاميذ هيجل ويدعى (برونو باور) امتدح الثورة الفرنسية بعزلها الدين عن الدولة وإعطاء الحريات الدينية للطوائف (اليهود مثلاً) حيث قال: إن التحرر من كل دين يمكن أن يحمي الديمقراطية من الرجعية الإقطاعية. تهكم ماركس من هذا الرأي وقال: (إن باور رأى الأشجار ونسي الغابة، فإبعاد الدين عن السياسة لن يمحو اللامساواة الاقتصادية والسياسية. كما أن تحرر الدولة من الدين لا يعني تحرر الإنسان من الدين) [ماركس وإنجلز: في المسألة اليهودية].

في رأي ماركس، لم تمس الثورة الفرنسية المجتمع المدني البرجوازي، وادعائها بتحقيق الحرية لم يتأسس على ارتباط الإنسان بالإنسان، إنما على فصل الإنسان عن الإنسان. إنه حق (الانفصال)، حق الفرد المتقهقر الى ذاته.

(3)

وسم ماركس الثورة الفرنسية، بأنها ثورة جزئية، تلك الثورة التي تترك دعامات البيت قائمة في مكانها. أما الثورة الشاملة، فهي تلك الثورة التي تطال كل مناحي الحياة، يتحرر الإنسان الحقيقي فيها من خلال ما أسماه (الانعتاق الإنساني).

ما هي واسطة هذا الانعتاق؟ إن التحولات المبكرة في أوروبا جرت بقيادة ذلك الجزء من السكان الذي جعله موقعه المتقدم يزعم أنه يجسد العلاقات الاجتماعية للمجتمع. ولاحظ ماركس بهذا الصدد: (أنه ما من طبقة في المجتمع المدني يمكن أن تقوم بهذا الدور، من دون أن تثير في نفسها وفي الجماهير لحظة من الحماسة، لحظة تتآخى فيها وتندمج مع المجتمع بعامة، فيتصورها الناس أنها هي كل المجتمع المدني، ويعدونها ويعترفون بها بوصفها ممثله العام، لحظة تكون فيها مطالب وحقوق هذه الطبقة هي بالفعل حقوق المجتمع نفسه ومطالبه؛ لحظة تصبح فيها فعلاً رأس المجتمع وقلبه ولا يمكن لطبقة معينة أن تعلن هيمنتها إلا باسم حقوق المجتمع عامة).

عن أي طبقة يتحدث ماركس هنا؟ إنه يتحدث عن طبقة (البروليتاريا) عديمة الملكية، والتي لم تشملها جهود التطوير في القوانين والنظريات التي قام بها البرجوازيون لصالح البرجوازية نفسها.

(4)

في النظريات البرجوازية، لا تبرز أسماء البرجوازيين فيها، بل يبرز إنتاجهم من السلع، والنظريات تنظم علاقة السوق لتبادل تلك السلع. حسناً، إن (البروليتاريا) لديها أكبر السلع وأعظمها وأكثرها أهمية، إنها العمل، فالعامل يبيع جهده في سوق السلع كسلعة، وكون جهده يدخل كمادة خام في كل السلع، فتستحق الطبقة العاملة أن تكون هي من يقرر شكل العلاقات العامة، وتستحق أن تكون هي من يمثل المجتمع.

إن التحرر في رأي ماركس، هو إلغاء المجتمع المدني، بل وإلغاء الطبقات، وهي دعوة شاملة لتدمير النظام العالمي الذي كان قائماً لذاك الوقت.

كان الاقتصادي السياسي الكلاسيكي يرى الإنتاج، والاستهلاك، والتوزيع، والتبادل بوصفها عمليات منفصلة، ولكن ماركس كان مقتنعاً بأن أي نظام اجتماعي لا يمكن أن يُفهم إلا بوصفه (نمط إنتاج). ذلك أن الفوضى التي تخلقها السوق تُظهر أن المجتمع المدني يشكل بفعل أنواع من العمليات الاقتصادية غير المترابطة. أما ماركس فكان يرى ببصيرته أن العلاقات الاجتماعية كلها كانت تؤلف لحظات إنتاج مهما بدت مستقلة.

(5)

يقول ماركس: إن كل طبقة تهدف الى الهيمنة، حتى عندما تكون هيمنتها، كما في حال البروليتاريا، مفضية الى إلغاء الشكل القديم للمجتمع بتمامه ولكل الهيمنة بشكل عام. أقول (القول لماركس) إن هذه الطبقة يجب أولاً أن تنتزع السلطة السياسية لتمثل مصلحتها بوصفها المصلحة العامة.

إن الخطوة الأولى في ثورة الطبقة العاملة هي رفع البروليتاريا الى موقع الطبقة السائدة لتحقيق الانتصار في معركة الديمقراطية. سوف تستخدم الطبقة العاملة سيادتها السياسية لتنزع تدريجيا كل رأسمال البرجوازية، ولمركزة وسائل الإنتاج كلها بيد الدولة، أي بيد البروليتاريا المنظمة باعتبارها طبقة سائدة.

عندما تتلاشى التمايزات الطبقية في مجرى التطور، ويوضع الإنتاج بأسره بأيدي اتحاد واسع من الأمة كلها، تفقد السلطة العامة طبيعتها السياسية.

وبدلاً من المجتمع البرجوازي القديم، بطبقاته وتناحراته، سيكون لدينا اتحاد يكون فيه أي تطور حر للفرد شرطاً للتطور الحر للمجموع.


تعليق:
أكثر ماركس في كتاباته، استخدام كلمة (عندما) وذلك لصعوبة تحقيق مثل تلك الخطوات أو تنفيذ ذلك الجهد النظري وتحويله لإجراءات. وقد ثبت ذلك في المشاهد المتلاحقة منذ محاولة الثورة البلشفية تبني تلك الأطروحات. فقد أصبح الإتحاد السوفييتي من أكثر الدول صرامة وتنظيماً، في حين كان في النظريات (لا للدولة ولا للقومية ولا للدين)، أما في موضوع القومية: فرأينا كيف تحالفت القوميات غير الروسية مع هتلر وتعاونت ضد الدولة السوفييتية، وفي الدين: لم تستطع 73 سنة من حكم الشيوعيين أن تمحو من الذاكرة الدين الإسلامي من نفوس سكان الجمهوريات الخارجة من الاتحاد السوفييتي أو الجمهوريات ضمن روسيا الاتحادية (الشيشان، الأنجوش، داغستان، تتارستان، بشكيريا الخ). أو حتى عودة الأرثوذكس لتغيير أسماء مدن (لينينغراد: سان بطرس بورغ) (ستالينغراد: فولغا) الخ.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس