عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-07-2022, 08:00 AM   #4
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,964
إفتراضي

"المبحث الثاني
حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم
جعل الإمام البيهقي والداني وأبو العلاء الهمذاني وابن القيم وابن الجزري ذلك سنة عن النبي (ص)وقال الإمام البيهقي ( ومتابعة السنة أولى مما ذهب إليه بعض أهل العلم بالقرآن من تتبُّع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها ) وكان أبو عمرو بن العلاء من الأئمة وأحد القراء السبعة يسكت عند رأس كل آية ويقول ( إنه أحب إلي إذا كان رأس آية أن يسكت عندها )
وقال السخاوي ( معنى قوله مفسرة حرفا حرفا ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآية ) اهـ وقال ابن النحاس ( ومعنى هذا الوقف على رؤوس الآي )
وعن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي ( كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها )
وفي رواية ( إذا قرأ أحدكم الآية فلا يقطعها حتى يتمها )
وقد قوى ذلك عند العلماء أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن وأكثر ما يوجد التام فيهن حتى كان جماعة من العلماء يستحبون القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى ؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية لكن هذا الوقف على ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها وهو ( الذين ) في موضع رفع على الابتداء أو خبرا لمبتدأ محذوف تقديره ( هم الذين ) أو في موضع نصب بمحذوف تقديره أعني فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ ( المتقين ) وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتا ( للمتقين ) وهو أولى
ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها
ثم إنه ليس في الحديث - فيما ظهر – دلالة على مداومة النبي على ذلك بل هناك ما يدل على خلاف ذلك وهو أن النبي (ص)لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبا فإنه لابد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة فلما لم نجد ذلك عن النبي (ص)مسندا من غير طريق ابن أبي مليكة علمنا أنه لم يكن من شأنه (ص)مراعاة ذلك على الدوام قال الإمام الجعبري ( وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله (ص)إن كان تعبدا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا )
كأنه يعني إن كان وقفه (ص)عليها لأن المعنى يتم عندهن في الغالب أو لمعنى آخر كبيان رأس الآية فلا دليل على كون الوقف على رؤوس الآيات سنة
و المقصود أن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي تعالى فإنه قال ( واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس
آية )
وإليه يشير قول السخاوي ( وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث)
وفي كلام الداني تعالى إشارة إلى ذلك لأنه حكى الوقف على رؤوس الآي عن جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين وكل هذا يدل على أن أكثرهم لم يره وهو الذي يدل عليه تصرف علماء الوقف في كتب الوقف والابتداء فإنهم يجعلون رؤوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعدها بما قبله وعدم تعلقه ولذا كتبوا ( لا ) فوق الفواصل كما كتبوه فوق غيرها
ومع أن أكثر القراء إنما يراعون المعاني فهم يقفون لمراعاتهم المعاني على رؤوس الآي غالبا ؟ لأنهن في الغالب مقاطع ينتهي إليهن المعنى كما تقدم
ولابد من تقييد القول بأن الوقف على رؤوس الآي سنة بما لا يفسد المعنى ولا يحيله عن وجهه لأنا نعلم أن ذلك مستثنى ضرورة من هذا الإطلاق فإن من الفواصل ما لا يصح الوقوف عليه لفساد المعنى بذلك وذلك خلاف ما أمر الله به من تدبر القرآن قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)
ولذا فقد جعل علماء الوقف والابتداء الوقف على المواضع التي يشتد تعلقها بما بعدها قبيحا مع كونها رؤوس آي كقوله تعالى ( فويل للمصلين )
و كقوله تعالى ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ) فلو وقف القارئ هنا لكان الكلام لا معنى له لأن الجواب لم يتم فإن اللام بعدها في قوله تعالى ( لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) متعلقة بما قبلها
فقد ذكر كثير من علماء الوقف هذه الآيات ونبهوا على رأس الآية ومنعوا من الوقف عليها مع كونها رؤوس آي وممن ذكر ذلك الإمام الداني والعماني و ابن الجزري والأشموني وزكريا الأنصاري وغيرهم قال في المقصد لتلخيص ما في المرشد ( ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان منها شديد التعلق بما بعده كقوله تعالى ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) وقوله ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
فمتى اشتد تعلق الآية بما بعدها لم يصح تعمد الوقف عليها حتى وإن كانت رأس آية
وعلى هذا العمل عند محققي علماء الوقف كما تقدم وأما استدلال من قال بسنية الوقف مطلقا بأقوال العلماء القائلين بأن ذلك سنة فقد تبين مما ذكرته عن كثير ممن اعتمدوا عليه في ذلك كالداني وابن الجزري أن هذا الإطلاق مقيد وهذا التعميم مخصوص و قد ظهر أن عملهم على تخصيص هذا العموم لأنهم عدوا الوقف على مثل ذلك من الآيات قبيحا
تنبيه قطع القراءة بكلام أو عمل أو بترك القراءة لا أعلم أحدا من القراء يجيزه على ما يشتد تعلقه من رؤوس الآي بما بعده و إنما الذي فيه اختلاف من بعض القراء هو الوقف بنية استئناف القراءة وقد بينت الفرق بين هذه العبارات أول هذه الرسالة
تنبيه السكت على رؤوس الآي بقصد البيان مذهب لبعض القراء وبينه وبين الوقف فرق كما قدمت و قد حمل بعضهم الحديث الوارد في الوقف على ذلك كما سبق
فليقف القارئ - إن شاء - على رؤوس الآي إن لم يشتد تعلقها بما بعدها فهذا هو القول الوسط الذي يرجحه النقل والعقل فإن اشتد تعلقها بما بعدها فيصل القارئ ويقف عند رأس آية أخرى لا يشتد تعلقها بما بعدها مراعيا تدبر القرآن والوقوف مع ما تقتضيه المعاني فأما إن كان رأس الآية من المختلف فيه عند علماء عد الآي خلافا ثابتا مشهورا فيقف القارئ على أقرب الوقفين لتمام المعنى وليس معنى ذلك أن القول الآخر في رأس الآية ليس بثابت لكنَّ هذا نادر وعامة التالين لا يدرون بالمختلف فيه من رؤوس الآي
والقارئ المتقن يراعي حسن الوقوف واكتمال المعاني كما يراعي جودة الحروف وإتقان صفاتها وقد شبهوا القارئ بالمسافر و المقاطع التي يقف عندها بالمنازل التي ينزلها المسافر وهي مختلفة بالتام والكافي والحسن وغيرها كاختلاف المنازل في الخصب والسعة "
وكل هذا الكلام عن الوقف على رءوس الآيات هو من ضمن الخبل الذى عرفه بعضهم حيث نقل عن بعضهم اعتراضه على الوقف على رءوس الآيات لأنه يخل بالمعنى تماما وذكر أمثله فقال :
" قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)"
وأما الذى لم يذكره فهو أن الآيات الكبرى الطويلة كآية المداينة لا يمكن قراءتها وهو حوالى صفحة مرة واحدة وإنما يجب تقطيعها على عدة مرات رحمة بالقارىء
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس