الموضوع: بيع الاستجرار
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-05-2020, 04:32 PM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي بيع الاستجرار

بيع الاستجرار
عرف الفقهاء هذا البيع فقالوا:
"أما بيع الاستجرار فهو مأخوذ من قولهم استجر المال: إذا أخذه شيئا فشيئا دون أن يجري بينهما مساومة أو إيجاب وقبول في كل مرة.
والاستجرار على نوعين:
الأول: الاستجرار بثمن مؤخر من مؤخر.
والثاني: الاستجرار بمبلغ مقدم."
هذا البيع نتج من الحياة فى مجتمع لا يحكم بحكم الله فهو نوع من الدين المرتبط سداده بحين ميسرة وحين ميسرة تكون إما قبض الراتب فيظل الموظف يستدين طوال الشهر من البياعين البقال والجزار والخضرى وما شاكل ذلك وعندما يقبض الراتب يوزعه عليهم ويظل يحيا هكذا معظم حياته وإما أن يكون فلاحا فيظل يستدين على أساس الحصاد وبيع المحصول وعندما يبيع المحصول يسدد ما عليه أو الكثير منه وإما أن يعمل عملا أخر ويسدد ما عليه كلما آتاه مال من العمل يوم أو أكثر
هذا الشكل من البيع ناتج من كون الدولة غير مسلمة فحكامها لا يعطون الناس حقوقهم ومن ثم لجئوا إلى هذه الأشكال من الديون المؤقتة
وأما تقسيم الفقهاء هذا البيع إلى الاستجرار بثمن مؤخر كما فى القول :
"أما الاستجرار بثمن مؤخر فهو ما ذكره الحصكفي في الدر المختار بقوله: (ما يستجره الإنسان من البياع إذا حاسبه على أثمانها بعد استهلاكها) وحاصله أن الرجل يتفاهم مع صاحب الدكان ولا تقع بينهما مساومة بل يعطيه البياع الشيء المطلوب بدون ذكر الثمن ولا تلفظ الإيجاب والقبول فيستعمله المشتري وفي نهاية الشهر مثلا يحاسبه بكل ما أخذ ويعطيه الثمن دفعة واحدة.
والقواعد المعروفة تأبى جواز هذا البيع لأننا إن قلنا بانعقاد هذا البيع عندما استلم المشتري شيئا من هذه الأشياء فإنه بيع ثمن مجهول لأنه لم تقع بينهما مساومة ولا بيان ثمن وإن قلنا: إن البيع ينعقد عند تصفية الحساب فإن المبيعات عندئذ معدومة مستهلكة وهذا يتضمن محظورين الأول: أن يقع الاستهلاك من المشتري قبل أن يقع الشراء من المالك والثاني: أن يقع بيع ما هو معدوم ومن هنا صرح بعض الفقهاء بعدم جواز هذا البيع وهو مذهب عامة الشافعية. وقال النووي:
(فأما إذا أخذ منه شيئا ولم يعطه شيئا ولم يتلفظا ببيع بل نويا أخذه بثمنه المعتاد كما يفعله كثير من فهذا باطل بلا خلاف لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة ولا يعد بيعا فهو باطل ولنعلم هذا ولنحترز منه ولا نغتر بكثرة من يفعله فان كثيرا من الناس يأخذ الحوائج من البياع مرة بعد مرة من غير مبايعة ولا معاطاة ثم بعد مدة يحاسبه ويعطيه العوض وهذا باطل بلا خلاف لما ذكرناه) "
أما كون الاستجرار بيعا فقط فهو خطأ لأنه دين وبيع معا فهو دين لأنه لا يسدد الثمن إلا بعد مدة وهو بيع لأنه يأخذ سلعا طعامية غالبا بدلا من النقود لكى يقدر على الحياة هو وأسرته
صحيح أن هذا الدين يخالف شروط الدين من وجود عقد مكتوب وكاتب للدين وشهود وأما كونه بيع فهو صحيح لأنه بالتراضى كما قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"
وحكاية عدم معرفة أسعار السلع شىء وهمى فالناس يعرفون غالبا ثمن السلعة خاصة أن المجتمعات التى تتعامل بتلك المعاملة تكون مجتمعات مجالسة فى الغالب بين أهل الشارع أو أهل المهن المختلفة ومن ثم فهم يسألون بعضهم البعض والكثير من الناس يسألون البائع عن ثمن السلعة لأنهم يكتبون ما أخذوه فى كراسة عندهم لمعرفة ما عليهم
كما قلنا بدلا من تحريم بعض الفقهاء لتلك البيوع عليهم أن يعرفوا أن اصل المشكلة الحكام الذين يمنعون الناس حقوقهم فبدلا من قسمة مال الدولة على كل الأفراد بالعدل يأخذون هم معظم مال الدولة ولا يبقون للناس سوى الفتات الذى يتعاملون به كما فى هذا البيع ولهذا اضطر العديد من الفقهاء نتيجة سكوتهم على منكر الحكام فى المال إلى إباحة هذه البيوع فى النهاية ليتمكن الناس من الاستمرار فى الحياة وفى هذا قال محمد تقى العثمانى فى كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة:
"ويبدو أن مذهب الشافعية أقل المذاهب مرونة في بيوع التعاطي والاستجرار ولكن جماعة منهم ذهبوا إلى جوازهما ومنهم الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال العلامة الرملي رحمه الله:
(أما الاستجرار من بياع فباطل اتفاقا: أي حيث لم يقدر الثمن كل مرة على أن الغزالي سامح فيه أيضا بناء على جواز المعاطاة) وقال الخطيب الشربيني رحمه الله:
وأخذ الحاجات من البياع يقع على ضربين:
أحدهما أن يقول: أعطني بكذا لحما أو خبزا مثلا وهذا هو الغالب، فيدفع إليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به، ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدي ما اجتمع عليه، فهذا مجزوم بصحته عند من يجوز المعاطاة فيما أراه.
والثاني: أن يلتمس مطلوبه من غير تعرض لثمن كأعطني رطل خبز أو لحم مثلا فهذا محتمل، وهذا ما رأى الغزالي إباحته ومنعها المصنف أي النووي)
وأما المالكية فقد ذكروا مسألة الاستجرار بمبلغ مقدم قال مالك في الموطأ:
(ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما ثم يأخذ منه بربع أو بثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يفترقا على بيع معلوم)
ومن هنا بعلم أن وجه المنع عندهم هو كون الثمن مجهولا ولا فرق في هذا بين أن يكون الاستجرار بمبلغ مقدم أو بثمن مؤخر وفي هذا يتفق المالكية مع أكثر الشافعية.
وأما الحنابلة فقد اختلفت في هذا وجاء في النكت والفوائد السنية لابن مفلح:
(وقال أبو داود في مسائله باب في الشراء ولا يسمى الثمن سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال فيأخذ منه الشيء بعد الشيء ثم يحاسبه بعد ذلك قال أرجو أن لا يكون بذلك بأس قال أبو داود قيل لأحمد يكون البيع ساعتئذ قال لا قال الشيخ تقي الدين وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع والتصرف فيه وأن البيع لم يكن وقت القبض وإنما كان وقت التحاسب وأن معناه صحة البيع بالسعر)
وبه تبين أن رواية الجواز عند الحنابلة مبنية على جوز البيع بسعر السوق وفيه عند الحنابلة روايتان وأما الحنفية فقد أفتى المتأخرون منهم بجواز الاستجرار ولو لم يذكر الثمن عند أخذ الحاجات من البياع وجاء في الدر المختار:
(ما يستجره الانسان من البياع إذا حاسبه على أثمانها بعد استهلاكها جاز استحسانا) .
وقال ابن نجيم:
(ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعد ما انعدمت صح فيجوز بيع المعدوم هنا) .
وبه تبين أن الاستجرار جائز عند الحنفية استحسانا ولكن اختلفت عباراتهم في تكييف وجه الاستحسان "
وبعد أن ذكر العثمانى أقوال فقهاء المذاهب عاد فذكر بعض منها ليعرفنا خلاصة الكلام فقال:
"والذي تلخص لي بعد دراسة كلام الفقهاء في الكتب المختلفة هو ما يلي:
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس