عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-10-2011, 10:27 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(19)

كغيره من الطلاب والطالبات، توقع علوان أن يكون غب الطلب من جيوش المنتشرين للكسب، فبداية السنة الدراسية تعتبر موسماً مثله مثل بداية مواسم المطر والعواصف الرعدية المُبكرة والتي ينتج عنها (تفقيع) (الكمأة) في البوادي والسهول، فتجد المختصين يركزون أنظارهم في أقرب بقعة تحتهم ليصلون إليها قبل غيرهم. ولأن الهواة يزاحمون المختصين في البحث عن الكمأة، فقد يخطئون في جلب بعض أنواع الفطر السام والتي تشبه لحد كبير الكمأة الحقيقية، فإن فلتت من مراقبة المختصين، فإنها إن دخلت في (طبخة) قد يُحدث تناولها بعض التقيؤ والإسهال، وابتعاد الناس عن الانجذاب لمثل تلك الطبخة.

ولأن الكل في عجلة من أمره، فقد كانت أجواء الجامعة بالنسبة لعلوان كمن يشتري مجموعة جديدة من الكتب، يتناوب على فتحها وقراءة فهارسها كلها، ويقلب صفحات أحدها دون تركيز، وإن كان البعض يُطلق عليها قراءة أولية، فإنها لا قيمة لها في النهاية، كان علوان يجلس على مقعد خشبي أخضر تحت شجرة خضارها أقل من خضاره، يتسع لأربعة أشخاص، يقلب بعض ما في يديه من كتب المنهاج الدراسي التي استلمها للتو، ويُراقِب المارة من أمامه من طالبات وطلاب وعاملين في الجامعة، لا لشيء، إنما هي هكذا.

أقبل أحد الشباب يكبره بسنتين أو ثلاثة، مُحضِّراً ابتسامةً اعتقد أنه تدرب على إظهارها جيداً، وألقى تحية على علوان ووقف قليلاً قرب مقعده، ثم استأذنه إن كان بالإمكان الجلوس بجانبه والتعارف معه، وكان لا ينتظر الموافقة، فما أن أبدى علوان عدم ممانعته، كان القادم قد أكمل جلوسه.

قال القادم: اسمي خيرو فارع شحاتة، سنة ثانية هندسة..
ـ وأنا علوان محمود علوان طالب جديد..
وعندما تم التعارف بينهما، تبين أن خيرو هو ابن فارع أبو الزغاليل من نفس البلد، وأمه هي التي رفضت قبل سنوات أن ترشده مع أبيه على بيت قريبهم سليمان بك.
ـ انظر، لقد تم تكليفي بالاتصال بك، لدعوتك للانتساب لاتحاد الطلبة، وإن أردت للحزب، وهذا يعود لك، إن شئت انتسب وإن لم تشأ براحتك! سأخبرك إن انتسبت لاتحاد الطلبة فإنك ستقضي وقت فراغك براحة ما، ولا تعود تحس بالضجر، وإن انتسبت للحزب، ستستفيد من سكن مجاني وبعض النقود التي تخفف من تكاليف دراستك.
ـ سأنظر بالأمر، وإن شاء الله خير..
ـ إن كنت ستوافق، فالأولى أن يكون ذلك بسببي، فنحن أولاد بلد، فهذا سيحسن من وضعي، وهذا براحتك.

(20)

لم تمنع المقابلة الساذجة لعلوان مع خيرو أن يتأمل ما يحدث، فركاكة الحجج التي أوردها محاوره، تؤكد له كم في البلاد من انتهازيين وراكضين خلف الفرص. وخَمّن علوان أن محاوره سيكتب تقريراً يصفه به بصفاتٍ معينة، ولكنه لم يُعطِ اهتماماً كبيراً لما سيكون تأثير مثل تلك التقارير.

ذهب علوان الى مقر اتحاد الطلبة الذين يشاركونه الجنسية، وتكررت زياراته لذلك المكان، ليقضي بعض أوقات فراغه، وليتحدث مع أبناء بلده في غربتهم، وليلتقط بعض المعلومات التي تساعده في التأقلم مع الوضع الجديد، كالتي تخص المطاعم والأسواق والأسعار وما الى ذلك.

كان الرواد للمكان يمارسون بعض ألعاب التسلية كالشطرنج وطاولة الزهر والدمينو، وكان أكثرهم يراقبون لاعبي الشطرنج عن قرب، لا لأنهم يحترفون تلك اللعبة، بل لاعتقادهم أنها أكثر رِقياً من الأخريات، وكان معظمهم يتعلم تلك اللعبة من داخل المكان.

في لوحة إعلانات داخلية، كان هناك برامج للمسابقات الثقافية، كالمبارزة الشعرية، والكتابة في مجلة الحائط، وإعلانات أخرى للمشاركة في حفل استقبال الطلبة الجُدد.

ينهض مجموعة من الطلبة لارتياد دار سينما قريبة من مبنى الاتحاد، تعرض أفلام (الكاوبوي) وأفلام فكاهية لإسماعيل ياسين و (نوردم وزدم) و(شارلي شابلن)، كانت تلك الأفلام تمدهم بمادة للحديث عنها، حتى يحين وقت عرض غيرها..

لم تكن البرامج المطروحة في اتحاد الطلبة، تستدعي أن يُكلف مجموعة من الطلبة لكتابة التقارير لمخابرات دولتهم، فمعظمها امتدادات لمهارات مراهقين تعلموها في مراكز الشباب أو النشاطات المدرسية.

(21)

في اجتماعٍ لحلقة حزبية، يديرها (سيف أبو معجونة)، ناوله (خيرو فارع) تقريراً إخبارياً عن نشاطه الأسبوعي، واتصاله بعلوان، وكان في التقرير: (الرفيق المسئول: لقد قمت بالاتصال بالطالب الجديد علوان محمود علوان، من أجل الانضمام للحزب، وبعد نقاش طويل وعقائدي شرحت فيها مبادئ وأهداف الحزب والكيفية التي سيوحد فيها الأمة العربية ويفجر طاقات أبنائها، ويحرر فلسطين ... ولم ألاحظ تجاوباً لدى المعني، بل كان ينظر في الأفق مما يوحي أنه لم يقتنع، وأعتقد أن مثل هذا الشخص لا جدوى من الاتصال به... ودمتم للعقيدة والنضال)..

لم يرفع سيف أبو معجونة التقرير لمسئوله، لأكثر من سبب، فهو يعلم أن خيرو لم يكن كفؤاً لشرح المبادئ، لأنه حتى في المواضيع الثقافية المكتوبة، وعندما يكون الدَوْر على خيرو لتقديمها، فإنه يتلعثم في طرحها، ويختصر الخمس صفحات لسطرٍ واحد، والسبب الآخر هو من كان سبباً في قبول علوان في الجامعة، وهو يعرف علوان ومقدرته الثقافية، لدرجة أنه لم يتجرأ على مفاتحته بنفسه، وأخيراً لم يُكلف خيرو بتلك المهمة، وإن كان الأخير قد ادعاها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس