عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-11-2007, 01:50 AM   #1
نهر الحكمة
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
المشاركات: 326
إفتراضي الإرهـاب لهُ ديــــن !!!


للأسف الشديد ، يفاجئنا هذه الأيام ، بعض من يزعمون أنهم فقهاء ، وعلماء دين ، بآراء شاذة ، وسلوكيات مريضة ، ، وفتاوى مغموسة بالغباء ، أو بالشر ، وخطابات مسعورة ، تنثر الكره ، والحقد ، والعتمة ، والفوضى ، وتدعم موقف أُولئك الذين يعتقدون ، بإنّ الإرهاب له دين ، وأنّ جذوره الحقيقية تمتصُّ بغض الآخر ، والرغبة في قتله ، وتدميره ، من تربة الدين الإسلامي ذاته ، ويسوقون الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والروايات ، التي تؤكد صواب وجهة نظرهم .
فمن يسفك دماء الأبرياء ، متوهماً بأنـّهم كفاراً أو مارقين ، إنما يفعل ذلك عن يقين يرتكز على مفاهيم ، وتصورات ، وأحكام دينية ثابتة .
ومن يفجـّر نفسه ، عن طيب خاطر ، وتصميم ، في سوق شعبية ، أو مسجد ، حالماً بأن يستقبله النبي على أبواب الجنة ، وأن يكافئه الله بالنعيم ، وحور العين ، والدمقس والحرير ، إنّما ينطلق في إرتكاب تلك الجريمة ، عن قناعة دينية راسخة ، تسندها النصوص القرآنية أو النبوية ، والفتاوى الشرعية الصريحة ، وإيمان عميق ، بأنّ مايُقدم عليه هو عمل ( إستشهادي ) عظيم ، سيغمره بالمجد ، والنور ، والفرح ، والخلود .
إنّ خطاب شيوخ التخلف ، والتطرف ، وأفعال مريديهم ، تقدّم دليلاً إضافياً ، حياً ، وجاهزاً ، للبعض ، ممن يتخذ موقفاً متشدداً من الدين ، ويعتقد بأنّ أصل المشكلة ، هي في الإسلام ، كديـن ومنهـج ، وليس في وعاظ الشيطان ، وأتباعه ، الذين يسمِّمون عقولنا ، ومشاعرنا ، يومياً ، وينشرون الخوف ، والرعب ، والخراب ، في حياتنا ، ، ويصنعون صورة مرعبة ، ومقززة للإسلام والمسلمين في أذهان الآخرين ، رغم أنّ هذا البعض ، يعي جيداً ، أنـّه لو كان القرآن والإسلام هما أساس المشكلة ، فلماذا يُشهر هذا الإرهابي سيف التكفير ، والتفسيق ، والوعيد ، في وجه المسلمين أيضاً ، ولماذا يستهدف بأعماله الوحشية ، أبناء ملّته ، ( حتى الذين من نفس مذهبه ، أو حتى عائلته ! ) ، ولماذا يقف غالبية المسلمين ، اليوم ، علماء وعوام ، ضد هؤلاء القتلة ، والمجرمين ، ومنهجهم الدموي ، وغير الإنساني ، وغير الإسلامي .
المشكلة ، بالتأكيد ، ليست في الإسلام ، ولكن في من يزعم أنّه يمثله ، ويتحدّث باسمه ، و يقرأ الآيات ، والأحاديث ، والتاريخ ، بعينين مريضتين ، وعقل مترع باليأس والحقـد .
والمشكلة ليست في القرآن الكريم ، بل في من يتلفع بعباءة الدين ، ويتوهم بأنـّه يجهر بصوت الحق ، والفضيلة ، بينما رائحة الشر ، والباطل ، والرذيلة ، تفوح من تفكيره ، وأفعاله المشينة .
أتساءل لماذا لايتحدّث هؤلاء الناقمين على الإسلام ، عن دور البيئة الإجتماعية ، والتربية المغلوطة ، والثقافة الطائفية ، في صناعة مثل هذه العقول المسعورة ، المترعة بالعتمة والبشاعة ؟.
لماذا لايتهمـّوا الأنظمة السياسية المتخلفة ، والمستبدة ، بكل ماتحويه من سياسات رعناء ، وقمع ، وجور ، وطغيان ، وانتهاك فاضح لحرية وكرامة الناس ، وتخريب عقولهم ، وتدمير إرادتهم ، وتشويه إنسانيتهم .. لماذا لايتهموا تلك الأنظمة الفاسدة ، بأنّها وراء إنتشار وباء الإرهاب ، وتناسل حقول تفقيس الإرهابيين ؟ .
لماذا لايفتشوا في هيولة الإنتحاريين ، وقاطعي الرؤوس ، عن تلك الكهوف النتنة ، التي يزعق فيها أئمة التكفير ، ، وفقهاء الظلام ، ووعاظ القتل ، التي تجعل من روادها ، وحوشاً آدمية ً مسعورة ً ، تتفجّر حقداً ، وبغضاً على العالم ، والعالمين ؟ .
هل من الصواب ، والحكمة ، والموضوعية ، أيها السادة ، أن نحاكم ديناً كبيراً ، كالإسلام ، ونطوّقه بأحكامنا المطلقة ، والمتشنجة ، ونتهمه بأنـّه مصدر الإرهاب ، أم ينبغي أن نحاكم فكراً متطرفاً ، وثقافة متطرفة ، وخطاباً متطرفاً ، ونهجاً متطرفاً ، وشاذاً ، ومنحرفاً ، تسهر على رعايته ، ودعمه ، في السر والعلن ، مؤسسات ، وهيئات ، وجامعات ، ومساجد ، ورجال دين ، وأحزاب ، ودور نشر ، وفضائيات ، ودول ، لدوافع سياسية ، وطائفية ، ونفسية ، ومادية .. ؟ .
فالإسـلام ، كمنظومة فلسفية ، وأخلاقية ، شأنه شأن أي دين آخر ، هو ، بالتأكيد ، أكبر من أن يسطو عليه شيخ بليد ، أو فقيه متزمت ، أو إرهابي معتوه ، أو مستبد مأفون ، أو تيار سياسي ( إسلاموي ) أهوج ، يريد أن يمتطي صهوة السلطة ، ورقاب العباد ، فينحرف بالدين عن رسالته الإنسانية ، التي تدعو للرحمة ، والمحبة ، والتسامح ، والتعاون بين الناس ، ويقود الوطن ، وأبنائه إلى مهاوي الرعب والخراب .
ولاأدري لماذا يتغافل البعض عن حقيقة أنّ الإسلام ، كدين ، هو عنوان عريض ، وواسع ، لعدد كبير من المذاهب ، والإتجاهات ، والتيارات الفقهية ، والسياسية المختلفة ، والمدارس الفلسفية المتنوعة ، التي تتباين فيما بينها ، وقد يصل الإختلاف في وجهات النظر ، أحياناً ، إلى درجة الإحتراب ، كون أنّ الإسلام ، قد تعرّض ، خلال تاريخه الطويل ، إلى سلسلة معقدة من التغيرات ، والهزات ، والصراعات الدموية ، والثورات الإجتماعية ، والفكرية الكبيرة ، التي كان لها أثرها في ظهور أساليب ، وأنماط حديثة ، ومتطورة ، في التفكير ، والتفسير ، شجعت على إعادة قراءة التاريخ والتراث الإسلامي ، والإنفتاح على الفكر الآخر ، ونقد وتجديد الخطاب الديني ، وتحريره من الغلو ، والتزوير ، والكذب ، والتسويف ، والتحريف ، والتهويل ، الذي تسلل إليه عبر التاريخ ، بسب السياسة ، والطغيان ، والتعصب ، والجهل ، والصراع على السلطة ، ولوثة الحروب ، ولعنة القمع .
الحقيقة الأكيـدة ، هي أنّ الإرهاب له ثقافة ، ومثقفون ، ومنظـّرون ، ورجال دين ، وفقهاء ، وجنود ، ولكن ليس له ديـن ، ولاعلاقة له بالله ، أو الإنسان .



نهر الحكمة
(ف. الطويل)
__________________
( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ )
نهر الحكمة غير متصل   الرد مع إقتباس