عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-10-2010, 03:22 PM   #23
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القسم الثالث: المجتمع المدني في الحياة المعاصرة

الفصل السابع: المجتمع المدني والشيوعية

(الصفحات 327 وما بعدها من الكتاب)

(1)

تكمن جذور الاهتمام المعاصر بالمجتمع المدني في قناعة ـ سادت لدى بعض المثقفين الغربيين الأوروبيين في عقد الثمانينات من القرن العشرين ـ مفادها أن تسارع أزمة الشيوعية كان (ثورة المجتمع المدني ضد الدولة). فتشكل ببطء أدبٌ منشقٌ، مناوئ تماماً لدعاوى الأحزاب الحاكمة التي تصف نفسها بالطليعية، ومناوئ لفهمها البيروقراطي للسياسة، وهو أدب رأى أن الاشتراكية القائمة، ما هي إلا دولة مسيطرة ومندسَّة في ثنايا كل شيء، دولة تقترن بتخطيط مركزي عالٍ لإنتاج الصناعات الثقيلة، وبقمعٍ شاملٍ مانعٍ لكل مبادرة اجتماعية تقع خارج سيطرة الدولة ـ الحزب.

لقد بلور المحللون الأوائل، استناداً الى النزعة الدستورية الليبرالية، والى (توكفيل)، والأدبيات الغربية حول (النزعات الشمولية أو التوتاليتارية)، نقداً قوياً لما اعتبروه افتقار الماركسية للحدود، ونزعتها في تسييس كل شيء، وخيانتها للديمقراطية، ورغبتها في توجيه أو استيعاب كلّ فاعلية عفوية تنشأ عن المجتمع المدني.

نتيجةً لتجذرِ هذا النقد في الرغبة الشعبية الواسعة في نيل الديمقراطية السياسية، فإنه تجاهل تماماً المسائل الاقتصادية، وقدم نفسه ابتداءً باعتباره تجديداً للفكر الاشتراكي. ما من شك في أن أحكام هذا النقد لم تكن جديدة، غير أن الأزمة الاقتصادية الخانقة وانتصار اليمين السياسي في إنجلترا والولايات المتحدة قدَّما إليها دعماً جديراً بالاعتبار. فكان ما كان في تحالف العوامل الداخلية والخارجية لانهيار الشيوعية.

(2)

لما كانت (الاشتراكية: النظم السياسية السابقة) تتطور بوصفها إستراتيجية دولة تدير النمو الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي [ استناداً لأقوال ماركس وهو يسمي نفسه: ديمقراطياً اجتماعياً]، انجذب النقد المُنشَّق نحو النظريات الليبرالية بصدد المجتمع المدني التي تركزت على الحد من سلطة الدولة القسرية.

استندت الاشتراكية الحديثة، توأم الليبرالية في (عصر التنوير)، الى توسيع الديمقراطية لكي تشمل المجال الاقتصادي؛ وهذا في الواقع هو السبب الذي حدا بماركس أن يصف نفسه بالديمقراطي الاجتماعي في المقام الأول.

إن فهم المجتمع المدني بوصفه كياناً ذاتي التنظيم بكل بساطة جَنَحَ الى رؤية الدولة عائقاً أساسياً أمام الديمقراطية، والى عدم إقامة الاعتبار للاقتصاد. ولكن إذا كانت النظرية تصور المجتمع المدني بوصفه ميداناً لفوضى الإنتاج، والمصلحة الخاصة، واللامساواة، فإن ديناميكية الاقتصاد الداخلية يمكن أن تخضع للضبط. ويكمن هذا التوجه في جوهر النظريات الاشتراكية كلها عن المجتمع المدني.

فمن سياسات إعادة التوزيع المعتدلة التي دافع عنها البعض الآخر، بدت المساواة والديمقراطية بحاجة الى استعمال سلطة الدولة للتدخل في الملكية الخاصة ومنطق التسليع.

يفسر صاحب الكتاب (جون إهرنبرغ) سر انجذاب العالم الى الشيوعية نظرياً وعملياً في الفترة التي عقبت الحرب العالمية الثانية وما أصاب العالم من خراب ودمار احتاج قسوة في تطبيق العدالة لإعادة إعماره، وحماية المتضررين من الحرب من استغلال متصيدي الفرص!

تعليق

رغم الحرص على تقديم الكتاب كما يراه المؤلف، والذي بذل جهداً كبيراً في تقديم تفسيرات تساعد المثقف والقارئ في كل أنحاء العالم للاستدلال على مراحل التطور في تكوين المجتمع المدني وما رافقها من نظريات سياسية واقتصادية، بالرغم من كل هذا، فإن المؤلف، شأنه في ذلك شأن مؤلفي صراع الحضارات ونهاية التاريخ الكتابين اللذين سبق وقدمنا لهما قراءات وعرض، لا يفتأ في التبشير بالليبرالية الحديثة، وسيرى القارئ فيما تبقى من فصول هذا الكتاب.

فإن كانت الشيوعية والماركسية بنظره تسم من يتبناها من أنظمة بالدكتاتورية والقمع ونكران الدين الخ، فهي بنظر أصحابها تزعم نشر العدالة وتبشر ما بشر بها أصحاب الأديان السماوية وغير السماوية، فهي تزعم القدرة على معرفة كيفية تحقيق العدل والمساواة بين الناس، حتى ولو بالقوة، وقد يكون نهجها قد ألحق الأذى بالإبداع الفردي المتعلق بالملكية الفردية وحمايتها.

لكن من زاوية أخرى، فإن الليبرالية والديمقراطية الغربية، وإن بدت للمراقب الساذج أنها متاحة بعدالة ومساواة كاملة لتناقل السلطة ومواقع القيادة بين كل الناس بالتساوي، فهذه النظرة كاذبة كل الكذب، فالمرشح للرئاسة والبرلمان يركض من مكان لمكان ومن لوبي لآخر ليسترضيه حتى يُسمى مرشحاً لحزب أو غيره، وقد انتقلت تلك العدوى للدول التي تدور بفلك الدول الليبرالية الغربية، فلن ينجح بترشيح من لا يتلاءم مع فكر أعوان هؤلاء. والعراق ومصر واليابان وأوروبا كلها أمثلة صارخة، فأي اختلاف بين ديكتاتورية شمولية وديكتاتورية ليبرالية تدعي أنها متاحة للجميع؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس