عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-06-2009, 06:17 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي الخصخصة .. من زاوية أخلاقية


الخصخصة.. من زاوية أخلاقية

في الماضي البعيد وقبل أن تأخذ الدول أدوارها المعقدة، كانت المجتمعات البدائية تراعي الجانب الأخلاقي في أداءها الاقتصادي، فلم يكن المجتمع البدائي ليترك معاقا أو محتاجا دون أن يقدم له مساعدة تعينه على أن يبقى على قيد الحياة منتظرا إمكانية زوال عجزه أو تحسين أوضاعه.

وقد ساهمت الديانات بدور كبير في إرساء ثقافة التكافل والتعاون فيما بين أفراد المجتمع.. فمن الزكاة الى الصدقة الى كفالة اليتيم، وربط كل تلك النشاطات برضا الله، كانت المجتمعات تؤدي أدوارها بمسحة أخلاقية تقرب الناس من بعضهم وتقرب المسافات بين طبقات المجتمع.

في منطقتنا العربية، كان سكان الريف والبادية، ينتبهون الى الأفراد الذين لا يملكون وسائل إدامة حياتهم، فكان الموسر أو من يملك أعدادا من الماشية يخصص بعض رؤوس من تلك الماشية لقريب أو جار ليستفيد من لبنها، كما كان ملاك الأراضي يخصصون قطعة من الأرض للفقير كي يستثمرها دون أخذ فائدة منه. هذا علاوة على تفضيل الموسرين لاستخدام من يقدر على العمل من الفقراء القريبين منهم، إضافة الى تفضيلهم في منحهم زكاة منتوجاتهم الزراعية.

لم تكن الدولة العربية الحديثة، في بداية تكوينها بعيدة عن هذا النهج الأخلاقي والديني، فكانت خدمات التعليم والصحة والمياه والطرقات ومراقبة الأسعار تشمل كافة المواطنين من فقرائهم الى أغنيائهم، وكان الكثير من أبناء الفقراء يبدعون كما يبدع أبناء الأغنياء فيظهر منهم العالم والقائد والمخترع والسياسي، فلم يتم حرمانهم من أن يأخذوا فرصهم في إثبات قدراتهم، كما لم تُحرم مجتمعاتهم وبلدانهم من الاستفادة من خدماتهم.

منذ أكثر من عقدين من الزمن، تراجعت الحكومات العربية عن واجبها الأخلاقي، وانتشرت المستشفيات الخاصة والمدارس والجامعات الخاصة واتجهت بعض الدول لبيع منشآتها من مصانع ومصافي ومصلحة الهواتف، والأراضي، وغيرها، حتى غدت الخدمات ميسرة لمن يستطيع الدفع والشراء!

وما هي النتيجة؟ تراجعت مستويات التعليم، وزادت نسبة الأمية بعد أن أوشكت كثير من الدول العربية في نهاية الثمانينات من الاقتراب من خلو البلاد من الأمية ..

وانتشرت البطالة، وساءت نوعية مياه الشرب، وزادت نسب المصابين بالأمراض الخبيثة، وزادت نسب الطلاق والجريمة والانحراف وغيرها من مظاهر رافقت تلك الخصخصة ..

باختصار، لم تعد الخدمات التي كانت تقدم منذ صدر الدولة الإسلامية الى قبيل الربع الأخير من القرن العشرين، إلا مجالا للتنافس الربحي، بل أصبحت الحكومات ترفع رسومها تمشيا مع القطاع الخاص الذي أوجدته بمحض إرادتها، فهي وإن جعلت رسومها تعادل نصف رسوم القطاع الخاص، قد نفضت عن كاهلها رعاية المواطن في أساسيات حياته..
إن الخصخصة مرتع خصب لانعدام الأخلاق.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس