عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-05-2008, 06:51 AM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السابع: صورة الآخر المختلف فكريا: سوسيولوجية الاختلاف والتعصب

قدمه : حيدر ابراهيم علي : مدير مركز الدراسات السودانية في القاهرة وأمين عام الجمعية العربية لعلم الاجتماع ..

يأخذ الكاتب في ورقته منحى مختلف عمن سبقه، فهو يستخف بفكرة الآخر البعيد (الذي من قارة أخرى أو من قطر آخر أو من قومية أخرى)، ويركز على أن الآخر في منطقتنا العربية أصبح رمزه مزروعا بيننا.

لقد دخل أبناء الوطن العربي بعداءات فيما بينهم تفوق تلك التي مع أعداءهم، فأصبح من الملائم أن يُطلق عليهم (الأخوة ـ الأعداء). ويحاول الكاتب أن يمر بحيادية (عالم الاجتماع) على الظواهر المنتشرة في الوطن العربي، من عودة عنيفة متحمسة ومتعصبة للفكر الديني (الإسلاموي ـ أي الإسلامي المسيس)، ويذكر الكثير من الفئات التي تزعم أنها (الفئة الناجية) المنزهة من بين الفرق الإسلامية الكثيرة، وهي (أي كل فرقة تزعم ذلك) الوحيدة التي تملك الحق في إزالة وتطهير المجتمع العربي من كل ما دنسه من مظاهر ردة.

ويشبه الكاتب تلك الدعوات والتي لم تقتصر على المسلمين في العالم، بل توجد لدى اليهود( شعب الله المختار) و المسيحيين (ملح الأرض ونور العالم) كما هي عند المسلمين (خير أمة أخرجت للناس) يشبه ذلك بفكرة النازية بموضوع الاستعلاء والأحقية في محو الآخر وقهره وإخضاعه.

يقول الكاتب: يضعنا تأكيد الهوية الدينية أمام مجتمعين متناقضين: مجتمع الوحدة والإجماع أو النقاء والانسجام، مقابل مجتمع التعدد والاختلاف والتسامح. وفي هذه الحالة تحتل مسألة الهوية (Identity) أهمية محورية، إذ تعادل الأنا أو الذات، ولكنها تثير عدة أسئلة صعبة، منها على سبيل المثال: هل الهوية الدينية بالتحديد صراعية أم تواصلية، أي قادرة على قبول الآخر، أو هل هي إقصائية (Exclusive) تماما أم قد تتضمن الآخر (Includedness) ؟ قد تتحول الهوية في السياق الديني من مفهوم اجتماعي ـ ثقافي، أو حتى مصطلح سياسي، الى جوهر ثابت، وبالتالي قد يهدده التفاعل والتواصل مع المختلف الذي قد يخلط نقاءه أو يزحزح حدوده.

أولا: صناعة مجتمع العودة والنقاء

العودة بعد الاغتراب. نجد هذه الصفة واضحة في الحديث النبوي الشريف (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء) وعندما سُئل الرسول صلوات الله عليه قال: (هم الذين يحيون سنتي بعد موتها). وقد حاول الكثير من الفئات توظيف هذا الحديث لحصر أنفسهم بتلك المهمة.

وصفة التطهير التي تنادي بها الفئات التي تعتقد أنها المعنية بأن تنذر نفسها لتلك المهمة، تتحول الى أيديولوجيا نهمة (Greedy Ideology) أي التي لا تكتفي ولا تشبع أبدا، وتصور نفسها بحالة ضعف دائم، وعليها النهوض لتواجه قوى الشر الكثيرة المحيطة بها، فلا تكتفي بمن هم واضحين في عداءها بل تتعداهم الى صفات متدرجة في سوءها لكنها تستوجب الإزالة (الكفار، الجاهليون، الزناديق، الفاسقين، المارقين، المجذفين، أصحاب البدع الخ).

ينقسم الإسلاميون أو دعاة النقاء والعودة الى المجتمع (المثالي) الذي عرفه المسلمون في فجر الإسلام الى تيارين: أحدهما يدعو الى تربية الأفراد إسلاميا بقصد خلق المجتمع المسلم، ثم الدولة التي تحكم بشرع الله. أما الآخر فيرى ضرورة البدء بالاستيلاء على السلطة السياسية، ثم يستطيع بعد ذلك فرض التغيير على الفرد والمجتمع، وبالتالي لا بد من محاربة الدولة (الجاهلة) القائمة. وهذا الاتجاه الأخير هو الذي وجد قبولا وانتشارا بين الجماعات (الإسلاموية) النشطة. وقد شاع رأي يقول بفريضة القتال ضد كل أنظمة الكفر أو الجاهلية أو الطاغوت في البلاد التي تعتبر إسلامية. وانتشر مصطلح (الفريضة الغائبة) ويقصد بها (الجهاد)*1

لقد تطور هذا المفهوم في الثمانينات من القرن الماضي لتصبح تلك الثقافة شاملة لأهداف يجب تصفيتها ممتدة الى الجوانب الفكرية والصحافية والمسرحية فكان مثلا أفراد من تلك الأطياف يتعرض للذبح والتصفية في الجزائر وكأنهم جنود كفار.

هذا الآخر الداخلي، قد ظهر منذ القرن الأول الهجري، عند الخوارج وبقي مستمرا معتمدا على توكيل جماعة معينة لنفسها في تطهير الأجواء الإسلامية بحجة منع الفتنة ويستشهدون بالآية الكريمة (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال 39.

ثانيا: الطريق الى التعصب والتكفير

تحاول الجماعات الإسلاموية المتشددة أن تركز على وجود أفراد ممتازين ومميزين داخل الحركة، فلا يكتفون بوجود أفراد متحمسين، بل بأفراد متفوقين وممتازين (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف). وتتكرر في كتاباتهم فكرة (الاستعلاء) انطلاقا من الآية الكريمة: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) آل عمران 139.

يقدم هذا النمط الجديد من التفكير نموذجا للتعصب، وليس المتحمس فقط، ومن أهم تعريفات المتعصب: (هو من يريد تدمير المجتمع المدني ليقيم مكانه هنا والآن، ملكوت الله) والفرق بين المتحمس والمتعصب هو أن الأول يعتقد أنه ملهم من الله بينما المتعصب هو الذي ينتقل باسم هذا الإلهام الى الفعل*2

يستمر الكاتب في حديثه عن اختراعات الآخر الداخلي في المجتمع العربي الراهن وما ينذر به هذا الوضع من حمل السلاح في وجه البعض من قبل البعض الآخر، ويشير الى أن أسباب ذلك، هو ضعف أداء الدولة واستيعابها للنشاط الفكري وإقناعها للناس بأنها تمثلهم على أحسن وجه بما ينسجم مع عقيدتهم ويحفظ كرامتهم. هذا الوضع يساعد على تفريخ مثل تلك الجماعات التي تستغل حالة الترهل العامة لتبشر بدورها كمنقذ وحامي لحمى الدين والوطن.

هوامش
*1ـ الفريضة الغائبة/ محمد عبد السلام فرج/ ملحق في كتاب: نعمة الله جنينة، تنظيم الجهاد: هل هو البديل الإسلامي في مصر (القاهرة: دار الحرية1988) ص223 وما بعدها. [ تهميش الكاتب نفسه]

*2ـ التعصب سيرة كلمة/ دومينيك كولا /مواقف/ العدد65 خريف 1991/ صفحة 132و135 [ تهميش الكاتب نفسه]
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس