عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-04-2023, 08:01 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,000
إفتراضي

فقد عشت في بريطانيا أكثر من اثني عشر عاما ولم أجد وسيلة إعلام واحدة لا في اليمين ولا في اليسار تتخذ موقفا منصفا من أي نظام كان على خلاف مع الحكومة البريطانية ففيديل كاسترو مثلا يجب أن يصور على الدوام في وسائل الإعلام البريطانية بكافة مشاربها على أنه زعيم شرير لا لشيء إلا لأن (عشرة دواننغ ستريت) ليس في وئام مع النظام الكوبي وأمثاله
وأتذكر أيضا أن إحدى الصحف البريطانية العريقة أجرت قبل بضع سنوات مقابلة جميلة جدا مع زوجة أحد الزعماء العرب وأبرزتها على صدر صفحاتها لكن الصحيفة ذاتها انقلبت مائة وثمانين درجة بعد أن اختلف توني بلير مع الحكومة التي يرأسها ذلك الزعيم العربي، وتحولت إلى أداة دعائية مفضوحة للحكومة البريطانية لا هم لها سوى شيطنة ذلك الزعيم العربي ونظامه، بعد أن كانت قد قدمت زوجته قبل فترة على أنها نموذج للمرأة العربية المتحضرة والريادية!
وكم ضحكت وأنا أتابع إحدى قنوات التليفزيون البريطاني الخاصة قبل فترة وهي تجري مقابلة مع أحد البيض العائدين من زيمبابوي فالقناة لا تمل من الترويج لنفسها على أنها رمز النزاهة والاستقلالية لكنها ضربت عرض الحائط بكل شعاراتها المزعومة عندما تعلق الأمر ببلد على خلاف مع النظام البريطاني فكلنا يعرف أن نظام موغابي في زيمبابوي أصبح خروفا أسود في نظر الحكومة البريطانية لأنه دافع عن مصالح وطنه وشعبه وبالتالي لا بد من شيطنته وتصويره في أسوأ تكوين. لا عجب إذن أن استضافت تلك القناة "المستقلة والحرة" شخصين أبيضين عائدين من بلاد موغابي "المتوحشة"، ليصبا أحقادهما على حكومة زيمبابوي بما لذ وطاب من اتهامات وتلفيقات وفبركات. ولم يكن أمام المذيع سوى مباركة كل كلمة قالاها بحق موغابي. يا للإعلام الحر!"
وتحدث عن أكذوبة أخرى وهى ما يسمى بالإعلام المفتوح فقال :
"والأنكى من أكذوبة الإعلام الحر هناك كذبة أكبر ألا وهي أكذوبة الإعلام المفتوح، فقد درج المفتونون بالديمقراطية الغربية على تصوير وسائل الاعلام الغربية على أنها مفتوحة لكل من هب ودب كي يعبر فيها عما يجول في خاطره من أفكار وعقائد وهذه من أكبر الأساطير ولا أبالغ إذا قلت إن الإعلام الغربي يكاد يكون عصيا على الاختراق أكثر من صحيفة (الثورة) في عهد صدام حسين فوسائل الإعلام الغربية تمارس حمائية عز نظيرها حتى في أكثر البلدان استبدادا وانغلاقا واتذكر أنني عشت لسنة في بيت استاذ انجليزي في مقاطعة يوركشاير كان مواظبا على قراءة إحدى الصحف المحافظة وكان متأثرا بخطها المحافظ حتى العظم. وكان يراسلها باستمرار على أمل أن يرى اسمه منشورا في زاوية (بريد القراء) لا أكثر ولا أقل لكن أمله لم يتحقق إلا بعد حوالي عشرين عاما من المراسلة كما أخبرني، فقد تمكن بعد جهد جهيد أن ينشر بضعة أسطر في صحيفته الغراء مما حدا به إلى قص المساهمة وتكبيرها ومن ثم وضعها في إطار جميل كي يعلقها على حائط غرفة الاستقبال. وتساءلت وقتها إذا كان هذا الاستاذ المحافظ العتيد انتظر عشرين عاما لينشر سطرين في جريدته المفضلة والأثيرة على قلبه، فكم سينتظر شخص غير محافظ او غير بريطاني؟
ولا داعي للتذكير بأن وسائل الإعلام الغربية تمارس الحمائية الثقافية المفرطة ليس فقط ضد البعيدين بل حتى ضد الأقربين فلم أشاهد مثلا سوى بضعة أفلام أوروبية يتيمة على شاشة التليفزيون البريطاني طيلة فترة إقامتي هناك فإذا كان المسؤولون عن الإعلام البريطاني يمارسون التعتيم ضد الثقافات الأوروبية المجاورة والمشابهة أحيانا، فما بالك بالثقافات الأجنبية البعيدة؟ ألم يصب الإعلامي الاسترالي جون بلجر كبد الحقيقة عندما قال:
إن "الأنظمة الغربية تستخدم الإعلام لتطويع مجتمعاتها بنفس الطريقة التي تستخدم الأنظمة الشمولية وسائل القمع لإخضاع شعوبها"."
ولخص القاسم نتيجة المقال وهى أنه الإعلام العالم هو إعلام اسير لمصالح الجماعات التى تملكه وتديره فقال :
"لقد آن الأوان للتخلص من وهم أسطورة "الإعلام الحر" واستبداله بمصطلح "الإعلام الأسير" وليسمح لي العالم اللغوي السوري الراحل يوسف الصيداوي بأن استعير عبارته الشهيرة: "قل ولا تقل" فهي أفضل شعار يمكن أن يلخص وضع الإعلام في الشرق والغرب على حد سواء. لكن أتمنى أن يتمكن عصر العولمة الإعلامية من تحرير الإعلام العالمي من ربقة السياسة والإيديولوجيا والاقتصاد وجعله حرا حقا"
بالقطع فيصل القاسم رغم اعتناقه لكون الإعلام الحر والمفتوح أكاذيب فإنه يعمل منذ مدة طويلة في قناة الجزيرة وهى قنوات كانت مملوكة في السابق لبريطانيا وأوكلتها أو باعتها في الظاهر لقطر وهى قنوات أسيرة هى الأخرى رغم أنها تقوم باستضافة الصديق والعدو معا وتلك القنوات لها مهمة خفية وهى ما زالت تابعة للغرب وتنفذ ما يريد
ويظهر في تلك القنوات نفس العيوب التى قالها عن الإعلام البريطانى فمثلا مشكلة قطر مع النظام المصرى يجعلها تذكر العالم بفساده ومعايبه يوميا عبر قنواتها ومثلا يستعمل المذيعون في تلك القنوات تعابير مطاطة عن المشكلة الفلسطينية مثل الأراضى المحتلة
ولكن الشبكة العنكبوتية أتاحت للناس فرصة فضح الأسرار وإخبار الناس بالحقيقة ومع هذا فالشبكة العنكبوتية ما زالت غير محايدة هى الأخرى فمثلا الفيس بوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل تتبنى دولة إسرائيل في خرائط العالم وتمحو الوجود الفلسطينى وحتى عندما يكتب الناس عن مشكلات إسرائيل واتهامها يقوم اللهو الخفى إما بحظر كلى أو جزئى لتلك الحسابات
كما يبدو أن كل دولة محلية تتحكم في مع مواقع التواصل في الكثير مما ينشر فهى توقف أو تحظر الحسابات التى تتناول الأنظمة بالنقد والسخرية بحجة تافهة وهى انتهاك معايير المجتمع التى لا يعلمها أحد فمثلا الحسابات الإباحية لا يتم غلقها ولا حظرها بحجة حماية حقوق الشواذ والمثليين وغيرهم
إذا رغم الحرية الظاهرة فإن الشبكة العنكبوتية تمارس فيها نفس الحزبية والجماعية في الكثير من المواقع
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس