عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-07-2009, 06:54 AM   #6
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

حقيقة .. إننا لا نرقى رقي هذا الشاعر الفذ وله ما له من أعمال ينحني لها إبداع الضاد قاطبة .
هذه القصيدة تبلغ درجة عالية من التمكن لاسيما وأننا نجد فيها استخدام المحسوس والملموس في شكل رائع ينم عن جانب حركي يتسم بالتميع كأننا في شكل حلم ، وهذا يتمثل في التعبير "عابرون في كلام عابر" فالحالة الحركية ودلالتها للحركة الخاصة بالعابرين تماشيًا مع الكلام العابر تفيد معنى (الذوبان) وهذا موجّه للأعداء الذين يذوبون فهم عابرون أي لن يستقروا وليسوا فقط عابرين وإنما في كلام أي عابرون على الورق ثم تأتي المفاجأة الكبرى أن الكلام نفسه عابر لن يستقر وهذا الكلام يحتمل أن يكون تصريحاتهم السياسية أو طموحاتهم أو بروتوكلاتهم ...
وهنا نجد أن العنوان يلعب دورًا كبيرًا في المعنى ؛فلم يجعل العنوان-مثلاً - أيها العابرون وإنما جعل له رؤيا تدل على فلسفته في تقييم هذا المحتل . لقد لعب التكثيف في العنوان دورًا في توليد العديد من المعاني والتي تتعانق مع قوة النص والمرجعية الثقافية لتشكل مزيجًا متميزًا في هذا العمل .

وتستمر هذه البراعة بنفس قوة بدء القصيدة في المقطع الأول :
احملوا أسماءكم وانصرقوا
كأنما أسماؤهم أشياء كآلات الحدادة والنجارة تحمل على الكتف وليست نحتًا في تجويف التاريخ .
وبنفس المنطق المتحدث عن التاريخ يناديهم (اسحبوا ساعاتكم من وقتنا ) فالوقت عنصر محسوس لا يلمس بينما ساعاتهم هي إطار صوَري لن يفيد كثيرًا . إن الوقت سابق على اختراع الساعة ، فلا يضير حينئذ أن تكون الساعة مطموسة الأرقام . هنا التعبير عن الساعة والوقت كان عميقًا للغاية في دلالته ، فالساعة دلالة على الوجود الشكلي لأنها كيان مادي ملموس والوقت دلالة على الوجود الحقيقي لأنها كيان معنوي محسوس. وكثيرًا ما تبقى الأشياء المادية في نهاية المطاف أصنامًا يتفرح الناس عليها فحسب ، وهذا هو مقصده وتتسع دلالات هذه الأبيات لتشمل الهوية -القومية -الثقافة وهذا من دلائل تمكن الشاعر من فكرته واستخدامه اللغة والفكر معًا في إطار متسم بالقوة والفعالية وكان استخدام الصورة مذهلاً في تمكين التداعيات النفسية للقراء من الولوج إلى بوابة الفكر .
والاتكاء على هذا المقطع (أيها المارون بين الكلمات العابرة) كان للتدليل على أن نظرته لم تتغير تجاههم وأنهم بعد كل ما بذلوه من جهد لإثبات كينونتهم فإنهم مجرد (مارون بين كلمات عابرة) أي أوهام داخل أوهام .

وفي المقطع الثاني كانت الثنائيات الدالة على اللاتكافؤ في المعركة لتدعم فكرة البقاء والفناء:
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
جاءت لتشرح المحصلة النهائية وهي الانصراف أو حتمية الانصراف وتكرار الأمر انصرفوا كان
بغية إثبات الكبرياء .

لنا قمح نربيه و نسقيه ندى أجسادنا

هنا نكون بإزاء ملمح عبقري للغاية وهو هذا التشبيه للجسد وما فيه من آلام ومن صورة
مؤلمة .. حينما يغدو ندىً هذا الندى( الجسد) ليسقي القمح وهو الأرض والمستقبل ، إن
الندى رقيق وهذه الأجسام كذلك تحدث في الأرض والمستقبل الحضور المنتظر بإذن الله .
أنا دون أن أكمل بشرحي المتواضع هذا نصًا لهذا العبقري لكن القصيدة تضطرني لتبيين بعض وجوه تألقها .
وفي غمرة هذا العنفوان الإبداعي تجد أنه لم يهمل القافية وما تحدثه من أثر نفسي لدى المستمع وهذا تمثل في :
تحف - خزف ، نعمل -مستقبل ، مقدس - مسدس .

وفي المقطع الثالث يفصح بشكل صريح عن دلالة عابرون في كلام عابر وهي الوهم بقوله :

كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة
ثم يأتي ليخبر العدو بأن الصورة ما زالت مقلقة مؤلمة في هذا الشكل شبه التناسلي :
وطن ينزف شعبا
والاتكاء على عنصر الصورة كان رائعًا لأنه أعطى صورة تشكيلية كأننا بإزاء صورة عين على شكل خريطة
وفي هذه الخريطة أشخاص كثيرون يعبرون عن هذا التحدي وكلمة شعب جاءت بدلالة أخرى مغايرة ،
فهي تحمل معنى ذهبًا -كرامة -انتصارًا .وكل ذلك ميز أعمال الراحل .
وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة
هنا يكرر مرة أخرى فكرة الحضور والغياب فالوطن الذي يمكن أن ينسى يمكن أن يذكر بمعنى أن
الأشياء تعرف بضدها ـ فالغياب يعرف بالحضور والحضور يعرف بالغياب . وهذا الوطن كما يخبرهم هم
وطن يصلح لهذين العنصرين أي أن وجوده وغيابه يتضحان بعكس العدو الذي لن يكون وضوحه ولا
غيابه شيئًا ملحوظًا .
وذكر كلمة بيننا بهذا التكرار كان بغرض إثبات الوجود الحقيقي للشعب والخطاب بهذا الشكل
كان معبرًا عن طهارة الأرض التي لا تقبل بهذا العدو .

وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا

ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا

وكان تكرار( نا ) ضمير الجماعة معبرًا عن الوحدة الذي يجمع الشعب الفلسطيني(وما أحوجنا إليه الآن!).
ثم تأتي النهاية الدائرية لتجعل العدو كما بدأ ينتهي مجرد مارين في كلمات عابرة .
للقصيدة إشكاليات فكرية وفلسفية أكثر من ذلك لكن للأسف الشديد لا تسعها مداركي ولا أتمكن
من الغوص إليها لذلك يظل حلمي الدائم هو دراسة هذا الفن بشكل أكثر منهجية آملاً أن تتاح لي الفرصة
لإيحاد ما يحقق لي ذلك .
شكرًا أخي العزيز على هذه القصيدة والتي حركت أشجاننا وأعادت إلينا صوت الحلم الجميل المنشود.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس