عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 08:07 PM   #14
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

معنى ذلك أن هابرماس يستغني وبشكل نهائي عن قدرة الذات

ووعيها في افتراض حقيقة مطلقة وغير مشروطة تاريخيا،

مهما بلغ نفاذ بصيرتها بل ويعتبرها عاجزة عن تأكيد حقيقة ما.

ويشكل ذلك اللبنة الأولى للتخلي عن فلسفة الوعي واستبدالها

بفلسفة التواصل، تخضع فيه الحقيقة للتحليلية اللغوية وليس

لشروط خارجية.

فما دام أنه لم يعد بوسع أحد الوصول إلى حقائق نهائية وقارة،

يجب الاستعاضة عن ذلك باللجوء إلى حقائق متوافق بشأنها،

يلعب الحوار دورا مركزيا في بلورتها إن لم يكن السبيل الأخير

الذي يمنع التطاحن والتناحر الذي كلف الإنسانية كثيرا.

فبقدر ما يصل المتحاورون إلى الاتفاق يمكن للحوارات عندئذ أن

تتواصل وتقترب من الحقيقة، إذ يتخطى الحوار الحقيقي

الذاتانية والرأي الذاتي للمشاركين. فاللوغوس لايمكن أن يكون

ملكُك أو ملكي، بل يبقى مشترك بين ذاتية المتحاورين، ورهين

بالتذاوتية-Intersubjectivité-، وهوما يجعل للحوار

فاعلية كبرى، تمكن كل متحاور أن يصل إلى رؤية الحقيقة ومن

موقعه الخاص به.

ولا يتمثل مشروع أخلاقيات التواصل هنا في الإقرار بحقيقة

مطلقة ولا تسويغ شيىْ قد تم اختياره، بل يتمثل في السعي وراء

الوصول على قرار أو اختيار أو تقويم من لدن المتحاورين

مناصفة.

لا يدعو هابرماس إلى حقيقة ما أو تبني سردية كبرى

بعينها:أخلاقية كانت أو دينية على حساب أخرى، بل يترك إلى

المتحاورين تحديد نظم حياتهم بكل حرية. فالحداثة عنده تستقي

مشروعيتها لا بالرجوع إلى هذه السردية أو تلك، من قبيل حرية

الفرد(الليبرالية )أو تحرير الذات (الماركسية) )...، فهي

حكايات أو سرديات انطلقت كلها من عصر التنوير التي كانت

غاية المعرفة بلوغ غاية أخلاق-سياسية).

ينأى هابرماس على فرض حقيقة بعينها، فالعديد من السرديات

الكبرى أفلست والكثير من المثل العليا أصبحت اليوم في أعين

ورثتها أسمال بالية. لا يعني ذلك أبدا الترويج للنسبية بل يضع

هابرماس ضرورة إضفاء شرط الكونية لما قد يصل إليه الفكر

العقلاني البشري، كتلك التي تمثلت في قيم العدالة والحرية

والاستقلال التي حازت قبول الجميع، وهي محصلة تربوية

طويلة بين الأجيال والشعوب، تداخلت فيها الأخلاق بالسياسة،

كما التاريخ وعلم النفس وعلوم اللغة...

لذلك يؤمن بتاريخ يكون تاريخ تعددية وبنقاش حر يسمح

بفحص خارجي لصلاحيةvaliditéأي قضيةproposition

واختبار حقائقية facticitéمادة أي موضوع، وفسح المجال

لها لكي تطور ذاتها.

ويعد الفهم التأويلي هنا شكلا من أشكال الحوار، فهو فعل لغوي

بالمعنى الأوسع، يحضر فيه كل التراث الثقافي الذي يتصل بمادة

الموضوع بوصفه ''لغة'' لها وبالمعنى الشامل للكلمة. لقد حان

الوقت بالنسبة لهابرماس للتخلص من فلسفة الوعي وبأن يتم

البحث عن العقلانية في اللغة باعتبارها الإطار الذي يحدث فيه

التواصل الإنساني وباعتبارها خزان تجاربه، وفيها يمارس

الإنسان فعله الاجتماعي.

بل تهتم أخلاقيات النقاش بأجرأة سليمة لقواعد الحوار، تحفظ

مناصفة لكل مشارك في حوار حقه في التعبير عن رأيه من دون

تسلط أو قهر، بمعنى أن نختار ما يناسبنا ونريده في إطار

المسالمة والرضا في وجودنا.

كما تلزم الإجرائية طرق تداول الخطاب وكيفية التشاور على

مضامينه والبرهنة بالحجج على قضاياه، لكي تصدر الحقيقة من

جراء حوار فعلي، تتخاطب فيه العقول وتتحاور ليس بهدف أن

ينتصر الواحد منها على الآخر؛ ولكن بغرض الوصول إلى رؤية

كونية تفوق الرؤى المحلية لكل منها ويحصل لها الاستعراف

بين مجمل الذوات المشتركة في ذلك.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس