عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-10-2009, 07:13 PM   #42
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القسم الرابع: ما بين الحدود: المهاجر العربي


الفصل الثالث والثلاثون: العربي كبش الفداء ..

تقديم: روبار شارفان .. أستاذ في جامعة نيس ـ فرنسا

((... كُنت غريباً فما آويتموني، عارياً فما دثرتموني، مريضاً وسجيناً فما زرتموني... فاغربوا عني بعيداً نازلةً بكم اللعنة في النار الأبدية))*1

في يوم 13/6/1987، اغتال ستة شبان من ذوي (الرؤوس المحلوقة) شاباً تونسياً من العمال في مدينة (نيس) وهو (حمة العييدي)، المقيم في فرنسا منذ عشر سنوات. وتذكر الصحافة أن أحد القتلة أجاب لما سُئل عند إيقافه عن سبب القتل، أجاب: (لقد قُتل العربي، فما الأمر في ذلك؟)

صار العربي منذ سنوات عديدة عرضة لظاهرة رفض جماعي، ليس من حزب سياسي معين مع أنصاره، بل من رقعة تتسع يوما بعد يوم، وأصبح العربي هو من يستحق الإشارة له بالبنان بأنه الآخر الملعون والمتواجد في أرض فرنسا.

أولاً: الإرث المزمن

إن تاريخ فرنسا مصنوع من المخاوف الجماعية المتواترة، والمتعللة بالخطر الذي يتهددها من هذه الظاهرة أو تلك، ومن هذه الجماعة أو تلك. لقد التصق وباء الطاعون الذي حل بفرنسا بالقرون الوسطى، باليهود الذين اتهمهم الفرنسيون أنهم أدخلوا هذا الوباء ونشروه في فرنسا، ولقي عددٌ من اليهود حتفهم جراء غضب الفرنسيين.

وفي الحقبة المعاصرة وبالذات في فترة حكم نظام (فيشي: أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا بين عامي 1940ـ1944)، ساد شعورٌ من الكراهية في الأوساط الفرنسية يحمل فيه جهات ثلاث خسران فرنسا للحرب وهزيمتها أمام ألمانيا.

والجهات الثلاث هي: السامية المتمثلة باليهود، والتي تحظى بكراهية شديدة من الأوساط الكاثوليكية، ويلتف حول تلك النزعة في كراهية اليهود، الوسط البرجوازي الفرنسي والذي يعتقد أن اليهود يمثلون الرأسمالية التي تعادي البرجوازية الوطنية الفرنسية. والجهة الثانية (الماسونية) والتي تحاول بعث أفكار بغيضة تكونت في العهد الجمهوري الأول الذي جاء على إثر الثورة الفرنسية، وهو في نظر الأوساط البرجوازية المسئول عن انحطاط فرنسا. وفي الجهة الثالثة يأتي الشيوعيون الذين يبشرون باقتسام خيرات البلاد بين من يستحقها ومن لا يستحقها.

وقد ساد نوع من الهذيان، كل أوساط الفرنسيين، عندما توالت خسائرهم في فيتنام والجزائر، وأرجعوا سبب هزيمتهم في فيتنام الى الشيوعيين الكريهين. أما خروجهم من الجزائر فكان نتيجة تحالف الشيوعيين مع أعداء أوروبا من كل أنحاء العالم.

ثانياً: في الأزمة يكمن المصدر الآني

مع بداية التأزم الاقتصادي والاجتماعي الذي ساد في فرنسا، كما ساد معظم الدول الرأسمالية منذ السبعينات من القرن الماضي، والذي تزامن مع بداية أفول الوهج الشيوعي العالمي، شعر الفرنسيون وبالذات من كان يحلل منهم وينظر للسياسة والاقتصاد، بالحيرة الشديدة، فقد تم حرمانهم من (شماعة) يعلقون عليها إخفاقاتهم ومسبباتها، فبعد أن كان الانحراف الشيوعي السبب الأساسي وراء كل مصيبة رأسمالية، أصبح الفرنسيون يبحثون عن محفز جديد لدفاعهم الشرعي عن بلادهم ومعتقداتهم.

من رحم تلك الأوضاع، استفاقت نزعات العداء العنصرية، التي كانت في حالة سبات أثناء مقارعة الشيوعية البغيضة والماركسية الدنيئة (حسب وصف الباحث أو تهكمه). وكان العربي أسهل جهة يمكن تشخيص مزيتها، بعكس الاعتقاد (غير المرئي) الذي يصنف الناس على أفكارهم. فالعربي عدو لا يقف بالظل بل هو قائم بهيئته وسلوكه وما يلف ماضيه من معتقدات محلية قابلة للاستنهاض.

لكن، لم يكن من السهل تصفية العربي ك (آخر)، فمعاداة الشيوعي والماركسي كانت تأخذ بعداً راقياً ونبيلاً، في حين أن معاداة العربي وما تبعه من معاداة (العالم الثالث) اصطدم باعتراض محاربي العنصرية وأصحاب المبادئ التي تحاول فرنسا تمثيل دور ريادتها.

من هنا، تشكلت منظمات يمينية قومية متطرفة، تتحمل ظاهريا دناءة أعمالها في مضايقة العرب والمهاجرين من دول العالم الثالث، وتحظى باطنيا بأريحية تجعل من ملاحقة هؤلاء المتطرفين جهداً متلكئاً غير مؤثر وكابح.

ثالثاً: الحاجة الى عدو

إن مجتمعاً متأزماً هو مجتمعٌ في حاجة عاجلة الى أعداء. فالعدو هو، بالفعل، ذلك الذي يمتلك حلول الأزمة، وإن لم يحصل ذلك، تتقطع عُرى المجموعة بحثاً في داخلها عن أسباب تناقضاتها. وهذا سيتجسد في (آخر) يتم صناعته وتأطيره لتلك الأغراض.

فالعربي، على الصعيد الاقتصادي، يتهمه الرأي العام بأنه مسبب الأزمات النفطية، ابتداءً من عام 1973. والعربي هو موجود في (موضوع ثِقَل المهاجرين) الذين يسحبون مال فرنسا من أجل رعايتهم وإدامة وجودهم. والعربي هو من يستحوذ مساحات شاسعة من العالم ويكره قبول (إسرائيل) في محيطه ويتطلع باستمرار للهجرة واحتلال مناطق أخرى في العالم.

وعلى الصعيد الأيديولوجي، فلا فرق بين عربي ومسلم متطرف، يرى في الآخرين أهدافاً يجب التغلب عليها وإبادتها. وفي جانب آخر يطلق الفرنسيون على العرب (عالم رابع) أي يتخلف علميا وحضاريا عن العالم الثالث (المتخلف أصلا).

لقد وجد المروجون لنظرية العداء للعربي، في تكدس الأموال في بعض الدول العربية، وتصنيف الجيش العراقي (آنذاك) كرابع جيش في العالم سنداً قويا في تثبيت تهمة خطورة العربي على أوروبا.

إن العربي في نهاية المطاف هو (العكاز) الذي تتعكز عليه الجهات الموكلة في إدارة أزمات فرنسا، أي أنه هو من سيرمم الوضع السياسي والأيديولوجي المأزوم!

رابعاً: صورة العدو

ليست التمثلات حول العربي في فرنسا مبنية على الاحتكاك به، بل تتبلور من خلال الموقف السائد إزاءه. لقد تطورت القوالب الجاهزة انطلاقا من حرب الجزائر ثم انطلاقا من العمال المهاجرين (عندما لم يعد الاقتصاد الفرنسي محتاجا إليهم).

لم تلغِ معاداة الشيوعية أثناء أوجها معاداة اليهود، لكنها غطت عليها. ولم تلغ معاداة العرب معاداة الشيوعية واليهود ولكنها غطت عليهما. وتأتي التغطية من تضخيم التهديد الآني بوسائل الإعلام وإرادة من يريد من ذلك التضخيم. فليبيا التي لا يزيد عدد سكانها عن أربعة ملايين، يتم تصويرها كوحش هائل يريد تكسير هيبة المتحضرين، فملابس العقيد القذافي وطريقته العصبية في الكلام يتم استغلالها لتغطي كل العرب على تلك الهيئة، إنهم يصورونه كما كان يصور زعماء الهنود الحمر في القرون الوسطى على أنهم زعماء يرفضون كل ما هو متحضر.

وفي جانب آخر عندما يطعن أحد الفلسطينيين صهيونيا بخنجر، فإن الإعلام الفرنسي يشير الى وحشية هذا العمل ويربط السلاح الأبيض بالهمجية (عند الهنود الحمر والقبائل البدائية)، في حين عندما يتم قتل فلسطيني على يد الصهاينة، يأتي الخبر (أن فلسطينيا مات مصروعا) وهو لفظ يطلق على الطرائد (في الصيد).

إن تلك الثقافة الغريبة (كما يقول الباحث) تكشف النقاب عن غرب (مُنتصِر ومبلبل في آن واحد) (غني ومنهك القوى) (قوي ومريض بالهذيان الذهاني) (متطور تقنيا ومتأثرا بالتفسيرات السحرية).

إن ثورة هائلة هي الآن بصدد الحدوث (هكذا ينهي الباحث بحثه) وهذا ما يؤكد عليه مؤلف كتاب (كبش الفداء)، [جيرار] بقوله: (إن بعض الناس لم تعد تستهويهم ممارسة الاضطهادات النابعة من معتقداتهم بالذات).

(كان هذا الفصل من الكتاب يقع بين صفحات 587ـ 597).

هوامش:
* الكتاب المقدس، (إنجيل متي) الإصحاح 25 ـ نقلا عن الفرنسية
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس