عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 01:10 AM   #23
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

محمود درويش

بقلم: الياس خوري









3 الرئيسية


3 المقدمة


3 سيرة حياته


3 مؤلفاته


3 مقالات وقصائد مختارة


3 قراءات


3 منتدى الحوار


3 اطلب نسختك


3 جديد محمود درويش


3 الواجهة الانكليزية


الشعر ماء اللغة، به تغتسل من ذاكرتها وتصنع ذاكرتها في آن معاً…

كأن الكلمات التي يكتبها الشعراء تأتي من مكان سري في أعماقنا , من تجربة تبحث عن لغتها , ومن كلمات تتجدد في ماء الشعر .

تجربة محمود درويش هي ابنة هذا الماء به غسلت لغتها وجددتها , أقامت من المأساة الفلسطينية جداريه شعرية كبرى تختزن في أعماقها هذا الغوص في ماء الشعر وماء الحياة .

نستطيع أن نقرأ التجربة الدرويشية في مستويات متعددة ننسبها إلى أرضها , ونكتشف ملحمة مقاومة الشعب الفلسطيني للاندثار والموت فتصبح القصائد شكلاً لتاريخ المأساة .

كان الكلمات وشم على جسد التاريخ والشعر شاهد يعجن الكلمات في التجربة أو نقرأها في حاضرها الأدبي بوصفها تلخيصاً مكثفاً لتجربة الشعر العربي الحديث .

مزجت الغنائية بالرمزية وتشكلت في الأصوات المتعددة , سردت بالشعر وشعرنت النثر حاملة هاجس الحداثة العربية بوصفها جزءاً من مشروع النهضة العربية الثانية .



و نقرأها في لغتها , حيث يأخذنا التبدل الذي طرأ على الشعر العربي إلى إعادة اكتشاف العلاقة الخفية بلغة الأجداد .

فنقرأ امتداداً لمثنّى امرئ القيس وقلق المتنبي داخل موسيقى جدلتها رؤيا جديدة بحيث صار الامتداد قطيعة لا تحيل إلى الماضي , بل تعطي الماضي معنى جديد داخل حاضر متغيّر . أو نقرأها في عالمها , بوصفها جزءاً من صوت شعري متعدد اللغات , صبغ القرن العشرين بصرخة الحرية .

أو نقرأها بوصفها تجربة ذاتية كانت الذات فيها مرآة العالم , وكانت القصيدة مرآة الذات , بحيث استطاع الشاعر في صوته المنفرد , إن يفارق الصوت العام لحظة اندغامه به .

لذلك فهو عصّي على التحديد , وقادر على أن يصنع في المسافة بين المرآتين تلاوين لا حصر لها .

تتعدد القراءات لشعر محمود درويش فهو في مراحله المختلفة وطبقاته .

المتعددة يحتمل اكثر من تأويل .

لكنني افضل قراءة التجربة الدرويشية بوصفها تجربة اغتسال الكلمات بماء الشعر , أي تجربة اكتشاف دائم للكلمات التي تأتي موقعة بالتجربة .

معمودية الشعر, مثلما تتجلى في التجربة الدرويشية , لا لا يمكن فصلها عن فلسطين .

فالارتطام الأكبر بالغرب , لم يأت في لم يأتي في الزمن الكولونيا لي, بحسب افتراض أدبيات النهضة والحداثة .

الارتطام حصل على ارض فلسطين ومن خلال المشروع الصهيوني الذي أقام دولة إسرائيل بالقوة , ومحا الاسم الفلسطيني , ولو إلى حين .

وكان الارتطام مأسوياً على جميع المستويات .

فالمرآة التي صنعتها إسرائيل لم تكن تتسع للضحايا .

على الضحية أن تمحي أمام الضحية اليهودية التي صارت جلاداً مستندة في ذلك إلى دعم العالم الأوروبي الذي جعل من اليهود ضحاياه بامتياز .

في ارض الضحية اكتشف الفلاح الذي فقد أرضه , إن الأرض الوحيدة التي يستطيع حراثتها هي اللغة .

صارت اللغة أرضه المؤقتة ,في انتظار أن تعود الأرض إلى لغتها .

وحين بدأ محمود درويش يحرث لغته – لغتنا , وسط هذا العطش العربي , لم يجد أمامه سوى أن يغسل اللغة بالشعر , ويسقي الأرض بمائه , وتكتب نفسها في مكان سري يقع بين الأغنية والملحمة ...

من: كتاب في جريدة رقم 39

3 كانون الثاني 2001
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس