عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-12-2009, 08:15 PM   #46
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السابع والثلاثون: التفاعلات الاجتماعية بين الإيطاليين والمغاربة في ميلانو ..
تقديم: فرانكا بيتزيني وكلوديو بوسي .. أستاذان في جامعة ميلانو ـ إيطاليا

(( إن تفكيري مُنشغل يا بني. ماذا سأسرد عليه الليلة هذه؟ سأسرد على سمعه، مثلاً، العرب عاشوا عصرهم الذهبي، وأنهم اخترعوا الصفر والجبر، وأنهم نقلوا الى أوروبا النصرانية، الفلسفة الإغريقية والاكتشافات الطبية الكبرى... سأسرد عليه مجد الماضي، ثم الهزيمة التي تتلوها الهزائم، ومعارك الاستقلال، ومن بعد هذا التخلف الذي نستشعره مثل الوسم على الجلد، وهذا الحاضر البائس، والبائس جداً حد شل قدرتهم على الحلم))
..................................... الطاهر بن جلون

مقدمة

بعدما تم تصدير البحث بمقولة (الطاهر بن جلون)، طلب الباحثان إعمال الرأي في القيمة الاستكشافية لبعض المفاهيم النظرية والإبستمولوجية لجورج باتيسون (G. Bateson) مسترجعين بعض أعماله وأعمال (مرجريت ميد) التي تذكرنا بكتابات (باتيسون) لصناعة مقاربة لبحثهما.

وخلاصة ما تم أخذه عن باتيسون بأنه رأى أن الاتصال بين مجموعتين مختلفتين ثقافيا يمكنه أن يؤول الى واحدة من التشكيلات التالية:

1ـ الاندماج الكلي بين المجموعتين.
2ـ إلغاء واحدة من المجموعتين أو الاثنتين معاً.
3ـ استمرار كلا المجموعتين معاً بمقتضى توازن ديناميكي داخل جماعة أكبر.

أولا: البحث

قام بالبحث (كلوديو بوسي) من جامعة ميلانو، على 540 مغربياً يعيشون في ميلانو في حي (كاتشينا روزا Cascina Rosa) وهم ممن أقام مؤخرا في إيطاليا قادمين من بلادهم الأصلية ووجدوا أنفسهم لأول مرة وجها لوجه مع الواقع الغربي والإيطالي. وهم يعيشون ظروفاً متدنية جدا سواء في سكناهم أو في عملهم.

ثانياً: أزمنة اللقاء وطرقه

1ـ الموعد: لم يلتزم أحدٌ من المغاربة في موعد ضربناه معه، وحتى المواعيد التي كانوا يضربونها لا تتحدد بساعة، فيقولون بالمساء أو بعد العشاء.

2ـ المشهد: وصلنا الى كاتشينا روزا قبيل الموعد ب 5 دقائق وسألنا عن السيد مكرم فقالوا: أنه في ساحة المبنى يعد سيارة. انتظرناه ونحن نتمشى ثم سألنا بعد 20 دقيقة فقالوا: لقد غادر بسيارته، وعندما عاد بعد ساعتين ونوهنا له بلطف عن الموعد، لم يتوقف عنده بل عرض علينا شرب الشاي.

3ـ ردود فعلنا: لقد كنا منزعجين (فهؤلاء المغاربة لا يحترمون المواعيد، إنهم لا يهتمون بالوقت المتفق عليه).

ثالثاً: وقت المحادثة الودية

1ـ المشهد: تجري المحادثة في كوخ من الخشب والكرتون في كاتشينا روزا. ولقد دعانا أصدقاء مغاربة في المساء لشرب الشاي عندهم بعد العشاء.

انقضت السهرة بوتيرة ثقيلة، ونحن نشعر بالوقت يمر بطيئاً. وكنا نستثقل طول وقت إعداد الشاي وبطئ الحديث ودوران الحركات والنظرات البطيئة.

2ـ ردود فعلنا: انطوى رد فعلنا على تناقض قوي: فمن ناحية هناك الضجر من هذا البطء، ومن ناحية أخرى هناك الإعجاب باستخدام وقت الفراغ بطريقة مضادة لسرعة الثقافة الغربية.

رابعاً: أمكنة اللقاء

1ـ بيوت الكاتشينا روزا: تنقسم الكاتشينا الى ساحتين كبيرتين، يتوسطهما مبنى من طابقين أما الأكواخ الصغيرة المستخدمة للسكن فهي مسنودة الى حائط السياج والى الرواق. في البناية المركزية توجد محلات مشتركة وبعض المساكن ويستخدم جزء من الرواق كمسجد للصلاة. وهناك عربات ريفية مسكونة كل واحدة بها 4 أو 5 أشخاص.

أما الأثاث، فهو أثاث مقتنى من أثاث سابق الاستعمال، تم تحويره وتكييفه حسب أذواق الساكنين، وعندما أبدينا ملاحظاتنا عن الرطوبة وكيفية التخلص منها، جاوبونا أن ذلك لا يناسب الأسلوب المغربي.

في الحقيقة ذهلنا من الإشهارات (الإعلانات) المغربية التي تبرز المغرب بجمال أبنيته ومقتنياته من السيارات الفخمة، وهذا النمط الذي يعيش فيه مغاربة إيطاليا.

2ـ رجل وثلاث نساء في بيت أصدقاء مغاربة: ننتقل الآن الى وصف الوضعية التي يكون عليها التصرف في الفضاء بحضور النساء. كان الفريق من ثلاث نساء ورجل (إيطاليين) والرجل زوج لإحدى النساء الثلاث، كانت هناك أريكة نهض الجالسون عنها وأجلسوا النساء الإيطاليات عليها، وحرصوا أن يكون زوج المرأة الى جانبها ولكن ليس بقرب النساء الأخريات، في حين قام المغاربة وجلسوا على الكراسي المنفردة. وفي ذلك إشارة الى الحماية الضمنية لكل النساء من قبل من يستضيفهم، وتكريمهن على الرجال.

3ـ في المرقص: ثمة سلوك يمكن إدراجه ضمن ثنائية حب الظهور/الإعجاب، وهو السلوك المتصل بالرقص. لقد تحققنا في مناسبات عدة أن الأفارقة يصيرون أثناء الرقص محل إعجاب الإيطاليين. ولما يكتشف الأفارقة ذلك، يتخذون مواقف تتصف بحب الظهور، فتتسارع حركاتهم ويظهرون براعتهم بالرقص، وقد لا يكونون كذلك في بلدانهم!

خامساً: العمل والضيافة

نحس أن المغاربة يعاملوننا كأصدقاء، بشكل ودود كبير، فهم يدعوننا للعشاء وتناول الشاي، ويعاتبوننا إذا تأخرنا عن زيارتهم ونحس بالحرج والتقصير إزاء تلك العواطف الجياشة.

وبالمقابل، فإننا ما أن نقابل مغربيا من أصدقائنا إلا وطلب منا مساعدة في البحث عن عمل لأحد الوافدين الجدد، حتى صرنا نشعر وكأننا مكتب عمل لتشغيل المغاربة أو نتستر على مهاجرين بما يخالف قوانين البلاد.

ولم نحس للحظة واحدة، أن كرمهم معنا كان من أجل مساعدتهم، لكن لم يمنع ذلك من أن نربط تلك الخصلتين معاً.

سادساً: العمل والسلطة

لدينا مثال، لشاب مغربي اسمه إدريس، يعمل في متجر لبيع اللوازم الرياضية، وعمله مضني، وفي المتجر امرأتان إيطاليتان تدعى الأولى (لورا) والثانية (غراتسيا) ومسئول رجل يدعى (موريتزيو) وكان هناك شجار مستمر بين إدريس والمرأتين، فكان يتظاهر بعدم سماع أوامرهما: امسح تلك الطاولة، انقل هذا الغرض من المكان الفلاني الخ، لم يظهر لنا كباحثين أن هناك نبرة سيئة في كلام المرأتين تدل على عدم اللياقة أو على التسلط.

فاكتشفنا أن إدريس بثقافته وتكوينه لا يحب أن يكون تحت إمرة امرأة، وهو شعور ذكوري تتصف به كل الشعوب العربية

خاتمة

ماذا نستنتج مما سقناه من أمثلة، وأين موقعه من فرضيات (باتيسون). لقد بينت أمثلتنا أن هناك انعدام التوازنات وبروز حالات سوء الفهم، وهناك حالات يمكن أن يحدث فيها التوازن (العشاء، الضيافة، الرقص)، والاختلافات الأخرى تأتي من خلال الثقافات القديمة والصور المقدمة إعلاميا، خصوصا تلك التي رافقت حرب الخليج، عندما اختفت حركة المغاربة في الحي ولازموا مساكنهم، وحتى لم يخرج بائعو السجائر منهم الى الشوارع.

وكان هناك شعور لدى الإيطاليين بالخوف من العربي ومن المسلم ومن الأصولي الخ. وأوردت صحيفة إيطالية خبراً عن مغربي اسمه علي أنه منذ أول أيام الحرب لم يعد علي يرغب في الذهاب الى عمله. إن الناس في السوق ينادونه بصدام.

انتهى القسم الرابع في صفحة 648 من الكتاب
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس