عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-04-2010, 01:13 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
العمل رائع للغاية وسوف أذكر أبرز بعض جوانبه على عجل وعندما أجد وقتًا كافيًا بإذن الله سأفصل أسباب إعجابي مثلكم بهذه القصيدة .

القصيدة اتسمت بالصدق الشديد وكانت قريبة للغاية من أسلوب نزار قباني وكذلك بها بعض الشبه من أسلوب بدر شاكرالسياب في قصيدته غريب على الخليج .ميز القصيدة دائرية الاستخدام والانفتاح الدلالي لكلمة "بلا سبب" وكان استخدامها مؤديًادورًىا وظفيًا وهو التعبيرعن عدمية الحياة وغوغائية المجتمع .وإذا كنا نقول أن للغة شقًا حركيًا يتمثل في صورة الفعل وكيفية الحركة فإن هذا الجانب اتضح في تعبيره عن العرب والغوغائية التي يتسمون بها وهذه الغوغائية مردها إلى أن كل شيء بدون سبب مما يجعل مبرر هجائه لهم قويًا ومبررًا. لذلك كان وجود الأفعال المضارعة معبرًا عن استمرارية غير منتهية فهي ابتداء من القراءة والكتابة -وهي أرقى أشكال الفكر والمعرفة والسلوك- انتهاء بالتخاصم والصلح والتكاثر الحيواني سلوكيات غوغائية ،الجميل فيها هي أنها جعلتك أمام صورة كاريكاتيرية للمجتمع الجاهلي كمجتمع داحس والغبراء.
كذلك الاعتماد على عنصر المورورث الشعري المتمثل في قول أبي تمام رحمه الله : السيف أصدق إنباء من الكتب .

كذلك كانت رؤيته في غاية الروعة عندما وصف الشعربالدجل المقفى .وأضف إلى كل هذه المزايا أنه تناول إشكالية الشعر والمجتمع هل هو تعبير عن وقائعه ومشكلاته أم هو مزايدة فوق الجراح ؟ لكأنه يذكرني بقول نزارقباني رحمه الله :

الشعر في بلادنا مرتجل وسائب

أعجمي الوجه واليد واللسان

فما له بداية

وما له نهاية

ولاله علاقة بالأرض أو بالنفس أو بمأزق الإنسان

وكذلك السخرية لعبت دورًا حيويًا في رسم المأساة :



نزفَ الكثيرَ من الدّماءِ..

ولمْ يُصبْ

نالَ الشّهادة عشرَ مرّاتٍ..

وأيضاً لمْ يُصبْ

وأزالَ "إسرائيلَ" عن وجهِ الخريطةِ..

ثم عادَ منَ القتالِ..

كما ذهبْ

إنه التعبير عن تكذيب هذه الدعاوى الباطلة والتي أهدرت فيها آلاف الدماء
هدرًا.كذلك التكذيب للبيانات السياسية العربية كالتي كانت تطارد المصريين أيام حرب النكسة أو ما قبلها .

كذلك عنصر المفاجأة في ظهور بلا سبب مرات أخرى بعد إذ ظن القارئ أن استخدامها انتهى جاء ليعيد للأذهان الصورة السابقة والتي قصد بها الشاعر اتصال ،التراث اللاشيئي لتكون المحصلة كلها في النهاية لا سبب ويبقى باب المعرفة موصدًا ويظل الجهل والتيه سيد الموقف !!

وتتمثل قمة المفارقة الساخرة في نيل الشهادة عشر مرات ، فالأكذوبة حينما تصير جزءًا من أدبيات النظام السياسي تصبح معتادة حتى رغم منطقيتها ، وهذا الاستخدام العبثي للدلالات هو استخدام مقصود استخدام منظم لتوضيح عبثية الحالة ، فيصير الكذب دائريًا بداية من الكثير الذي نزفه من الدماء ولم يصب ثم مرورًا بإزالته إسرائيل بعد موته واستشهادة عشر مرات ثم عودته معفى سليمًا دون إصابة!! .
هذا التناقض المنطقي المتعمد جاء ليعبر عن مدى سخافة الفكر السياسي حتى يكون الاستشهاد مثل العلكة(اللِبان) الذي يمضغه الطفل في كل وقت .وهنا يكون الموت شيئًا من الإغفاء أو الحلم الذي يتكرر .

كذلك الفكرة الذكية التي بدأ بها الشاعر القصيدة حيث جعل البداية تفاعيل ليوصل بذلك رسالة مفادها هو أن شعرنا

ليس فيه إلا الوزن والقافية فقط لكنه مفقود لروحه مسلوب ماهيته . التفاعيل تمثل شكل الشعر الخارجي (شاسيه) وإذا اقتصرت القصيدة

على ذلك فهي قصيدة جوفاء وهذا ما أراد الشاعر أن يوصله للقراء وهو أننا لا نملك إلا أنغامًا هامدة لا تغير في الواقع شيئًا .

وهو في ذلك يدين موقف الشعراء كما ندين نحن اصطلاحية العروضيين دراويش الأوزان والإيقاع والذين لا يأتون رغم تمكنهم في هذا الفن

بشيء جديد .إن فكرة المجتمع الأجوف هي التي استهل بها القصيدة وهذا يجعل مبرر كون كل شيء بلا سبب مقبولاً للغاية .

ولعل في قوله لم ينتصر فيها سوى أهل الفصاحة والأدب إشارة إلى أن المثقفين والشعراء صاروا مجموعة من المنتفعين ، ففي النصر يرفعون الصوت بالمدح وفي الهزيمة أيضًا يرفعون الصوت بالرثاء مما يجعلهم -بلا شك- أصحاب بضاعة رائجة لأنهم (كالمنشار) -كما نقول في العامية -طالع واكل نازل واكل.تتساوى القيمة لديهم ففي كلتا الحالتين سوف تنتشر بضاعتهم وهي الشعر ، ذلك الفعل الذي يقوم به من يجد ومن لا يجد ما يفعله!!!!
بعد ذلك كان من جماليات هذه القصيدة العبقرية دائرية اللاسبب ، فكما كانت ردات الأفعال كالقراءة والكتابة والتخاصم والمصالحة بلا أسباب ، فإننا الآن نجد أفعالاً تقوم بها الأشياء وهي لا تعرف لماذا تقوم بها. وهنا يكون اللاسببية والعبثية هي سلوك الفاعل والمفعول مما يجعل المجتمع (مرفوعًا عنه القلم) وهذا كان في تدرج جعل البداية من ردود الأفعال اللاسببية ثم الأفعال اللاسببية كأن سلوك العرب رد فعل قبل أن يكون فعلاً وهنا نجدنا أمام سخرية بمجتمع يسير عكس القاعدة .
وهذا يتضح في هذه الأبيات:
كانتُ وجوهُ النّاسِ تصرخُ بي..

وتسألُ..ما السببْ ؟

و الليلُ يجثمُ فوقَ أضلاعي ويسألُ..

ما السببْ ؟

و الرّيحُ تصفعني على وجهي وتسألُ..

ما السببْ ؟

و الرعدُ يجلدني على ظهري ويسألُ..

ما السبب ؟

فسقطتُ في الصّحراءِ مغشيَاً عليّ..

ولمْ أُجبْ

ولكن إدانة الشاعر للمجتمع وإشراكه نفسه في هذه الإدانة خرجت بالشاعر عن فكرة عقلاء القوم
ووجهائها ، فيغدو الشاعر شأنه شأن الشعراء وشأن سائر المجتمع كلهم متساوون في اللاسببية
وبئس المساواة تلك التي تتحقق .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 30-04-2010 الساعة 01:27 AM. السبب: إضافات
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس