عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-03-2023, 07:54 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,979
إفتراضي

وإذا كان الدليل الذي دل على حجية ظاهر الأدلة الشرعية، هو استقرار طريقة العقلاء على الأخذ بظواهر الكلام، وتقرير الشارع لهم، وجب علينا -قبل كل شيء- أن نعود لطريقة العقلاء، ونأخذ بما يأخذون به من تلك الظواهر، ونعرض عما أعرضوا عنه.
ولا ريب أن العقلاء لا يرتبون آثار تلك الظواهر، ولا يأخذون بها إذا كانت غير معقولة.
وعلى هذا الضوء، يتأول جميع المفسرين، ويتبعهم العلماء والعقلاء وأرباب اللغة العربية، قوله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون}، ويقولون: المراد من القرية، بمقتضى دلالة الاقتضاء : أهلها مجازا، بعلاقة الحال والمحل، والمراد من العير أصحابها مجازا بعلاقة المالك والمملوك، أو أن الكلام فيهما مبني على حذف مضاف تقديره: واسأل أهل القرية وأصحاب العير.
وذلك، لأن حكم العقل بعدم قابليتهما للسؤال والجواب، يكون قرينة على أنهم لا يريدون سؤال نفس القرية ونفس العير، وبعد كونهم في مقام الاستشهاد على صحة دعواهم، فلا بد أن يكونوا قد أرادوا ما يصلح للشهادة، وليس هو في مثل المقام إلا أهل القرية وأصحاب العير.
وقد تحصل من هذا:
أن كلام الحكيم يحمل على ظاهره، ما لم يقترن بقرينة عقلية أو لفظية، أو مقامية، تدل على خلاف ذلك الظاهر، فإنه حينئذ يجب رفع اليد عن ذلك الظاهر.
ثم: إذا (كان هناك قرينة على خلاف الظاهر)، و كان ثمة قرينة أخرى تعين المراد، تعين، وإلا كان الكلام مجملا، لتعدد المعاني المجازية، وعدم قيام قرينة على تعيين إحداها.
والقول بتعين أقرب المجازات للمعنى الحقيقي، لا دليل عليه، لأن المدار على الظهور، والأقربية لا توجب الظهور، لأن الظهور نتيجة حاصلة من كثرة استعمال اللفظ في المعنى كثرة توجب فهم المخاطبين أو السامعين منه ذلك المعنى بمجرد سماعه.
وبعبارة ثانية: كثرة توجب أنس اللفظ بالمعنى وأنس المعنى باللفظ، حتى يصبحا كأنهما شيء (واحد)، ومن أجل ذلك يسري قبح المعنى وحسنه إلى اللفظ، كما هو المشاهد المحسوس، فلفظ "ورد" حسن، لأنه اسم لشيء حسن، ولفظ "القذر" قذر لأنه اسم لذات القذر.
ثم لا يخفى أن القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي تسمى قرينة معاندة، وإذا فهم منها المقصود كانت معينة أيضا، وإذا فهم من غيرها سمي ذلك الغير قرينة معينة، فالمجاز بطبعه ملزوم لقرينتين، إحداهما معاندة، وهي لازم غير مفارق، والأخرى معينة وهي لازم مفارق، ومن ثم قال علماء البيان: المجاز ملزوم لقرينتين: صارفة ومعينة، وقد تقوم قرينة واحدة بكلا الأمرين.
ومما لا ريب فيه عندهم، أن القرينة العقلية أقوى في الصارفية من غيرها، لأن القرينة العقلية بمنزلة النص في الوضوح والجلاء، بخلاف القرينة الكلامية والمقامية، لأنهما لا تخلوان من احتمال الخلاف.
ثم إنه لو فرض تساوي الظهورين في القرينة وذيها، كان الكلام مجملا، لأن المقصود من الكلام حينئذ غير واضح بنظر أهل المحاورة.
وقد قالوا: لا ينعقد للكلام ظهور ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام، كل ذلك مراعاة لاحتمال إتمام كلامه بكلام يكون قرينة دالة على خلاف ما يظهر من أوائل كلامه.
ألا ترى: إلى ظهور قول الملاك للفلاح: اقطع كل شجرة في البستان في إلزامه بقطع جميع ما فيه من الشجر، ولكن الفلاح إذا كان يعلم بأن مقصود المتكلم المحافظة على الشجر المثمر لشدة اعتناء الملاك فيه ومحافظته عليه، لم يجز له قطع الشجر المثمر! ولا الاحتجاج بقوله الأول (اقطع كل شجرة)، ومثل هذه القرينة تسمى قرينة مقامية، وتسمى لبية أيضا.
وأما إذا قال: اقطع كل شجرة في البستان لأنها مضرة بغيرها، فإن هذا الكلام يكون قرينة لفظية.
ومن هذا المثال يتضح لك: فعالية القرائن، في تطوير ظواهر الكلام، وتغيير اتجاهاته.
ولا يخفى أن البلغاء كانوا وما زالوا يتفاخرون بالإيجاز، وباستعمال المجازات والكنايات، والمبالغات المستملحة، وما نحن فيه منها، فكأن المتكلمين يقولون: نفس القرية والعير يشهدان بما نقول: مبالغة في وضوح المشهود به، على معنى أنها لو كانت تعقل وتنطق لشهدت بذلك، فحذف المضاف، والتجوز ليس مستحسنا للاختصار فقط، بل لما يحمله من مبالغة المدعي في وضوح دعواه
(3) القرينة العقلية هي عبارة عن أمر عقلي يمنع من الأخذ بالظاهر، كالمثال المتقدم حيث إنه يمتنع عقلا أن تشهد القرية أو العير (التحرير).
نتيجة البحث
إذا عرفت هذا، عرفت: أنه عندما يقوم الدليل العقلي على شيء، ويكون ظاهر الدليل اللفظي السمعي على خلافه، يكون الدليل العقلي قرينة على عدم إرادة ظاهر الدليل اللفظي، وحينئذ فإن ثبت له ظاهر آخر معقول تساعد عليه قواعد اللغة، وتشهد له ملابسات الكلام، على وجه يستقر له ظهور بنظر أهل المحاورة، حمل ذلك عليه، وعمل به، وإلا كان مجملا يجب الوقوف عنده."
المفترض ألا يكون الكلام عن الظاهر المخالف للعقل وإنما الظاهر المخالف للشرع فكما قلت مسبقا لا يمكن لله أن يترك للبشر تفسير كلامه ولذا حكم بالعودة إليه أى إلى تفسير الله للقرآن فقال :
"وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وهو ما سماه الله أنه هداهم لأمره بعد الاختلاف فقال :
"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"
والمراد "فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"
فإذنه هو تفسيره المبين للوحى ألأول الذى لا يدع شاردة ولا واردة إلا ذكرها تفصيلا كما قال :
" وكل شىء فصلناه تفصيلا"
فالاختلاف في الفهم ليس مرده إلى العقل ولا إلى أى شىء خارج الوحى و‘نما مرده إلى الوحى الثانى المفسر للوحى الأول وهو القرآن
وقد حفظ الله الذكر وهو التفسير افلهى فقال :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون"
وجعل الوحى ألأول والثانى موجودين في الكعبة الحقيقية للعودة إليهما عند اختلاف المسلمين في المراد بآية من الآيات
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس