عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-12-2006, 01:48 AM   #42
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

لذلك لابد من مناقشة هذا الفكر وأسانيده لإظهار الحق ، علماً بأن هذا البحث متمم للأبحاث التى قدمت تحت عنوان حماية المقدسات .

الأجوبة المكية فى الرد على الرسالة النجدية :

هذا عنوان رسالة أملاها علماء مكة المكرمة المعاصرون لابن عبد الوهاب ، وقد أقرهم على ردودهم جميع علماء وقضاة ومفتىّ سائر البلاد الإسلامية الذين كانوا حاضرين بمكة المكرمة للحج ، بل وأجمعوا على وجوب قتالهم وجهادهم ، وجاء فى هذه الرسالة : أما بعد .. فقد وردت الصحيفة الردِّية – أعنى الرسالة الوهابية النجدية – ضحوة الجمعة سابع شهر محرم المكرم وذلك بحرم الله المحترم وبيت الله المكرم وجند الشيطان " نجد " إليها قاصدة على نيات خبيثة وعزائم فاسدة والأخبار موحشة غير راشدة .

وما فعلوا بالطائف من القتل والنهب والسبى وهدم مسجد عبد الله بن عباس رضى الله عنه ينذر بإساءة أدبهم فى البلد الأمين .

فاجتمع علماء مكة المعظمة - زادها الله شرفاً - بعد صلاة الجمعة عند باب الكعبة وأكبوا على مطالعة الرسالة النجدية ليحققوا ما فيها من الغى والضلال ، وأمرنى المدبر ، وأنا أحمد بن يونس الباعلوى بكتابة ما قالوا رحمهم الله ..

وباقى الرسالة هى ردود العلماء على رسالة ابن عبد الوهاب التى عرفت فيما بعد باسم كتاب التوحيد .

مع العلم أن جلة علماء الأمة منذ عصر ابن عبد الوهاب وحتى الآن ناقشوا الفكر الوهابى وردوا عليه واعتبروه رسالة تفرق الأمة وتنشر الفتنة ولا تتورع عن القتل وسفك دماء المخالفين ، ومن هذه الكتب : " النقول الشرعية فى الرد على الوهابية للشيخ مصطفى بن أحمد الشطى ، وتطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد للشيخ محمد بخيت مفتى الديار المصرية سابقاً ، وشواهد الحق فى الاستعانة بسيد الخلق للشيخ يوسف النبهانى ، وغيرهم كثير مثل الشيخ عبد الحليم محمود ومحمد زكى إبراهيم وعز الدين ماضى أبو العزائم ومحمد متولى الشعراواى . واتفقت كل هذه الكتب فى الرد على الفكر التكفيرى وإبراز عيوبه وبعده عن تعاليم الإسلام .

مناقشة الفكر التكفيرى

خلاصة ما ورد به العلماء الأجلاء على الفكر التكفيرى وتعليقنا عليه فيما يلى :

1 – مشروعية زيارة القبر الشريف للبعيد والقريب : علم أن ابن تيمية سبق ابن عبد الوهاب فى تحريم زيارة قبر النبى الشريف ، ومنعوا قصر الصلاة فى السفر إليها على اعتبار أنه فى معصية وأنهم حكموا بكفر من يتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من أهل بيته أو الأولياء ، واستباحوا دم فاعله وماله وعرضه .

ومناقشة هذا الأمر تثبت فساد ما ذهب إليه التكفيريون ، فمن الأحاديث الشريفة الصحيحة فى الحث على زيارته والسفر إليه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من زار قبرى وجبت له شفاعتى " رواه الدارقطنى والبيهقى ، وقال (ص) : " من جاءنى زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتى كان حقاً علىّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة " رواه الطبرانى فى معجمه الكبير والدارقطنى فى أماليه وغيرهما .

وقال القاضى عياض فى كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " : وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها وذكر عدة أحاديث منها قوله (ص) : " من زارنى فى المدينة محتسباً كان فى جوارى وكنت له شفيعاً يوم القيامة " . كما قال القاضى عياض : قال اسحق بن إبراهيم الفقيه : ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة المنورة والقصد إلى الصلاة فى مسجد رسول الله (ص) والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطىء قدميه والعمود الذى كان يستند إليه وينزل جبريل بالوحى فيه عليه ، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين والاعتبار بذلك كله وعن يزيد بن أبى سعيد المهدى قال : قدمت على عمر بن عبد العزيز ، فلما ودعته قال : لى إليك حاجة ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبى (ص) فأقرئه منى السلام ، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يبعث الرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليقرىء النبى (ص) السلام ، يقول له : سلم لى على رسول الله (ص) ثم يرجع .

وقال فى شرحه : ان الزائر المسلم على النبى (ص) يحصل له فضيلة رد النبى عليه ، وهى رتبة شريفة ومنقبة عظيمة ينبغى التعرض لها والحرص عليها لينال بركة سلامه ، وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب إذا قدم من سفر أتى قبر النبى (ص) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أيا بكر ، السلام عليك يا أبتاه .

أما حجة التكفيريين بالحديث المشهور " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام، ومسجدى هذا ، والمسجد الأقصى " .

هذا الحديث عن شد الرحال هو من أشد ما قام به التكفيريون ضد كل زائر لأى مسجد غيرهم، فضلاً عن زيارة قبور الأولياء .

ومناقشة متن هذا الحديث تثبت أن هناك بعض الشك فى صحته ، وأنه موضوع على رسول الله (ص) لأن هناك مسجداً رابعاً ذكر فى القرآن الكريم وهو مسجد قباء ، والذى نزل فيه " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يطهروا " ، وروى عن النبى (ص) أنه قال : ثواب الصلاة فى قباء يعادل عمرة تامة " ، ولا يمكن ذلك إلا بشد الرحال الى قباء ، يفعل هذا حجاج بيت الله الحرام والذين يزورون المدينة المنورة فيذهبون إلى مسجد قباء ومسجد القبلتين ومسجد الغمامة وغيرها من المساجد .

إن حديث شد الرحال أقيمت عليه الدولة السعودية ، وبنى عليه الفكر التكفيرى بصفة عامة .

أما مس قبر النبى (ص) فقد قال ابن تيمية وابن عبد الوهاب إن الأئمة اتفقوا على عدم جواز تقبيل حجرة نبينا (ص) أو التمسح بها ، بل اتفاقهم على أن ذلك منهى عنه ، ويقول ابن تيمية فى الفتاوى : وكذلك حجرة نبينا (ص) وحجرة الخليل وغيرهما من المدافن التى فيها نبى أو رجل صالح لا يستحب تقبيلها أو التمسح بها باتفاق الأئمة بل منهى عن ذلك ، ولم يقل من هم هؤلاء العلماء الذين اتفقوا على منع التقبيل أو التمسح ، ولكن هذا الاتفاق المزعوم يتهاوى عندما تقرأ ما يخالفه .

فالإمام أحمد بن حنبل والحاكم والطبرانى والسيوطى ردوا : ورد عن الصحابى الجليل أبى أيوب الأنصارى ، حيث أقبل مروان بن الحكم يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجه على القبر- ولم يعرف أنه أبو أيوب – فقال : أتدرى ما تصنع ؟ فقال : نعم ، جئت رسول الله (ص) ولم آت الحجر .. ثم قال (غامزاً مروان والأمويين) سمعت رسول الله (ص) يقول (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله) كما ورد عن مؤذن الرسول (ص) بلال بن رباح انه مرغ وجهه على القبر الشريف ، أورده ابن عساكر فى تاريخ دمشق والشوكانى فى نيل الأوطار .

- ادعى ابن تيمية وابن عبد الوهاب اتفاق أئمة المسلمين على أن الظن بأن الدعاء عند قبر النبى (ص) مستجاب أو أنه أفضل من الدعاء فى المساجد والبيوت من المنكرات المبتدعة وهى محرمة .

ويقول ابن تيمية : واتفق الأئمة على أنه يسلم عليه عند زيارته وعلى صاحبيه .. ومع هذا لم يقل أحد منهم أن الدعاء مستجاب عند قبره ، ولا أنه يستحب أن يتحرى الدعاء متوجهاً إلى قبره ، بل نصوا على نقيض ذلك ، واتفقوا كلهم على أنه لا يدعو مستقبل القبر ، بل نص أئمة السلف على أنه لا يوقف عنده للدعاء مطلقاً .

ودوماً ما يكرر ابن تيمية كلمة واتفق الأئمة ، ولا يذكر من هؤلاء الأئمة الذين اتفقوا ، لكن المؤكد أن سلف الأئمة كانوا يذهبون للقبر الشريف ، ويدعون الله بجواره ، فقد ورد عن السيدة عائشة فى عام القحط حين جعلوا كوة فى سقف الحجرة إلى السماء للاستغاثة به (ص).. رواه الدارمى ، وقد ذكره ابن تيمية نفسه وضعفه لأنه لا يؤيد فكره .

وقال العلامة الشيخ محمد بخيت فى كتابه (تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد) ما ملخصه : ذكر الإمام الغزالى أن المقصود من زيارة الأنبياء والأولياء والأئمة الاستمداد من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أرواحهم .

كما دللوا على أن الحى يستفيد من الميت من التقاء النبى (ص) مع موسى عليه السلام فى رحلة المعراج ، التقيا فى عالم البرزخ وقال موسى للنبى : ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف (أى فى الصلاة عندما فرضت أولاً خمسين صلاة فى اليوم) .

كذلك روى البيهقى عن أنس (رض) أن أعرابياً جاء النبى (ص) يستسقى به وأنشد أبياتاً فى آخرها :

وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الخلق إلا إلى الرسل

ولم ينكر عليه النبى (ص) هذا البيت .

2 – نجاة الأمة من الشرك :

يعتقد التكفيريون بصفة عامة أن أمة الإسلام جميعها وقعت فى الشرك ، وقال ابن عبد الوهاب فى رسالته : فنحن نشاهد أقسام الشرك كلها فى الناس ونرى الناس رجعوا الى دين آبائهم كما أخبر النبى فى صحيح مسلم ، وقال : قال الله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً " سورة النساء / 116 .

والشرك الأكبر هو الإشراك فيما خصصه الله تعالى لنفسه وهو كثير ، نذكر شيئاً منه ليقاس عليه غيره ، والشرك أربعة أقسام هى : الإشراك فى العلم ، والإشراك فى التصرف ، والإشراك فى العادة ، والإشراك فى العبادة أى تعظيم غير الله كتعظيمه سبحانه وتعالى .

ومناقشة هذا يثبت تهافته بسهولة ، لأن ما قاله هو تشريع جديد مخالف لما جاء من النبى (ص) وفهمه الصحابة والتابعون ، فقد صرموا جميعاً بأن الشرك هو إثبات الشريك فى الألوهية ، انما بمعنى وجوب العبادة كالمجوس ، أو بمعنى استحقاق العبادة كعبدة الأصنام .

فمدار الشرك وركنه هو اعتقاد تعدد الآلهة كما أن التوحيد اعتقاد وحدة الإله ، قال الله تعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون " سورة التوبة/31 ، ولما نزلت " وإلهكم إله واحد " سورة الكهف / 110 قال مشركو مكة لما سمعوها : " كيف يسع الناس إله واحد وإن محمداً ليقول إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين " . لايوجد مسلم فى الأرض يعتقد أن الأنبياء والصالحين مشتركون فى الله سبحانه فى الألوهية، ولا يعتقد مسلم فى عبادة غير الله سبحانه وتعالى .

والأمة نجت من الشرك عموماً ، ومسألة تكفير المسلم لأنه يزور مراقد الأولياء أو اتهامه بالشرك نوع من أنواع عماية الوعى وغفله القلب .
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس