عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-02-2009, 09:15 AM   #26
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

17ـ السيادة والعبودية

(( الإنسان الكامل الحر حرية مطلقة، الذي يرضيه حاله الذي هو عليه على نحو قاطع ونهائي، هذا الإنسان الذي بلغ حد الكمال والاكتمال بهذا الرضا ومن خلاله، هو العبد الذي "انتصر". فإن كانت السيادة الخاملة طريقاً مسدوداً، فإن العبودية النشيطة هي مصدر كل تقدم إنساني واجتماعي وتاريخي. وما التاريخ إلا تاريخ العبد النشيط))
.................. ألكسندر كوجييف: (مقدمة لقراءة هيجل)

حالة الحرب التي سادت (حياة الإنسان الأول) لم تؤدِ مباشرة الى تأسيس مجتمع مدني قائم على عقد اجتماعي، وإنما أدت الى قيام علاقة بين السيد والعبد، وذلك حين (اعترف) أحد المتحاربيْن البِدائيين نتيجة لخوفه على حياته بسيادة المتحارب الآخر وقنع بأن يصبح عبدا له.

لم تكن علاقة السيد بالعبد علاقة مستقرة في المدى الطويل، نظرا لأنه لا السيد ولا العبد رأيا فيها إشباعا لرغبتيهما في الاعتراف. ويمثل هذا الافتقار الى الرضا "تناقضا" ولد الحافز الى المزيد من التقدم التاريخي.

(1)

هنا، يمارس (فوكوياما) تحريك رغبته في التفلسف في هذه المسألة، ويقول أن الصراعات الدموية التي خاضها العبد تجاه سيده لم تحقق له الاستقرار، بل المزيد من العمل هو ما يحقق للبشرية تقدمها واستقرارها! [شهادة إقرار واضحة بقبول الرق].

أما أسباب عدم الرضا عند السيد والعبد، فإنها في رأي (فوكوياما) تختلف عند السيد الذي بنظره أكثر إنسانية من العبد، لأن السيد استعد للتغلب على طبيعته البيولوجية من أجل هدف غير بيولوجي، وهو (نيل الاعتراف). فهو إذ يخاطر بحياته إنما يثبت أنه حر.

أما العبد فقد استسلم لخوفه من القتل في حلبة الصراع، ويظل بالتالي حيوانا محروما غير قادر على جبريته البيولوجية أو الطبيعية. غير أن افتقار العبد لحريته وعدم اكتمال إنسانيته هما مصدر المأزق الذي يعيشه السيد الذي ينشد اعترافا مطلقا من قبل العبيد بسيادته.

(2)

حتى الاعتراف، عند فوكوياما، له طقوسه. فإن اعترف لك العبد من باب الاحترام لأنه عبد، فهو كالكلب الذي يهز ذيله محييا عند عودتنا للبيت، ولكنه قد يهز ذيله لساعي البريد أو للص.

إن التصفيق ومظاهرات التأييد في الدول الشمولية، يختلف عنه في الولايات المتحدة، فالكل يعلم أن الحافلات تحضر المؤيدين للقادة الدكتاتوريين من أجل الهتاف لهم، لكن الصورة تختلف عند شعب ديمقراطي حر، عندما يخرج الناس طوعا لتحية جورج واشنطن أو إبراهام لينكولن.

من هنا تكمن مأساة السيد في نيل اعتراف الآخرين طوعا، فلا يرضيه أن يجبر الآخرين على الحضور للهتاف له، بل يريدهم أن يأتوا من تلقاء أنفسهم، وكونهم لا يأتون فإنه سيمتعض وسيبحث عن وسائل لتغيير طبائع الناس (العبيد).

(3)

حياة السيد ساكنة دون تغيير، فهو لا يعمل ولا يحب العمل، لأن هناك من يعمل من أجله (العبد)، وحياته قوامها فارغ وتعتمد الاستهلاك، ويمكنه الحصول على كل ما يحتاجه أو يتمناه. مع ذلك قد يضحي السيد بحياته في القتال مع سادة آخرين من أجل السيطرة على إقليم، أو القتال مع أخوانه على وراثة عرش، ولكن كل نشاطه هذا ليس له علاقة بالتقدم والتطور التاريخي.

والعبد بدوره غير راضٍ. غير أن سخطه وعدم رضاه لا يؤديان الى جمود قاتل كما في حالة السيد، وإنما الى تغير خلاق. إنه يستعيد إنسانيته غير المعترف بها من قبل سيده، من خلال العمل، فيدرك عندها أنه كائن بشري يتمتع بأخلاقيات تدفعه ليخترع التكنولوجيا، فالعلم الطبيعي ليس من اختراع السادة الذين يتوافر لهم كل ما يشتهون، وإنما هو من اختراع العبيد المضطرين الى العمل والساخطين على وضعهم الراهن.

لم يقل (فوكوياما) أن اتجاه العبد للعمل هو رغبة منه لتغيير الطبيعة التي تضم السادة بين جناحيها، فبتغيير الطبيعة تتغير العلاقات بين السادة والعبيد. لم يقل ذلك ولكنه كاد أن يقوله.

(4)

العبد لا يبدأ بتحدي سيده، وإنما يمر بعملية طويلة عسيرة من تعليم الذات، فيتعلم التغلب على خوفه من الموت، والمطالبة بالحرية التي هي من حقه. وإذ يفكر العبد في حالته وفي المفهوم النظري للحرية، يطرح صورا عديدة مبدئية عن الحرية قبل أن يتبنى الصورة الحقيقية. هذه الصور المبدئية يسميها هيجل وكارل ماركس بالأيديولوجيات.

ثم يمضي (فوكوياما) بالتدرج بتلك الأيديولوجيات، ليقول أن بعض الفلاسفة قد أعلنوا أن الدين (هنا يقول المسيحية) بأنه قدم أيديولوجية واضحة عن فكرة المساواة لتهدي العبيد الى طريق تتشكل فيه مطالبهم بالحرية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس