عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-08-2010, 11:06 AM   #36
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخمسون: رؤية مصرية لصورة اليهودي في أدب إحسان عبد القدوس ..
تقديم: رشاد عبد الله الشامي ..أستاذ في جامعة عين شمس ـ القاهرة

(الصفحات 849ـ 888)

تعتبر دراسة الصورة التي يقدمها عمل أدبي لشخصية من الشخصيات النمطية، سواء تلك المتصلة بشعب أو بجماعة دينية أو عرقية، من الدراسات المعترف بها في مجال التعرف على خصائص ذلك الشعب أو تلك الجماعة؛ ويعول عليها الكثير في معركة الخصائص السلوكية لتلك الشخصية النمطية في واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والعقائدية التي تؤثر فيها وتحدد معالم شخصيتها وتمكن من التنبؤ باستجاباتها وردود أفعالها.

الدراسة طويلة بحيث لا يمكن تقديمها بالطريقة التي قمنا بها سابقاً من اختصار وإيجاز، دون تجاوز لخطوط مسار البحث. أما في هذه الدراسة فإنه من الصعب الالتزام بالطريقة السابقة، نظراً لحجم الدراسة وتنوع نقاطها وكثرتها..

أولاً: الشخصية اليهودية في الأدب العربي

1ـ صورة اليهودي على النحو الذي وردت في القرآن الكريم
وقد لخصها الباحث مبيناً الآيات الكريمة التي تشير لها: التنكر للحق والمجادلة فيه؛ النفاق ونقض المواثيق؛ الجبن والخيانة؛ الحرص الشديد على الحياة؛ كراهية المسلمين والكيد للإسلام؛ الغدر بالأنبياء والإجرام والفساد في الأرض؛ السعي الدائم لإشعال الحروب.

2ـ صورة اليهودي في الأدب الشعبي العربي: وما أوردته السنة النبوية والتراث الإسلامي بالإضافة لما ورد في القرآن الكريم.

3ـ انعكاسات قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني في العصر الحديث.

ثانياً: الشخصية اليهودية في الأدب المصري

عندما نقول الأدب المصري، فإن المعني هنا هو الأدب النثري (الرواية والقصة الخ) وليس الشعر. لا يمكن رصد وجود شخصية محورية يهودية في الرواية المصرية منذ فترة الأربعينات الى الثمانينات من القرن الماضي. لا في كتابات توفيق الحكيم ولا طه حسين ولا نجيب محفوظ ولا يحيى حقي ويوسف إدريس وعبد الحميد جودة السحار، ويوسف السباعي وإبراهيم المازني ومحمود تيمور وغيرهم.

لكن هناك استثناءات في تناول الشخصية اليهودية، منها: (قفزات الطائر الأسمر النحيل 1983) و (مدينة فوق قشرة واهية 1984) للأديب المصري (نعيم تكلا).

أما الروائي والكاتب إحسان عبد القدوس، فقد كان أقرب للكاتب السياسي من الروائي المحايد، فكانت كتاباته بما فيه الروايات تعبر عن رؤية سياسية يستطيع القارئ التعرف على ملامحها، ومما كتبه عن الشخصية اليهودية:

1ـ بعيداً عن الأرض (1951). 2ـ أين صديقتي اليهودية ـ قصة قصيرة. 3ـ أضيئوا الأنوار حتى نخدع السمك. 4ـ لن أتكلم ولن أنسى 5ـ كانت صعبة ومغرورة. 6ـ لا تتركوني وحدي ـ رواية 1979.

ثالثاً: المحاور الرئيسية لرؤية إحسان عبد القدوس للشخصية اليهودية.

كانت من السمات الرئيسية المميزة لأدب إحسان عبد القدوس أنه أدب يصور أحداثاً رآها فعلاً، ووقائع عاشها، وأبطالاً شاهدهم وتعامل معهم، الى درجة أنه في كثير من أعماله يشعر القارئ، رغم التخفي، أنه يكتب تجربة ذاتية عاشها بالفعل، وكان أحد أبطالها واقعياً.

في روايته (لا تتركوني هنا وحدي) والتي نشرها بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، يستعرض الكاتب أوضاع مصر منذ الأربعينات حتى وقت توقيع الإتفاقية.

بطلة الرواية هي (لوسيان هنيدي) اليهودية التي تنتمي الى أسرة متواضعة، لا تتوقف في محاولاتها عن بلوغ مراتب القوة والعزة واحتلال موقع هام في المجتمع. وتستخدم سلاحيها: الأنوثة والذكاء، وتبدأ في تحقيق الثروة لكنها لا تحقق الاحترام. فتلجأ الى الزواج من أحد أقطاب الأرستقراطية المصرية المسلمة، وتغير دينها وتعتنق الإسلام، وقبل ثورة يوليو 1952 بشهور يتوفى زوجها ويترك لها ثروة طائلة، لكنها تحس أنها بحاجة لحماية فتنجح في الإيقاع بأحد ضباط الثورة وتتزوجه فتؤمن الحماية لنفسها وثروتها وتحقق المزيد من الصعود الاجتماعي.

ويتتبع إحسان عبد القدوس شخصية (لوسيان هنيدي) والتي أصبح اسمها (زينب)، ليرسم ملامح الشخصية اليهودية والتي يكررها أو يزيد في تفصيلها في رواياته الأخرى والتي تتمثل في:

أ ـ اليهودية ليست ديناً بل شخصية. ب ـ هذه الشخصية اليهودية لها الغلبة على أي انتساب آخر. ج ـ إن شخصية اليهودي تتحرك دائماً في اتجاه عالم الطموح.

رابعاً: تغيير اليهودي لدينه بتأثير المصالح

كان المحك الذي اختاره إحسان عبد القدوس في حبكته القصصية في كل من العملين الأدبيين: لا تتركوني هنا وحدي؛ وكانت صعبة ومغرورة. لإثبات صدق منطلقه في فهم الطبيعة الخاصة للشخصية اليهودية، فأبطال قصصه (نساءً أو رجال) يتحولون من دينهم الى الإسلام لتحقيق مآربهم الملتصقة بشخصية اليهودي.

عندما رمت (لوسيان هنيدي) اليهودية شباكها على الأرستقراطي المصري المسلم (شوكت بك ذو الفقار) وعندما صار لها ما أرادت، طلبت من زوجها اليهودي (زكي راؤول) الطلاق ولكنه رفض، فأعلنت إسلامها ليتحقق لها ما أرادت. ويفاجئ إحسان عبد القدوس قرائه بتوجه زكي راؤول لإعلان إسلامه، حتى يمتنع عن الطلاق!

خامساً: موقف اليهودي بعد اعتناق الإسلام من العقيدة الإسلامية وتقاليدها

بتتبعه لشخصية لوسيان هنيدي، وكيفية ابتعادها عن العلاقات باليهوديات والالتزام بالتقاليد الإسلامية، يريد إحسان عبد القدوس، أن يثبت الصورة التي كرسها في أعماله المتعلقة بالشخصية اليهودية وهي المصلحة. فلطالما أن الإسلام قد جلب المال والوجاهة للوسي اليهودية فلماذا لا تتماهى معه؟

سادساً: الحنين الى رموز الارتباط بالانتماء اليهودي

من المفارقات التي تكشف عنها معالجة إحسان للشخصية اليهودية التي أشهرت إسلامها، أنه يجعل هذه الشخصية التي كانت بعيدة تمام البعد عن عالم التقاليد الدينية اليهودية، تستشعر نوعاً من الحنين الغامض الغريب الى كل الرموز التي كانت لا تحفل بها، ولا تقيم لها وزنا في حياتها، ولا تعبأ بالحرص عليها عندما كانت تعيش بالمجتمع اليهودي.

عندما أشهرت (لوسيان هنيدي) إسلامها، بدلت اسمها ليصبح (زينب) وعندما طلب زوجها المسلم إلحاق اسمها باسم أسرته، ليصبح زينب ذو الفقار، رفضت وأبقت على اسم العائلة (هنيدي) بحجة أن اسم عائلتها مشترك بين اليهود والمسلمين.

سابعاً: عدم رسوخ الانتماء للإسلام بعد اعتناقه

يلاحق احسان عبد القدوس زلات اللسان عند زينب، فعندما يغير ابنها اسمه من (إيزاك) الى خالد بناء على ضغط والده، ينوي الهجرة الى الأرض المحتلة، فتطلب منه أمه عدم تركها، قائلة: من قال أننا لسنا يهوداً؟ ويذكر الباحث عدة مواقع اقتنصها من الرواية لإثبات عدم ترسخ الدين الجديد في نفوس اليهود.

ثامناً: الصراع العربي ـ الصهيوني يكثف رسوخ مشاعر الانتماء اليهودي في الشخصية اليهودية

يستعمل احسان عبد القدوس، شخصية (إيزاك) المتمسك بيهوديته والرافض لاسم خالد، والذي ينوي السفر لقبرص للذهاب منها الى تل أبيب، للالتحاق بالجيش بعد نشوب حرب 1973، فقالت له أمه (زينب): لو كان اليهود بإسرائيل يحتاجونك لطلبوا منك ذلك مسبقاً، لكنهم (أي اليهود) يحتاجون أن تبقى في مصر أكثر!

كما يتتبع الكاتب الحوارات التي كانت زينب طرفاً بها، عند كل حرب (1948؛ 1956؛ 1967؛ 1973) وكيف تكون خائفة على مصير الكيان الصهيوني، وعندما يحقق الصهاينة انتصاراً، تقول: كنت واثقة من أننا سننتصر!

تاسعاً: الشخصية اليهودية بين رحلة الطموح اليهودي والسعي الدائم للإحتماء بالأقوى.

يرصد الباحث (رشاد عبد الله الشامي) الشخصيات اليهودية في روايات إحسان عبد القدوس، ولا يترك صغيرة أو كبيرة من لفظ أو كناية إلا وحللها، ليصل في النهاية لإثبات ما أراد أن يثبته في بحثه، من أن اليهودي لا يتوقف طموحه عند حد ولا يتوانى عن التخلي عن أي شيء في سبيل الوصول للهدف، ولا ينسى اليهودي الاستناد على مركز قوة يضمن الحماية له.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس