عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-01-2021, 09:26 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,971
إفتراضي


ثم قال :
"إن صرخة حق صريحة وواضحة وجريئة في وجه الطاغية، تعادل سنين من العبادة عند الله وقد ورد في الحديث: ((إن كلمة حق عند سلطان جائر تعادل عبادة سبعين سنة))وسر هذه القيمة لكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، أن هذه الكلمة تسقط الظالم، وتجرئ الآخرين عليه، وتزعزع ثقته بكل شيء حتى بنفسه
وما من شيء يعكر صفو حياة الظالم، ويسلب عنه راحته واستقراره، ويطرد النوم من عينيه ويؤرقه، مثل كلمة حق جريئة يعلنها المظلوم في وجهه وسيرة الموحدين على طول التاريخ طافحة بالامثلة الحاكية لذلك، خصوصا في سيرة أهل البيت واتباعهم المخلصين منها ما روي مسندا عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفة من منزلي، فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي: امض بنا يا يحيى إلى هذا فلم أدر من يعني، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته، وكان راكبا حمارا له، فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم، التفت إلي وقال: يا ابن الحماني، إنما جررتك معي وجشمتك ان تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذه الطاغية قال: فقلت: من هو يا أبا بكر؟ قال: هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى فسكت عنه ومضى وأنا أتبعه، حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر به الحاجب وتبينه، وكان الناس ينزلون عند الرحبة فلم ينزل أبو بكر هناك، وكان عليه يومئذ قميص وإزار وهو محلول الأزرار قال: فدخل على حماره وناداني: تعال يابن الحماني فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر وقال له: أتمنعه يا فاعل وهو معي؟! فتركني، فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان، فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره، وبجنبتي السرير رجال متسلحون، وكذلك كانوا يصنعون، فلما أن رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه، فلما استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف، فناداني فقال: ويحك! فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وإزار، فأجلسني بين يديه، فالتفت إليه موسى فقال: هذا رجل تكلمنا فيه؟ قال: لا، ولكني جئت به شاهدا عليك قال: في ماذا؟ قال: إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر قال: أي قبر؟ قال: قبر الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع ارض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد، ثم قال: وما أنت وذا؟ قال: اسمع حتى أخبرك
ثم ذكر له رؤيا طويلة تتضمن خروجه إلى قومه بني غاضرة، واعتراض عشرة خنازير له، وتخلصه منها برجل من بني أسد، وسيره إلى نينوى وتشرفه بالحائر الشريف، وأن على الباب منه جماعة كثيرة، فأراد الدخول فقال له الآذن: لا تقدر على الوصول في هذا الوقت; لأنه كان وقت زيارة ابراهيم خليل الله ومحمد رسول الله، ومعهما جبرائيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير، وأنه انتبه وجرى له في اليقظة مثل ما رأى في النوم، إلا أن الخنازير كانت في اليقظة عشرة من اللصوص، وفي دخوله الحائر لم يكن هناك آذنفقال له موسى: إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك، وتالله إن بلغني بعد هذا الوقت أنك تحدث بهذا لأضربن عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا علي فقال له أبو بكر: إذن يمنعني الله وإياه منك; فإني إنما أردت الله بما كلمتك به فقال له: أتراجعني يا ماص؟! وشتمه، فقال له: اسكت أخزاك الله وقطع لسانك فأزعل موسى على سريره ثم قال: خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير وأخذت أنا، فو الله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبدا وكان أشد ما مر بي من ذلك أن رأسي كان يجر على الصخر، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي، وموسى يقول: اقتلوهما ابني كذا وكذا ـ بالزاني لا يكني ـ وأبو بكر يقول له: أمسك قطع الله لسانك وانتقم منك اللهم إياك أردنا ولولد نبيك غضبنا، وعليك توكلنا فصير بنا جميعا إلى الحبس، فما لبثنا في الحبس إلا قليلا، فالتفت إلي أبو بكر ورأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي فقال: يا حماني، قد قضينا لله حقا واكتسبنا في يومنا هذا أجرا، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله"

خرج الآصفى عن سياق القصة كما فعل سابقا وحكى حكايةعن مواجهة الحاكم وليس عن مواجهة القوم جميعا وهى مواجهة أعظم صعوبة
ثم قال:
طالاعتزال
يقول تعالى: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فاووا إلى الكهف) سيظهر لنا من هذا الجزء من الآية، أنه كان لهؤلاء الفتية بعد الايمان بالله اعتزال وأوي إلى الكهف والثاني غير الأول بظاهر الآية وإذا أردنا أن ننظم مراحل عمل هؤلاء الفتية نستطيع أن نقول: إنهم آمنوا أولا، ثم قاموا فقالوا: (ربنا رب السماوات والأرض) ثانيا، ثم اعتزلوا قومهم وما يعبدون إلا الله ثالثا، ثم أووا إلى الكهف رابعا
إذن الاعتزال غير الأوي إلى الكهف; فقد اعتزلوا قومهم وما يعبدون إلا الله قبل أن يأووا إلى الكهف وأقرب معاني الاعتزال في هذه الصورة أنهم قاطعوا مجتمع القصر، ولم يخالطوهم كما كانوا يخالطونهم من قبل، ولم يعاشروهم كما كانوا يعاشرونهم من قبل، وهذه الحالة هي حالة الانفصال والمقاطعة النفسية والبراءة وفي هذه الحالة ينتزع الإنسان نفسه من الوسط الذي يعيش فيه انتزاعا كاملا، رغم أنه يعيش في نفس الوسط، ويدخل معهم في الاسواق ويعاملهم ويتعاطى البيع والشراء والدراسة والعمل في الاسواق والدوائر والمدارس معهم، لكنه لا يتأثر ولا يخضع لمؤثرات الوسط الثقافية والحضارية والسياسية مطلقا، وكأن بينه وبين هذه المؤثرات في ذلك الوسط عازلا قويا، يقطع كل تأثير من الوسط الذي يعيش فيه علما بأن للوسط الحضاري والثقافي والاعلامي الذي يعيش فيه الإنسان تأثيرا قاهرا على عقله وقلبه والمؤمن الذي يعيش في وسط غير وسطه، وفي غربة حضارية وثقافية واجتماعية، يستهلكه لا محالة الوسط الذي يعيش فيه، وتقهره العوامل الثقافية والحضارية والإعلامية على الاندماج العقلي والعاطفي في هذا الوسط ; كما لو صببنا كأسا من الماء العذب الحلو في بحيرة مالحة، فإن البحيرة تستهلكه لا محالة وهذا الحكم يجري في المجتمع كما يجري في التفاعلات الفيزيائية، من غير فرق إلا أن يعزل المؤمن نفسه بعازل نفسي قوي عن المؤثرات والعوامل القاهرة في ذلك الوسط، فعندئذ يعيش في ذلك الوسط في حصانة كاملة، رغم أنه يمكن أن يتعاطى في ذلك الوسط كل ما يتعاطاه الناس من شؤون عمله ومعيشته وهذا هو حال الإنسان المؤمن عندما يعيش في حالة غربة حضارية وثقافية في مجتمع غير مجتمعه، كما حدث ذلك للمسلمين في بدء ظهور الإسلام في مكة"

نجح الآصفى هنا فى التعبير هن حكاية الاعتزال وهى اعتزال طاعة قوانين المجتمع لطاعة أحكام الله وليس اعتزال الناس فى المعيشة وكعادته ذهب بنا بعيدا عن سياق القصةبحديثه عن الغزو الثقافى الحالى ومايقوم به المعتزلون حاليا فقال:
" وكما حدث ذلك في عصرنا في فترة الغزو الثقافي، والغارة الحضارية التي تعرضت لها بلادنا في العالم الإسلامي، ثم بدأت بالانحسار والحمد لله وهو على ما اعتقد تفسير لقوله (ص) ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء))
ومن الطبيعي أن الإنسان إذا كان غريبا في بيئة، يأخذ بالأنس والاندماج النفسي بتلك البيئة ثقافيا وحضاريا بالتدريج، ولكن هذا الاندماج العقلي والعاطفي مع الأوساط الجاهلية يؤدي إلى استهلاك الحالة الإيمانية بالتدريج، فلابد أن يفصل نفسه في مثل هذه الحالة بعازل نفسي قوي عن المؤثرات الثقافية والحضارية في ذلك الوسط، في الوقت الذي يمارس فيه نشاطه في السوق والجامعة والدوائر والشارع بشكل طبيعي، كما لو لم يكن بينه وبين ذلك المجتمع عازل من هذا النوع وفي مثل هذه الحالة يتحرر الإنسان بشكل كامل من مؤثرات الوسط الذي يعيش فيه، في الوقت الذي يؤدي فيه دوره العملي في المجتمع بصورة كاملة وشأن هذا العازل شأن العازل في الفيزياء; فالعامل الذي يمارس عمله في مد الأسلاك الكهربائية، يمكن أن يمارس عمله بصورة طبيعية في أخطر الحالات، إذا كان يستخدم العازل الذي يعزله عن التيار الكهربائي وهذه الحالة من المفاصلة النفسية حالة صعبة من دون ريب، وليس أشق على الإنسان من أن يعيش في المجتمع حياة طبيعية، يدخل ويخرج مع الناس في مداخل الحياة ومخارجها، في الوقت الذي ينتزع فيه نفسه من ذلك الوسط انتزاعا كاملا وهذه هي الهجرة الكبرى في حركة الإنسان إلى الله، والهجرة في المساحة الجغرافية من مكان إلى مكان هي الهجرة الصغرى ورغم كل المتاعب والمشاكل التي تستتبعها الهجرة الصغرى، فإنها دون الهجرة الكبرى بمراحل وقياس الهجرة الكبرى إلى الهجرة الصغرى مثل قياس الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر ; فإنه رغم كل متاعب الجهاد الأصغر، وما يتطلبه من التضحية والقتل في سبيل الله وإنفاق الأموال والأنفس، فإن الجهاد الأكبر ـ داخل النفس ـ أصعب وأشق بمراحل كثيرة من الجهاد الأصغر"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس