عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-02-2010, 08:55 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ثانياً: كل جميل حسن

إن الجمال غير عادل بالمرة ما دام لا يوزع على الناس مقوماته الخاصة بالتساوي، إلا أن هذا الأمر ليس كل شيء يحسب على ذمة الجمال، بل تضاف إليه الملاحظة التالية الأشد قسوة، وهي أن الموضوع الجميل غالباً ما يحظى بنوع من الامتياز الإضافي، فيتم الجمع بينه وبين كل ما يتسم بصفات الحُسْن والخير.

ويترسخ هذا الربط الذهني/الأخلاقي بين لفظتي (جميل وحسن) (Beau et Bien) في اللسان الفرنسي، حتى في السياقات التي تكون فيها اللفظتان مترادفيتين، أحياناً، من الناحية اللغوية. إننا لنقول، مثلاً، عن أحدهم بأنه (شخص جميل)، فنقصد بعض صفاته الخُلقية الفاضلة، بينما نقول عن آخر بأنه (شخص قبيح)، فيكون ذلك مرادفاً عندنا للفظة (شرير)، وكأنما يكفي أن يكون المرء جميل الهيئة، كي يكون بمنأى عن كافة الرذائل.

وتؤكد التحقيقات المنجزة ضمن علم النفس الاجتماعي أن الناس تلصق بتلقائية منها جل الصفات الطيبة ومقومات الصحة واللطف الخ بموضوع الجمال. وبالجملة، فإن (كل ما هو جميل، هو في الوقت نفسه ذو حُسنى).

إن تاريخ التمثيلات الفنية لموضوعتي الجمال والدمامة يؤكد هذه الواقعة بالملموس. فقد ارتبط متخيل الدمامة في كل الحقب والأزمنة التاريخية بالشر (ECO 2007) وذلك من خلال الربط التلقائي بين الدميم من جهة، والشيطان، والكائن الوحشي، والمنحرف، والمريض من جهة أخرى؛ وظلت الدمامة تعتبر شيئاً مُعْدياً، وشيئاً يستثير لدى الآخرين ردود أفعال تنم عن التقزز والخوف.

ويمكننا بعد كل هذا، أن نتساءل الآن: هل للجمال انعكاسات مؤثرة على حياة الناس اليومية؟

تجيبنا بعض الدراسات بأن آثار هذا العامل الخِلقي حيوية للغاية، على مستوى الحياة اليومية (Dion, Berscheid et Walster1972 )، ذلك أن عوامل الجمال شديدة التأثير، ليس في العلاقات العاطفية فحسب، وإنما تؤثر أيضاً بكيفية واعية أو لا واعية، داخل المدرسة، وضمن دائرة سوق الشغل، وحتى في العدالة.

ابتداءً من المدرسة الابتدائية، يتعامل الأطفال بكيفية تمييزية بين العنصر الجميل والعنصر الدميم. فخلال أوقات الاستراحة، عادةً ما يستأنس الطفل الصغير، بالتمييز بين هذا الرفيق وذاك، ومن ثمة تُشن هجمات لا هوادة فيها، وسط ساحة المدرسة، على جميع من يُصنفون ضمن خانة (الدمامة). إن هناك كماً هائلاً من التلاميذ الذين يعانون بصمت بليغ بشاعة الاضطهاد الذي يلاقونه من طرف زملائهم، لإنهم إما يعانون للأسف من بدانة الجسم، أو قِصر القامة، أو بهم بعض الحَوَل، أو لأن أسنانهم غير مرتبة بشكلٍ جيد.

ومن الممكن أن ينحاز المدرسون كذلك، وعلى كرهٍ منهم بالطبع، الى صف التلاميذ والتلميذات ذوي الهيئة الجميلة والجذابة. وللتأكد من صدقية ذلك، ينبغي توزيع حزمة من أوراق المراقبة المستمرة على مجموعتين من الأساتذة، قصد تقويمها مرتين: تُقدم في المرحلة الأولى من غير الصور الفوتوغرافية التي تُعرف بأصحابها. أما في المرحلة الثانية، فترفق الأوراق نفسها، بعد أن يتم إخفاء علاماتها الأولى، بصورٍ تكشف عن هوية أصحابها، ثم تُقدم الى مجموعة أخرى من الأساتذة.

والحصيلة أن صاحب وصاحبة المظهر الفيزيولوجي الجذاب، عادةً ما يؤثران إيجابياً في عملية التنقيط (منح العلامات)، بينما لا يحظى صاحب ولا صاحبة المظهر غير الجذاب، بذلك التأثير لفائدتهما (Landy et Sigall 1974). وأن الظاهرة تغدو أكثر تجلياً وبروزاً، في الاختبارات الشفوية، حيث يحسم المظهر العام العملية لصالح المرشحين الأكثر جمالاً، دون أي يعي المدرسون بذلك، حتماً.

يتبع

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس