عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-04-2019, 10:12 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي

آثرت بها المقعد المسكين إنما هي ذخيرة لي وضعتها عنده ليوم فاقتي قال ومتى ذاك اليوم قال يوم يحتاج الناس إلى ذخائرهم في الآخرة فتعجب الصياد لذلك وندم
ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غر أهل العقل والجهل حتى هلكوا جميعا بالرجاء والطمع كما هلك اليهودي والنصراني قالوا أخبرنا كيف ذلك مثل قال أنطونس اصطحب رجلان يهودي ونصراني إلى أرض يبتغيان الجوهر فسارا في عمران من الأرض واتصال من المياه حتى انتهيا إلى بئر ومن وراء تلك البئر مفازة مسيرتها أربعة أيام ومع كل واحد منهما قربة فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته فقال له اليهودي تكفينا قربتنا هذه ولا تثقل دوابنا فقال له النصراني أنا أعلم بالطريق فقال له اليهودي تريد إلا أن تشرب الماء كلما عطشت قال لا فترك النصراني قربته فارغة وسار مع صاحبه وهو يعلم أنه سيحتاج إلى الماء فلما توسطا المغازة أصابهما سموم شديد أنفد ما كان في القربة فقعدا في الطريق يتلاومان ويقول النصراني لليهودي ما أهلكنا إلا رأيك القبيح وما صنعت ذلك إلا لعداوة ما بيننا في أمر المسيح قال اليهودي أتراني كنت أريد أن أقتلك وأقتل نفسي قال النصراني أبعدك الله كما لم ترحمني قال اليهودي ويحك إنما نهيتك عن حمل الماء لضعف حمارك وكرهت لك المشي قال النصراني لعمري للمشي كان أهون علي من الموت وما فعلت هذا إلا لعداوتكم القديمة وإنما يحزنني أن نموت فندفن جميعا في قبر واحد فيمر بنا من القسيسين من يصلي علينا
قال اليهودي ويحك ولم يشق عليك أن ندفن جميعا ويصلي من يصلي علينا قال النصراني لأنك قتلت نفسك وصاحبك فليس ينبغي أن يصلى عليك فبينما هما تخرج أنفسهما إذ مر بهما رجل ماش يسوق حمارا عليه قربتان من ماء فلما رأياه ابتدراه فقالا احتسب علينا شربة من ماء عافاك الله قال هذا طريق ليس فيه حسبة قالا له أخبرنا ما دينك قال ديني دينكما قالا فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني قال اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما في كتابه واتكل على الغرة في الرجاء والطمع لقي ما لقيتما وولى عنهما ولم يسقهما فقالا هذا رجل حازم فقال ما أقل ما يغني عنكما حزمي وعمن فرط في الأخذ بالوثيقة واتكل على الرجاء والطمع وقد ينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم في أمر آخرته كما يأخذ به في أمر دنياه ولا يتكل على الرجاء والطمع في المغفرة والرحمة بغير اتباع لما أمر به والترك لما نهي عنه ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة واستتارهم من العباد بقبيح أعمالهم ولا يستترون ممن يلي عقوبتهم ولا يراقبوه وهو الذي يثيب على الحسن ويجزي بالسيء كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير قالوا وما الذي أصاب صاحب الدير مثل قال أنطونس زعموا أن رجلا كان يبيع العسل والسمن والزيت والخمر وكان يشتريه طيبا نقيا ويبيعه غاليا مغشوشا وكان ذا لحية عظيمة جميلة وكان أكثر من يراه إنما يقول له لو كنت أسقفا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة فلما كثر قولهم ذلك له وقعت في نفسه الرهبانية لرجاء منزلة يصيبها فقال لامرأته ذات يوم إن الناس قد أكثروا في لحيتي ولا يعلمون عملي ولو أني ترهبت لرجوت أن أصيب مالا ومنزلة فجزعت لذلك امرأته جزعا شديدا وقالت لقد أردت أن تؤيمني وتؤتم أولادي قال ويحك لم أرد ذلك لنية في العبادة ولكن رجوت أن تكون لي منزلة وأنال فضيلة في أهل ملتي قالت أخاف أن تداخلك حلاوة العبادة إذا صرت مع الرهبان فتلج وتتركني فحلف لها وأقبل على تعلم الإنجيل والمزامير وأشياء من كتب الأنبياء وحلق رأسه ثم انطلق إلى دير عظيم فيه جماعة من الرهبان فنزله فلم يقم فيه إلا قليلا حتى أعجب الرهبان ما رأوا من جماله ونبل لحيته فأجمعوا على رئاسته وولوه أمرهم فلما بلغ همته وأمكنته الأمور من أموال الدير وخزائنه ألطف عظماء الناس وأشرافهم فعظمت منزلته في أعينهم وصغرت منزلة الرهبان في عينه فأذلهم ونقص أرزاقهم وغير مراتبهم وعمد إلى أهل العبادة منهم فولاهم غلات الدير وخزائنه وتفرغ لنعمة نفسه والتذ بالنساء وشرب الخمر وأكل الطيب ولبس اللين فلما رأى الرهبان ذلك غاظهم وفيهم رجل سناط كان يحسده على نبل لحيته فقال لأصحابه إن هذا الفاسق يذلكم ويستعين بكم على فسقه فاتقوا الله في أنفسكم قالوا قد اعتزلنا الدنيا وما فيها وتفرغنا للعبادة فابتلينا من هذا الرجل بالشغل والهم والحزن قال السناط هذا ما عمل بكم سوء رأيكم وحسن نظركم في طول اللحى ومن قلد أمره أهل اللحى والرياء وترك أهل العفاف والدين والورع فليصبر لما جنى على نفسه فأجمع رأيهم على أن يعظوه فأتاه السناط في جماعة منهم فقال له إنك قد أسرفت على نفسك وقد ظهر لأصحابك ما تظن أنه قد خفي عليهم من أمرك وما أنت عليه فاحذر عقوبة الله تعالى فإنه ربما عجلها في الدنيا للعبد قبل الآخرة فقال له الراهب أليس إن الخطيئة قد أحاطت ببني آدم حتى نالت الأنبياء فقد أخطأ داود وسليمان ويحيى بن زكريا فقال السناط أراك عالما بخطايا الأنبياء جاهلا بالتوبة التي كانت منهم إنما كانت خطيئة داود نظرة واحدة فخر لله ساجدا أربعين ليلة وإنما سها سليمان عن صلاة واحدة فأخر وقتها للذة في الخيل فتاب واستغفر وضرب أعناقها وعرقبها وإنما ترك يحيى صلاة واحدة من نوافل الليل اتهم بذلك كثرة طعامه فما ملأ بطنه من الطعام حتى قبضه الله وكان ذلك كله فرقا من الله عز و جل وخوفا من عقابه ورجاء لثوابه قال صاحب الدير أرجو التوبة قال السناط ربما عاجل الموت صاحب الخطيئة عن التوبة فأقام صاحب الدير على خطيئته حتى أذن الله سبحانه وتعالى في هلاكه على يدي رجل من اللصوص كان له أصحاب متفرقون في القرى فبعث رأس اللصوص أصحابه يبيتون القرية التي فيها امرأة الراهب صاحب الدير فلما بيتوهم وجدوا الراهب مع امرأته في لحاف فأتوا به رأسهم فقالوا لو لم يكن راهبا لعذرناه ولكنا نقيم فيه حد الله فيمن حرم النساء ثم ركبهن فسأل عن عقوبته أهل العلم فقيل عقوبته أن يحرق بالنار فألقي في تنور مسجور وكفى الله الرهبان مؤنته وعجله للنار في الدنيا لعبادته التي نواها للدنيا ولقد عجبت لأهل المصائب كيف لا يستعينون على مصائبهم بالصبر ويذكرون ما يؤملون من الثواب فإنه سيأتي
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس