عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-07-2009, 03:24 AM   #6
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الزمن الشعري في قصيدة الخيول لأمل دنقل دراسة أسلوبية

يمثل أمل دنقل 1940-1983 علامة مميزة على خريطة الشعر العربي المعاصر وتتسم أعماله بأنها تتمحور حول موقف محدد وهو الدفاع عن قضايا الوطن مصر والأمة (العروبة) فجيل أمل دنقل هو الجيل الثاني في مسيرة الشعر الحر وقد شب ّ مع نكبة فلسطين التي تجسد محنة العرب وتشكل التحدي الحقيقي لإثبات ما إذا كان هناك عربة وعروبة أم لا . وقد بلغ هذا الجيل درجة من الوعي أهلته لأن يكون لسان الأمة الداعي إلى فجر الحرية والوحدة .

***


قصيدة الخيول تعد من آخر ما كتب الشارع أمل دنقل وهي امتداد الموقف الملتزم الذي عاش به ومات من أجله ، وسيتم دراسة هذه القصيدة في ضوء المنهج الأسلوبي لاذي يعنى بدراسة النص باعتباره رسالة لغوية يستعين بها الأديب لتوصيل ما يريد من دلالات فكرية وشعورية ، ومن ثم يأتي الدرس الأسلوبي موظفًا مفاهيم علم اللغة العام لمعرفة أهم الخصائص الجمالية للنص الأدبي .


***



العنوان بين الدلالة والرمز
من أهم السمات الجمالية التي تميز الشعر المعاصر أن الشاعر صار حريصًا على أن يضع عنوانًا لكل قصيدة بل لقد انتقل الأمر أيضًا إلى كل ديوان يصدره ، وصار العنوان عنصرًا عضويًا فاعلاً في القصيدة بعكس ما كان من قبل كالشوقيات والحمدانيات وغيرها مما يعكس تمحور الرؤية وقتها على الأديب لا الفن الذي يقوم بإنتاجه .
ويأتي العنوان دالاً بشكل واضح على ما أراد أن يستثره الشاعر لدى القراء .
وعنوان القصيدة لا يحمل جملة ذات دلالة رحبة وإنما كلمة واحدة وهي الخيول اسم جمع لاسم جنس وهو الخيل وهي كلمة مؤنثة لا واحد من لفظها لها .
والخيل له معان مشتقة منه كالخيلاء والخيالة والخيال والخال ونسأل أنفسنا من ثم ما القضية التي ألحت على مخيلة الشاعر وجعلته يختار هذا العنوان ؟
هناك في مجال الارتباط بين الإنسان والحيوان حيوانات متعددة تدل على الشعوب كالفيل الذي هو رمز للهنود والدب للروس والديك للفرنسيين وهكذا ..
أما بالنسبة للعربي فهناك كلمتان تذكران في هذا السبيل وهما :
الجمل : وقد استخدمته بعض الدول كدلالة على التخلف والتأخر لدى الإنسان العربي وهذه صور تحرص بعض الدول الأجنبية على إظهارها .
الحصان : ويدل على الأصالة والذكاء والقدرة والوفاء . معرف أن الخيل العربية تعد من أعظم وأغلى أنواع الخيول .وكلمة الخيل والخيول ذات تراث تاريخي طويل لأنها كانت من أهم أدوات النصر في الحروب حتى مطلع النهضة الحديثة وفي سورة الأنفال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وفي سورة آل عمران "والخيل المسومة والأنعام والحرث " تنجية ما بق أن الشاعر كان على قدر كبير من الوعي بدلالات الكلمة حينما جعلها رمزًا للإنسان . ولكن ما العلاقة بين ا لرمز والمرموز التي ألحت على المخيلة وجعلته يجعل هذه الدلالة على ذلك المدلول ؟


***


الزمن الشعري مفتاح القصيدة

هناك ما يسمى بعبارة المفتاح وهي التي تكون مدخلاً للنص وقد تكون كلمة أو جملة وقد تكون ذات دلالة معنوية أو تركيبة صوتية وقد تصدر عن المؤلف بوعي أو دون وعي .والدارس حين يبدأ بهذه العبارة المفتاح فإنه يعود بها ثانية إلى بنية النص لكل يفسر الكل على ضوء الجزء وهذه الفكرة أشارإليها الكثير من النقاد . والمدخل الأسلوبي لفهم القصيدة هو لغتها وهذاما لا خلاف عليه بين كل النقاد .
من هنا نقول إن بالقصيدة شيئًا لافتًا يذكر بالقصة الحديثة وها ما يسمى بالزمن الشعري مقابل الزمن القصصي . فالزمن في الشعر ليس زمنًا تاريخيًا يسير في خط طولي مستقيم وإنما هوزمن نفسي مستدير متقاطع .
وفي هذه القصيدة نجد أن أهم ما يميز القصيدة هو أننا لا نجد هناك أية عبارة تدل على المستقبل الآتي ويمكن تصور الزمن الشعري في القصيدة على هذا النحور :
المضارع : موجود بكثيرة
الماضي : بشكل أقل
المطلق :بدرجة أقل
المستقبل : منعدم تمامًا
والمقصود بالمستقبل هوالفعل المضارع المسبوق بالأداة سوف أو ســ .. كأن تقول سنسافر سنفوز ....
وأهمية الزمن في القصيدة يعكسها أمران :
الأول معنوي : يرجع إلى أن صورة الزمن في القصيدة تعتمد على التداخل النفسي ،وليس التتابع التاريخي ، من هنا نجد القصيدة تتبع أسلوبًا يشبه طريقة الاسترجاع حيث نجد الشاعر يزاوج بين الخيول في الماضي والحاضر ليحدث نوعًا من التضاد ليصور بوضوح ما يمكن تسميته الحاضر العقيم في تاريخ الخيول (والمقصود بها الشعوب).
الثاني وهو الأهم :أمر لغوي حيث نجد في القصيدة تعبيرات دالة على الزمن هي :الزمن الذهبي -زمن يتقاطع - ينحدر الأمس -جسد الذكريات -استدارت مزولة الوقت .
ولعل أهم هذه التعبيرات هي جملة زمن يتقاطع التي تمثل جملة المفتاح التي تقود إلى فهم عالم القصيدة .
***


الزمن الماضي :
تبدأ صورة الخيول من هذا الجزء :
كانت الخيلُ - فى البدءِ – كالناس
برِّيَّةً تتراكضُ عبر السهول
كانت الخيلُ كالناس فى البدءِ
تمتلكُ الشمس والعشب
والملكوتِ الظليل
ظهرها... لم يوطأ لكى يركب القادة الفاتحون
ولم يلنِ الجسدُ الحُرُّ تحت سياطِ المروِّض
والفمُ لم يمتثل للجام
ولم يكن ... الزاد بالكاد
لم تكن الساق مشكولة
والحوافر لم يك يثقلها السنبك المعدنى الصقيل
كانت الخيلُ برِّيَّة
تتنفس بحرية
مثلما يتنفسها الناس
فى ذلك الزمن الذهبى النبيل

فالشاعر هنا يصور ماضي الخيول حيث كانت تعيش حياة برية تتنفس بحرية تمتلك العشب والملكوت والشمس ، ولم يكن زادها بالكاد وفي نهاية الفقرة يربط الشاعر بين الرمز والمرموز .
ومن الملاحظ في هذا الجزء أن الشاعر يستخدم في أثناء الحديث عن الماضي :الفعل المضارع المنفي ب(لم) وهي حرف نفي وجزم وقلب ، في خمس جمل متتالية ، وهنا نلحظ أن الشاعر يتحدث عن الماضي كثيرًا بصيغة المضارع وقد يكون هذا الفعل المضارع :
-مسبوقًا بالفعل الناقص (كانت- الخيل تمتلك الشمس)
-مسبوقًا بحرف نفي لم يلن الجسد الحر)
مضارعًا حقيقيًا ولكنه يدل على الماضي (ينحدر الأمس)
وهذا يعد من مظاهر إبداع القصيدة إذ أن عنصر المضارع قد جمده بدقة شديدة وعاش الماضي فيه داخله في شكل ذكريات أشهرت شوكها كالقنافذ وسلخ الخوف بشرتها . وهذا يمهد لأن يختم المقطع الخاص بالحديث عن الماضي قائلاً:
"فاركضي أو قفي
كل درب يقودك من مستحيل إلى مستحيل
."
إذًا لقد بلغ اليأس بالشاعر شأوًا كبيرًا عجز معه على التحدث بصيغة المضارع ليأتي مشوهًا كما هو واقعنا المشوه والذي يقتات على أمجاد الماضي .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس