عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-11-2008, 07:50 AM   #24
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السابع عشر: أثر الصورة الذاتية في الموقف العربي من دولة إسرائيل ..
قدمه: مهنا يوسف حداد..أستاذ في جامعة اليرموك/الأردن

مقدمة:

السؤال حول الذات العربية في متغيراتها "الذات الكلية" و "الذات الجزئية"، كون الأولى تمثل الذات العليا، والثانية تمثل الذات الفاعلة، وكما يبدو، سؤال محوري في محاولة فهم التطورات التي مرت بها الأقوام العربية في المائتي سنة الأخيرة. لقد وجد مفهوم القومية العربية أو نحت كذلك في القرن التاسع عشر على غرار المفهوم الغربي للقومية، ولكنه كان من دون محتوى مستمد من واقع الشعوب العربية في ذلك الوقت. وهنا يبرز سؤال: لماذا لم تصل فكرة القومية العربية الى ما وصلت إليه أي من الذوات القومية الأوروبية؟

يقول صاحب البحث: سوف نحاول في هذه الورقة تقديم النظرية حول الذات لتساعدنا في تحليل الذات القومية العربية، والتي من خلالها تفاعلت الذوات المكونة لها، ولو صوريا مع دولة إسرائيل، طارحين السؤال إذا ما كانت محتويات القومية العربية كونها ذاتا كلية هي التي كان عليها أن تشكل المضمون والهوية.

صورة الذات

تشير صورة الذات هنا الى موضوع الفكر، وتحتوي على جميع المعرفة والمعتقدات التي يملكها أو يستخدمها الناس لوصف تلك الشخصية التي يحملونها. هذه الذات الجمعية بحد ذاتها لا تختلف كثيرا عن الذات الفردية، وصورتها لدى الجماعة تبدي الخصائص نفسها التي تبرزها الذات الفردية مع الاختلاف بأن تصور هذه الذات يوجد لدى تعدد من الجماعات الإنسانية من أن يوجد لدى فرد إنساني واحد. وفي حالة مثل الذات العربية تتطور بناء على التطورات السياسية وتأثير الذوات الفردية الأخرى في الذات (للفرد).

وبقدر ما تتراكم آثار المؤثرات الخارجية المحيطة في الذات الفردية فإنه سيظهر عدة مستويات من الانسجام مع داخل الذات أو الآخر:
1ـ عدم الانسجام، المثاليات الخاصة.
2ـ عدم الانسجام مع الأهداف الأخلاقية الخاصة.
3ـ عدم الانسجام مع مثاليات الآخر.
4ـ عدم الانسجام مع الأهداف الأخلاقية للآخر

سنحاول تبسيط المسألة من خلال الابتعاد عن لغة المختصين، وتحويلها ـ بقدر الإمكان ـ لموضوع قابل لفهمه، معتذرين عن القفز عن الأمثلة المدعومة بقول علماء الاجتماع (العالميين) الذي استشهد بهم الباحث.

1ـ الذات الكلية العربية: البداية والمثال (1798ـ 1908)

جاءت فكرة القومية العربية ردة فعل على التعسف التركي وتقليدا لحركة القومية أو القوميات في أوروبا خلال القرن التاسع عشر وقبله*1.

لقد أدخل (نابليون بونابرت) عاملين هامين في تكوين الذات العربية، هما: آلة الطابعة ومقاومة الاحتلال، مما هيأ للنخب ومن بعدها شرائح الشعب أن تلتف فيما بعد حول محمد علي باشا وابنه ابراهيم الذي استنهض الهمة العربية لبناء ذاتها من خلال استلهام ما عند الأوروبيين وبعيدا عن حالة التسليم والخنوع للإرادة التركية التي تجاهلت الشخصية العربية، وانصرفت لبناء المركز التركي دون الالتفات للأطراف العربية.

إن انتباه أسرة محمد علي لإرسال البعثات التعليمية، الى أوروبا، وتأسيس نظام تعليمي في البلدان التي بسطوا نفوذهم عليها أوجد مناخا وبيئة ظهر منها رواد يهتمون بإحياء التراث و تمجيد القومية العربية .. فكان جناح إحياء التراث الإسلامي يتمثل ب (جمال الدين الأفغاني ورشيد رضا والكواكبي ومحمد عبده وغيرهم) وجناح القومية العربية الذي تصاعد فيما بعد وبالذات بعد أن ظهرت بوادر الهجرة اليهودية لفلسطين، مع ظهور الحركة الطورانية الداعية لتتريك الشعوب التي تحت الحكم العثملني ومنهم العرب.

بالمقابل، فإن ظهور دعوات الكتابة والحديث باللهجات المحلية والابتعاد عن الفصحى، ومحاولات إحياء الفرعونية والشامية والإقليمية بشكل عام، كل هذا أوجد أرضية خصبة لنمو فكرة القومية العربية.

إلا أن الاختلاف بين القومية العربية والقوميات الأوروبية، أن الأخير كان نموها رأسيا متتابعا، في حين أن القومية العربية كان نموا متعرجا مفتعلا منقطعا، كما أن القومية في أوروبا كانت صبغته علمانية حسمت قطع علاقتها بالدين، في حين أن القومية العربية التزمت باستعادة الافتخار بقوة أمجاد الدولة الإسلامية.

2ـ الذوات الفرعية: الوطنيات القومية

لم تستطع الذات الكلية بمحتوياتها المتناقضة مع واقع المنادين بها أن تحقق ذاتها، فهي لم تمتلك آليات تشكيل تحقيقها في زمن لم يكن ليتناسب مع تلك المحتويات. وقبل أن تصل لنقطة بلورة ذاتها، عرفت الذوات القومية المناوئة (الخارجية وغير العربية) ومعها الذوات الوطنية والدينية (العربية والإسلامية) كيف توجه الأمور في اتجاه مغاير يختلف عن الطريق الذي انتهجه رواد النهج القومي.

فبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت كيانات وتوجهات إقليمية لم يرق لها تقوية الذات القومية الكلية. فالهبة التي كانت في شرق المتوسط والتي قاد لوائها أبناء شريف مكة (الحسين بن علي) كانوا على غير الخط الذي كان في الجزيرة العربية ممثلا بآل سعود. كما أن انفصال السودان وانشغال أهل مصر بتلك القضية مع تثبيت وتطوير استقلال مصر. وكذلك فإن المناطق التي كان يشغلها نضالها من أجل تحررها من الاستعمار (الأقطار المغاربية) . كل ذلك أوجد شخصيات كيانات وطنية تقدم همها القطري على همها القومي، فتلتقي مع الهم القومي وتتناقض معه في نفس الوقت.

لكن، كل تلك الحراكات التي وإن بدت متناقضة وغير مفهومة، اتفقت على عدوانية الصهيونية والنظر لها كآخر لا يمكن الوقوف في وجهه إلا في الاستناد لذات أكبر من الذات القطرية أو الوطنية. كما اتفقت على أن وحدة اللسان واللغة العربية هي نقطة تقدم النظام القطري (نخبه ودولته) الى المجتمع القطري أو المجتمع العربي الأوسع كورقة مرور لمشاغلة الذات في حالة تكوينها.

كان هذا الشكل من السلوك إزاء الذاتين (الوطنية والقومية) والذي اتصف بعدم وضوحه واكتمال صورة ما يريد، هي ما أعطت صفة الوهن وعدم القدرة على إنجاز تكوين الذات القومية.

لقد كان الفكر العربي بكتاباته بين فترة 1948 و1978 يكتب بمثاليات تتوحد فيه الصبغة الكتابية عند كل الكتاب في النظرة العدائية للصهيونية، في حين كان السلوك الرسمي يتماهى مع فكرة واقعية اتفقت عليها معظم الأنظمة العربية، أقل ما يقال فيها أنها لا تمت بصلة لما كان يكتب في المثاليات الأدبية.

3ـ الفترة الثالثة: بين الذوات المحورية والذوات الأقطاب

استغلت الذات اليهودية حالة التناقض في المحيط العربي، وانتصرت في حرب 1967، مما جعل الخطاب القومي يتراجع خجلا من عجزه ووهنه. وقد علت مكانة القدرة الصهيونية لما دعاه (حامد عبد الله) ب (ربيع الظاهرة العبرية)

ثم جاءت حرب أكتوبر 1973، بدأت بنصر وانتهت بالإدعاء بالنصر، وأخرجت مصر من الذات الكلية العربية، لتخفت أو تموت فكرة التحرير، عند الدول الوطنية. وأصبحت العلاقة بين دول الطوق (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، مصر) وبين الدول النفطية الثرية، التي لا يفتأ أبناء دول الطوق أن يرددوا أنهم من أسس بنيان دول الخليج من تعليم وبناء ومؤسسات وغيره.

فإن كان هذا الكلام يحمل شيئا من الصحة قبل عام 1978، فإنه تحول الى (بزنس) واغتنام الأموال من تلك العلاقة، على حساب الرسالة التعليمية والرسالة الأخوية. وقد اكتشف أبناء دول الخليج الدوافع المستجدة من أبناء دول الطوق، وعلموا كيف أن تلك العلاقة قد أوجدت لديهم حالة من الكسل والاتكال على غيرهم، وما دامت الأمور كذلك، لماذا لا يبحثون ـ هم بدورهم ـ عمن يخدمهم بأسعار أقل (جنوب شرق آسيا)، ولماذا لا يبحثون عن علاقات استراتيجية مع دول تحميهم وتضمن أمنهم!

هذا ما حدث في الشرق العربي إزاء الآخر (الصهيوني، اليهودي، الإسرائيلي)، بدأ بخطاب لمنعه من الهجرة، ثم تطور الى التهديد باقتلاعه، ثم تطور الى القبول بقرارات الأمم المتحدة، ثم مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للقبول بها، ثم معاهدات صلح وتطبيع الخ.

أما في الأقطار المغاربية، فكان تفاعل تلك الدول لا يرقى هو الآخر عن مرحلة التعاطف الوجداني مرة بشكل قومي (يستحي) من الإثنيات في تلك الأقطار، ومرة بشكل إسلامي ليبرر لتلك الإثنيات ضرورة التعاطف
.


هوامش
*1ـ انظر: الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر/ السيد ياسين/ بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر 1981
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس