عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-06-2009, 01:03 PM   #36
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

24ـ قوة الضعفاء

الواقعية نظرية تذهب الى أن الافتقار الى الإحساس بالأمن، والعدوان، والحرب، هي احتمالات دائمة في النظام الدولي، وأن هذا الوضع وضع إنساني، أي أنه لا سبيل الى تغييره بظهور أشكال وأنماط معينة من المجتمعات الإنسانية، بالنظر الى امتداد جذوره الى الطبيعة البشرية الثابتة. ويشير الواقعيون في سعيهم لإثبات صحة زعمهم الى انتشار الحروب منذ فجر التاريخ، منذ المواقع الدموية الأولى الوارد ذكرها في الكتاب المقدس الى الحربين العالمتين في قرننا هذا.

(1)

عرج الكاتب (فوكوياما ) على تفسيرين، لطبيعة تحرك البشر: التفسير الأول يشير الى أن الحرب هي ظاهرة طبيعية ليس لها علاقة بالوضع الداخلي للدولة، بل تسعى فيها الدول لتوسيع دائرة الاعتراف بقوتها من خلال العدوان على الدول الأخرى، وهذه الظاهرة منتشرة على مر التاريخ وفي كل الدول. أي أن الطبيعة الأساسية للبشر هي عدوانية.

والتفسير الآخر: تبناه (جان جاك روسو) بأن الطبيعة البشرية تميل للسلام، فالإنسان الأول الذي عاش بمفرده كان خائفا واحتياجاته كانت قليلة يمكن إشباعها دون اللجوء للاقتتال، وهكذا هي الطبيعة البشرية يميل فيها الأفراد الى الانعزال بحثا عن الأمن، وهم يعيشون أشبه بالبقر راضون بأن يعيشوا وأن يدعوا غيرهم يعيشون.

ويعني أن عالم العبيد الساعين الى الحفاظ على وجودهم الطبيعي هو عالم لا يعرف الصراع، وأما من يتصارع ويؤسس للحروب هو عالم السادة (حسب رأي هيجل و هوبز) الذي لا يقبل نظام ثنائية أو تعدد الأقطاب والذي يسعى كل منهم أن يكون السيد الأوحد في العالم. وعالم الأسياد لا يشترط بحروبه الدفاع عن الذات، فهو يحارب حتى لو لم يكن مهدداً.

(2)

يعود الكاتب (فوكوياما) لمحاكمة النظرة الخاصة بالتوسع في السلطة والحروب، سواء كانت من زعماء (أفراد) أو من أنظمة سياسية (دول)، فيقول: ليس هناك ما يثبت تجريبيا أن الصراع على السلطة هو دائما رغبة في زيادة القوة النسبية الى أقصى حد. ويضرب مثالا: الكولونيلات اليونانيين الذين سلموا السلطة للمدنيين عام 1947، كذلك الفئة العسكرية في الأرجنتين التي تخلت عن الحكم عام 1983، مواجهين احتمال تقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم أثناء توليهم الحكم.

والتاريخ الحديث يدعم تلك النظرة، فقد تتخلى دولة كبريطانيا العظمى عن مستعمرات استبسلت في نهاية القرن التاسع عشر للحصول عليها، لتتخلى عنها بعد الحرب العالمية الثانية طوعا لتخفيف الأعباء عنها. كذلك يمكن القول عن تركيا التي كانت تحلم بإمبراطورية طورانية تمتد من شرق أوروبا الى القفقاس، قبل الحرب العالمية الأولى، ليتخلى مصطفى كمال أتاتورك عن تلك الفكرة ويحدد مساحة دولته بما هي عليه الآن.

لو تأخر (فوكوياما) بتأليف كتابه هذا، لأدرج الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا في أمثلة التخلي عن مساحات لا تنتمي للمركز انتماء كافياً.

(3)

يتفنن (فوكوياما) بربط (البراجماتية: الذرائعية) مع روح (الليبرالية الجديدة)، فيكيف رغبة الدولة في إظهار القوة والتوسع مع إمكاناتها على الإبقاء على هذا التوسع، فإن كانت كلفة التوسع بواسطة الحروب عالية، وكلفة الحفاظ على هذه المساحات أعلى. فإن الدولة تنحى منحىً آخرا في التعبير عن قوتها.

هذا النمط من التعبير عن القوة، نجده في (اليابان) المدحورة في الحرب العالمية الثانية، في اتجاهها نحو القوة الاقتصادية والمالية والتقنية التي تجعلها من الدول القوية (دون حروب). وهذا ينسحب على أكثر من دولة مثل كوريا الجنوبية، وبعض دول أوروبا كألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا الخ.

(4)

لن تشفع القوة العسكرية وحدها في ثبات حالة التوسع للدولة، أو حتى الأحلاف، فقد تآكل حلف (وارسو) دولة بعد أخرى حتى تفكك نهائيا، دون أن تدمر دبابة واحدة من دباباته ودون أن يُقتل جنديٌ واحد من جنوده. ولم يُهرع الاتحاد السوفييتي لوقف هذا التفتت والانحلال .. لماذا؟

ويقرر فوكوياما أن هذا النمط من التفكك حدث في التاريخ بأشكال مختلفة، ويضرب مثل احتلال (الرعاع والهكسوس) لمصر وحكمها من القرن الثامن عشر قبل الميلاد الى القرن السادس عشر قبل الميلاد، واختفائهم بعد ذلك، كما يمر على الإمبراطورية العربية الإسلامية ويجعلها مثالا يشبه الرعاع والهكسوس!

المثالان السابقان، في رأي (فوكوياما) جاءا نتيجة العنف والعنجهية والظلم فكان مصيرهما كما كان.

(5)

هنا، لا بد بعد ذكر تلك الأمثلة، من عودة للنموذج الأفضل (البديل) لتلك النماذج الغاشمة. إنه نموذج الليبرالية الحديثة، حيث يرى (فوكوياما) أن قوتها آتية من (أيديولوجية العبيد) التي تخدم طوعا سادة الليبرالية الحديثة.

ولكي يدلل فوكوياما على نظريته يقول: كان الجنود الفارون من الحرب الأهلية الأمريكية يقتلون فورا (دون محاكمة)، مع أن تجنيدهم كان يتم غصبا وقهرا، وكانت ظاهرة إعدامهم تتم يوميا كمشهد روتيني، أما في الحرب العالمية الثانية فلم يُعدم غير جنديٌ واحد بسبب جريمة التهرب من الحرب، وقد رفعت زوجته قضية على الحكومة الأمريكية.

ولا ينسى فوكوياما ـ طبعا ـ أن يمر على بعض الدول الأوروبية كبريطانيا التي ألغت (الخدمة العسكرية الإجبارية)، ليحل محلها الإقناع بسمو أهداف الدولة (الليبرالية) مع إغداق المال على المجندين.

خلاصة القول:

يريد فوكوياما أن يقول أن السيادة المطلقة على الكرة الأرضية لا تتلائم مع القهر والعنف والإجبار (كما في حالات الهكسوس والمسلمين والشيوعيين)، بل بالاقتناع والدفاع طوعا من (قبل) العبيد عن نظام يقتنعون به، ألا وهو النظام الليبرالي وبالذات الأمريكي!

تعليق:

كم أتمنى أن يمد الله بعمر فوكوياما لأقرأ له كيف يفسر هروب الجنود الأمريكيين من الخدمة في العراق ولجوء الآلاف منهم الى كندا، هذا غير أعداد المنتحرين من الجنود الأمريكيين والتي وصلت أعدادهم ما يقترب من عدد الذين قتلوا في ساحات القتال.. هل يكون هؤلاء الجنود عبيداً قد أفاقوا؟؟


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس