عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-07-2009, 08:01 PM   #38
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(26)

نحو اتحادٍ سلميٍ

(1)

يضع (فوكوياما) تصورا، لعالم جديد يكون منقسما الى قسمين: الأول، هو القسم ما بعد التاريخي، الذي يشمل الدول التي انتهجت النهج الليبرالي الديمقراطي الجديد، والقسم الثاني الدول التي لم تزل راكدة في نزوعها للقومية ومعاندتها للمضي في الديمقراطية، وقد أطلق عليها الدول التاريخية.

ويضع المؤلف سيناريوهات للعلاقات بين الدول، فيقول: لو اتجهنا الى الدول الديمقراطية والصناعية في أوروبا مثلا، وتكون ألمانيا متفوقة على كل الدول الأوروبية اقتصاديا وتقنيا، فإنه ليس هناك خوفٌ من الدول الأوروبية من تهديد ألمانيا لها عسكريا، بل سيكون تفوقها محفزا للدول الأوروبية للتسابق في تطوير الإنتاج فيما بينها. وهذا يشيع جوا من التوجه الى التعددية القطبية المتعاونة وليس المتنافرة.

بعكس الدول المتخلفة (التاريخية)، التي لم تلحق بعد بركب الدول الصناعية الليبرالية، فإنها ستتناحر فيما بينها، ثم تتصالح قليلا مع الليبرالية، وستعاني من عملية الاندماج في الجو الليبرالي، ففي الصين مثلا، ستظهر النزعة البرجوازية في إدارة الحكم لتهيئ انفتاحا على اقتصاديات العالم، لكنها ستحن بين فترة وأخرى للمركزية الماوية دون الانخراط في الأجواء الشيوعية القديمة. وكذلك ستفعل جمهوريات الاتحاد السوفييتي القديمة، وسيكون تقدمها نحو الليبرالية مشوبا بالحذر والتردد والنكوص أحياناً.

أما بلدان أمريكا الجنوبية فهي ستنتقل الى عالم ما بعد التاريخ، وستنتشر الديمقراطية في بلدانها، ولا يُستبعد أن تنزلق بعض دولها للوراء لتعادي المنهج الليبرالي.

(2)

في مجال العلاقة بن دول ما بعد التاريخ (المتقدمة) والدول التاريخية (المتخلفة) سيكون التفاعل فيما بينهما ضيقاً، وستكون هناك محاور اصطدام فيما بينهما، وهي النفط والهجرة وأسلحة الدمار الشامل.

فالنفط لا يزال له دور حيوي في تحريك العالم، ومما يزيد فرص الاصطدام بين العالمين (ما بعد التاريخ والتاريخي) هي الهواجس التي أوجدتها تجربة السبعينات عندما استخدم العرب النفط كسلاح.

والمحور الثاني الذي يمكن أن يصطدم به العالمان، هو الهجرة المتزايدة من بلدان متخلفة الى بلدان العالم المتقدم. ففي كل مرة تتعرض فيها أي بلاد لاضطراب تتدفق موجات المهاجرين من تلك البلاد الى أوروبا والدول المتقدمة، وسيكون العالم الحديث المتقدم أمام إشكاليتين:

الأولى: أن التعامل بقسوة مع هؤلاء المهاجرين، يتناقض مع النظرة الإنسانية التي تدعو لها الحضارات المتقدمة، بما فيها الابتعاد عن العنصرية وعن النزعات القومية والدينية، فطرد المهاجرين والتعامل معهم بقسوة يضع الدول التي تتعامل معهم بموضع لا يتناسب مع ما تزعمه من دعايات أيديولوجية.

والإشكالية الثانية: هي حاجة الدول المتقدمة لهؤلاء المهاجرين الذين ليس لديهم مهارات عالية، وبنفس الوقت يرضون برواتب أقل. ويتطلع الخبراء في الدول المتقدمة الى إبقاء تلك العمالة في بلدانها الأصلية ونقل أجزاء من القاعدة أو القواعد الإنتاجية العالمية إلى تلك البلدان، حتى يصل العالم الى حالة مندمجة كليا على المستوى الاقتصادي.

(3)

المحور الثالث الذي يؤثر في علاقة المجموعتين، هو أسلحة الدمار الشامل، ويفسر خبراء الدول المتقدمة سعي الدول النامية لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، بأن وراءه شعور باكتمال السيادة والتقدم نحو اقتصاد واستقلالية مع بقاء تلك الدول خارج المراقبة في تحقيق الديمقراطية!

ومن زاوية أخرى يقول (فوكوياما) أن مفاهيم العلاقات الدولية والشرعية قد تغيرت تغيرا كبيراً، بحيث أن تلك المفاهيم لم يعد باستطاعتها التعامل مع تلك الأنظمة، فهي تريد أن تجبرها الى الانتقال الى الحالة الليبرالية والديمقراطية، ومن هنا فإن عدم تمكينها من الحصول على تقنيات الأسلحة المدمرة، يعتبر أساسا لا تراجع عنه من قبل الدول المتقدمة، حتى لو اقتضى الأمر الى الوقوف عسكريا في وجهها.

(4)

يتطرق فوكوياما الى احتمال يشكل هاجسا قويا للبراجماتيين الليبراليين في الغرب، وهو إن استخدام القوة قد يصلح مع دولة مثل العراق أو صربيا، ولكنه لا يكون محل تنفيذ في حالة الصين أو روسيا!

ثم يذهب الى القول، ماذا لو تحولت روسيا والصين الى دول ديمقراطية؟ وماذا لو عادت ألمانيا الموحدة الليبرالية الديمقراطية الى الشعور بعظمتها؟ وماذا لو ساد شعورٌ في اليابان أنه لم تعد تحتمل موافقتها على نتائج الحرب العالمية الثانية؟

يجيب فوكوياما، إجابة غير واضحة، ولا يمكن نقلها الى إجراء عملي، فيقول عندما يتحقق الرخاء والتقدم في العالم وينتصر العالم (ما بعد التاريخ) على العالم التاريخي، سيكون أمام هذا العالم أن يتلمس نهجا للتعايش السلمي فيما بين أركانه.

لكنه في نهاية تلك المقالة، لم يكن مقتنعاً بإجابته، فيحيلها الى الجزء السادس والأخير من كتابه وهو (خاتم البشر).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس