عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-07-2006, 02:26 PM   #37
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مساحة الفقه الإسلامي في العقل العربي :

( 2 )


لقد حاول الجهد البشري منذ العصور القديمة ، أن يضع قوانين خاصة بسير الحياة و تفسيرها ، فكانت شرائع حمورابي ، كما كانت الألواح الإثني عشر عند اليونان ، كما كان للرومان وأهل الهند و الصين قوانينهم القديمة ..

عندما انتشر الفقه عند العرب ، كنشاط مقابل للفلسفة عند اليونانيين ، وكانوا كما أسلفنا يطلقون عليه ( العلم ) وعلى من يمارسه من الفقهاء ( العلماء ) ، ظهر في القرن الهجري الثاني ، مدارس فقهية ، كان همها التشريع للمجتمع ، في حين ظهر نوع متقدم من تلك العلوم وهو أصول الفقه ، كانت مهمته التشريع للعقل ..

( إن القواعد التي وضعها الشافعي لا تقل أهمية بالنسبة لتكوين العقل العربي الإسلامي عن ( قواعد المنهج ) التي وضعها ديكارت بالنسبة لتكوين الفكر الفرنسي خاصة والعقلانية الأوروبية الحديثة عامة ) * 1

لقد ظهر تياران عند بداية تشكل الفكر العربي الإسلامي ، تيار يتمسك بالموروث الإسلامي و يدعو الى اعتماده ( أصلا) وحيدا للحكم على الأشياء ، وتيار يتمسك بالرأي ويعتبره الأصل الذي يجب اعتماده ، سواء في الحكم على ما جد من الشؤون أو في فهم الموروث الإسلامي نفسه .

وعندما لم يكن هناك من يتجرأ على التكذيب بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي تأتي قوتها في الفقه بعد كتاب الله عز وجل .. ولما كان جمع الحديث و تمحيصه و تصنيفه ، لم ينته بعد . كان لا بد أن تظهر نزعات في وضع قوانين خاصة لضبط شكل الفتاوى و ما ينتج عن الفقهاء من جهد .

لقد ظهر جدل عميق بين أهل النحو وأهل الكلام وتداخل مع النشاط الفقهي ، ففي حين تصدى أئمة المعتزلة ، وبعد تصفية الزنادقة ، الى النشاط الذي تسرب من خارج الدائرة العربية ، وبالذات أولئك الذي أتى من ( المانوية ) .. وقد تعدى نشاطهم هذا الجهات الخارجية ، ليتعقب ذلك النشاط داخل الدائرة الإسلامية العربية .. وهذا ما دفع ( أبو الحسن الأشعري ) للتأسيس لعلم الكلام ( والذي يقابل علم المنطق الغربي ) .. كما ظهر في علم النحو الذي كان يوظف في (التأويل ) ولم يكن بعيدا عن النشاط الديني بأي حال .. فكان الخليل بن أحمد وتلميذه ( سيبويه ) ..


كان الشافعي(150ـ 204 هـ) صاحب كتاب (الرسالة) معاصرا للخليل ابن احمد ، وتلميذه سيبويه ، وكان الخليل مؤسس علم ( العروض) و سيبويه مؤسس قواعد علم النحو وصاحب المؤلف الشهير ( الكتاب ) ولما كان الخليل قد وضع قوانين لضبط الشعر ، وسيبويه يضع قوانين لضبط النحو .. وطبعا إن الشافعي الطالب للعلم و الأستاذ المفكر الذي نظم الشعر و تفقه في اللغة و أصولها ، وتجول على كبار الشيوخ في كل منحى ، كان لا بد له أن يفكر بوضع قوانين للفقه ، وان كان يؤسس لنظام ( البيان ) نفسه .. فكان يتساءل : كيف البيان ؟ ويجيب :

( البيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول ، متشعبة الفروع . فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة : أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه ، متقاربة الاستواء عنده ، وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض ، ومختلفة عند من يجهل لسان العرب ) * 2

وهنا يحصر الشافعي مسألة البيان في خمسة وجوه :

الأول : ما أبانه الله لخلقه نصا بحيث لا يحتاج الى تأويل أو توضيح لأنه واضح بذاته ..ثانيا : ما أبانه الله لخلقه نصا ولكنه احتاج لنوع من التوضيح . ثالثا: ما أحكم الله فرضه في كتابه وبين كيف هو على لسان نبيه . رابعا : ما سكت عنه القرآن ولكن الرسول صلوات الله عليه أبانه فصار في قوة الوجوه السابقة . وأخيرا ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه . يقول الشافعي ( ليس لأحد أبدا أن يقول في شيء حل أو حرم إلا من جهة العلم . وجهة العلم : الخبر في الكتاب والسنة ، أو الإجماع أو القياس ) * 3

لقد كان الشافعي المشرع الأكبر للعقل العربي ، وقد كان الرأي قبله ، خصوصا عند أبي حنيفة ، حرا طليقا ، فقيده الشافعي واشترط عليه المعرفة بأخبار السلف و أصول اللغة .. وطبعا هذا الجانب الآخر من فكرة البيان ( الفقه واللغة)

يروى أن رجلا سأل أبا حنيفة عن شيء فأجابه فيه ، فقال الرجل معترضا : أنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا .. فقال أبو حنيفة : دعنا من هذا .. وروي عنه أن أحدهم ذكر أمامه أن ( البيِعان بالخيار ما لم يفترقا) أي أن البائع و الشاري يمكنهما التراجع عن صفقتهما طالما بقيا في نفس المكان . فقال أبو حنيفة محتجا : ( أرأيت ان كانا في سفينة ؟ أرأيت إن كانا في سجن ؟ أرأيت إن كانا في سفر ) .. وهي دلالة على عدم رضاءه عن تلك القاعدة بشكل مطلق ..بل لكل حادثة بيع ظرفها ..وهناك حادثة الذي حلف أن يطأ امرأته في رمضان وفي النهار .. كيف أفتاه أبو حنيفة بوجوب سفره الذي يحلل له الإفطار ثم عدم منع وطأ زوجته * 4

يتبع
ــــ
المراجع :
1 ـ دراسات في تاريخ الفكر العربي /د خليل السامرائي جامعة الموصل ص 159 / 1986
2 ـ تكوين العقل العربي / د محمد عابد الجابري / مركز دراسات الوحدة العربية /بيروت ط5 1991/ ص 103
3ـ الجابري / المصدر السابق 105
4ـ الجابري / المصدر السابق ص 106
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس