عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-07-2006, 04:54 PM   #35
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مساحة الفقه الإسلامي في العقل العربي :

( 1 )

لم يستطع علماء الغرب أن يربطوا نمو تطور الفقه عند المسلمين ( والعرب منهم بالذات ) في علوم الغرب القديمة .. وإن حاولوا الاجتهاد في ذلك مرارا ، فيقول المستشرق (هملتن جيب ) : ( لقد استغرق العمل الفقهي خلال القرون الثلاثة الأولى (للهجرة ) الطاقات الفكرية لدى الأمة الإسلامية الى حد كبير لا نظير له ، إذ لم يكن المسهمون في هذا الميدان هم علماء الكلام والمحدثون والإداريون فحسب ، بل أن علماء اللغة و المؤرخين و الأدباء أسهموا في نصيب في هذه المجموعة من المؤلفات التشريعية و مناقشة القضايا التشريعية ، وقلما تغلغل الشرع في حياة أمة وفي فكرها هذا التغلغل العميق مثلما فعل في الأدوار الأولى من المدنية الإسلامية )* 1

لقد انتشرت الجهود الفقهية و نمت ، وكثرت المؤلفات فيها ، ويكاد لا يخلو بيت من مؤلفات فقهية ، حتى في العصر الحديث . ويكاد لا يخلو خطاب سياسي من الإشارة ، ولو بطرف خفي الى الفقه الإسلامي ، حتى ولو كان موقف الخطاب ، محسوبا على الخط الرافض لزج الدين في السياسة ، فكان الفقه ولا يزال يؤثر تأثيرا عظيما في كينونة المؤيدين للحكم الإسلامي و المعارضين له .

ولم يقتصر تأثير الفقه الإسلامي على العرب وحدهم ، بل على شعوب الأقطار التي دخلت في الإسلام .. والملاحظ أن تاريخ البلاد الداخلة في الإسلام ، والذي سبق دخولها فيه ، لم يؤثر أي تأثير ملحوظ في النشاط الفقهي لتلك الشعوب ، فقد كانت القاعدة القائلة : ( الإسلام يجب ما قبله ) .. هي خط البداية الجديد لتلك الشعوب في اشتراكها بالنشاط الفقهي ..


و قد يلاحظ المتتبع لتطور النشاط الفقهي ، بأن الفقه في عهد الرسول الكريم صلوات الله عليه وحتى نهاية العهد الأموي ، كانت صبغته عملية ، وليست نظرية .. فكان الناس يتساءلون عن حكم بعض القضايا ، بعد وقوعها ، ليحتكموا عند الشرع فيها و ينظروا ما يقول ..

لكن بعد انتهاء العصر الأموي ، أصبح الفقه يأخذ منحى أشبه ما يكون بالنشاط الرياضي الذهني ، فكان يفترض افتراضات و يضع حلولا لتلك الافتراضات و يحدث أن تبرز معارضات للحلول الموضوعة لتلك الفرضيات ، التي لم تحدث أصلا ..وهذا يدلل على نشاط أقرب ما يكون ل ( الفلسفي) منه الى غير ذلك .. وقد ترك هذا النمط من النشاط الذهني أثره على البحوث الإسلامية وعلى نشاط العقل العربي ، من زاوية إكتناه مواطن الصحة من الخطأ فيه .. وهو ما يطلق عليه في العصر الحديث بالنشاط (الإيبستمولوجي ) .

ولم يوظف الفقه ، علم الكلام واللغة و الشريعة فحسب ، بل ذهب أبعد من ذلك ، الى علم الحساب الذي كانت المعرفة فيه ستتمم القدرة على تنفيذ مطابقات قسمة الإرث وغيرها من استخراج الزكاة الخ ..

وإن كان علم الجبر العربي مدين لجهة في تطوره ، فالجهة ستكون ودون شك علم الفقه .. ولا عجب فقد كان الخوارزمي أبو الجبر والذي عاش قسما من حياته في عصر المأمون أحد العاملين بالفقه ، قبل أن يصل الى روائعه في اللوغاريتمات و الجبر !* 2

المراجع :
ــــ
1ـ هملتون جيب : دراسات في حضارة الإسلام ص 263 .. ترجمة احسان عباس / دار العلم للملايين 1964
2 ـ كتاب الجبر والمقابلة / تحقيق علي مصطفى /دار الكتاب /القاهرة 1968
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس