عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-04-2014, 12:18 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

شباب اليوم وشباب الأمس: اختلاف البيئة الذهنية


من المؤكد، أنه عندما نتحدث عن الشباب العربي اليوم، فإنه لا يمكن أن نتحدث عن كتلة متجانسة يقرب تعدادها من مائتي مليون شاب وشابة منتشرين في رقعة جغرافية واسعة، فوصفهم بصفة واحدة أو حتى صفات معينة، هو ضرب من الهرطقة التي لا تقدم ولا تؤخر، فاختلاف البلد والدخل والثقافة الخ له دور، فلذلك، سنُؤثِر الحديث عن البيئة الذهنية أو الفضاء الذهني الذي أحاط بشباب الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والفضاء الذهني الذي يحيط بشباب اليوم.

إن أيسر طريق الى الدخول لروح أي مجتمع هي ما يرفعه من شعارات*1، وفهم تلك الشعارات فهماً عميقاً مُحللاً بطريقة علمية تناقش الجوانب النفسية والسياسية والاجتماعية، عندها، نستطيع القول أننا وضعنا أقدامنا لوصف الفضاء الذهني الذي يوجه الفرد أو الجماعة على سلوك مُعين: لفظي، أو حركي، أو حتى صامت ولكن يمكن قراءته.

لفظة (الحرية) مثلاً، وجدناها ونجدها في كثير من الشعارات والعناوين لمنظمات سياسية وحتى برامج: حزب التحرير، حزب الحرية والعدالة، (وحدة، حرية، اشتراكية) (لا حرية من دون تحرر من القوى الأجنبية) الخ من مئات الألفاظ والعبارات والعناوين الدالة على هذا المطلب الكامن والمتحرك في النفس العربية منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا.. وحتى نجدها عند الأطفال والمراهقين والبالغين والمرأة، فالكل يصيح أنا حر، وهو بالحقيقة يصيح ويقول: أنا أتوق للحرية وأتمنى الحصول عليها.. لكن، هل وصلت الأحزاب لفهم الحرية فهماً موحداً، أو هل مارسته فيما بين صفوف تنظيماتها، حتى نعتب على الحكومات التي منعتها ومارست بدلا منها التجاهل والغطرسة والادعاء باحتكار القدرة على الفهم لمشاكل المجتمع؟

ماذا تغير على فضاءات الخمسينات والستينات من القرن الماضي حتى اليوم؟

يكاد نصف القرن الذي يفصلنا عن مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعادل عشرة قرون كاملة فيما حصل خلاله من تغيرات هائلة وواضحة جعلت جيل اليوم يقف مشدوهاً وكارهاً للأجيال التي سبقته.

فعلى صعيد الأسرة والجماعة المحلية: لم يعد الأب يشكل أحد المثل العليا التي كان الابن يقتدي بها ويحاول أن يصل الى نموذجها. فالأب الذي كان يدبر شؤون أسرته بما تيسر له من قدرات مادية تعتمد على الفلاحة أو العمل ويستند على ما لديه من موروث عقاري، انكشف اليوم أمام أبنائه بعد أن طحنته التغيرات التي امتصت أغلب الطبقة المتوسطة وجعلتهم أقرب الى الفقر. فنصائحه ووعظه ومقولاته لم تعد تؤثر في أبنائه الذين زادت متطلباتهم مع تبدل الأوضاع المعيشية الصعبة. وهذا بدوره سيؤثر على التهذيب واختيار الأصدقاء، بل وقد يصبح الأبناء هم الملاذ والرجاء لآبائهم لانتشالهم من العوز.

وعلى صعيد التربية والتعليم: فبعد أن كان المعلمون يشكلون المثل الأعلى للتلاميذ، من خلال الدور الذي كانوا يقومون به برفد التيار الوطني الذي يريد تحقيق ما يرفع من شعارات في التحرر والحرية والعدالة وما الى ذلك، انجرف أكثر المعلمين من كونهم أحد مكونات الطبقة الوسطى لينكفئوا في تدبير شؤون أسرهم وابتعدوا عن الخوض في المسائل الوطنية العامة، خوفا من توقيف ترقيتهم الوظيفية، أو نقلهم لأماكن بعيدة، ثم ذهبوا الى العمل بأعمال إضافية كالدروس الخصوصية وغيرها، فاهتزت بل سقطت هيبة المعلم كمثل أعلى. ويحضرنا هنا النموذج الياباني الذي فُسِر من خلاله صعود اليابان بالسرعة التي صعدت بها، بقول من سألهم عن سر الصعود، فقالوا: المعلم، إننا نمنحه هيبة القاضي وسلطة الضابط وراتب الوزير.

أما على الصعيد الإعلامي: فقد كان في الخمسينات والستينات صحف ومجلات يكتب بها عمالقة الفكر والأدب أمثال العقاد وطه حسين ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وغيرهم، ويتدارس موضوعاتها الشباب الوطني، وتنقسم الإذاعات كإذاعة صوت العرب وغيرها من الإذاعات المواقف الوطنية والمعاكسة لها. ولم تظهر التلفزيونات إلا في بداية الستينات وكانت ساعات بثها محدودة ومساحة تأثيرها محدودة، وموجهة حسب آراء حكومات بلدانها. وكانت المحاضرات الفكرية في الجامعات والقاعات تعج بالمستمعين والذين يسافرون للاستماع الى محاضر مرموق.

واليوم، يجادل الشباب عندما يُسألوا لماذا لا تحضرون المحاضرات؟ ولماذا لا تقرءون؟ فيجيبوا: كل شيء موجود في (النت) نستطيع تنزيل عشرات، بل مئات الكتب، ولماذا نحضر محاضرات، فالتلفزيون مليء بندوات النقاش التي لا تنتهي، وفي الحقيقة فإن غالبيتهم لا تستفيد من التلفزيون إلا في متابعة المباريات وبعض الأفلام والأعمال الكوميدية أو غيرها، ولا تستفيد من (النت) إلا في مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع (الفيسبوك: فلان دعاك للعب اللعبة الفلانية)، وإذا علق أحدهم على موضوع، اتضح النزق والضجر على تعليقاتهم.

لكن، مع ذلك هناك من الشباب من يختلف اختلافاً كبيراً عن تلك النماذج التي لا تليق بالأمة، وحتى أولئك الشباب الحائر الضجر اليائس لحيرته ولضجره ويأسه أسباب لو تعرفنا عليها، وتأملنا بطرق حلها بإحالتها الى الشباب أنفسهم لقام الشباب الجاد بمسك زمام دفة الأمة على أحسن وجه..


لقد تم خذلان الشباب في عدة مسائل:

المسألة الوطنية: دخل القرن العشرون بحزمة من المشاكل منها، زوال الخلافة الإسلامية ـ الدولة العثمانية ـ (مع ما تشكله من إشكالية سنعود إليها)؛ تقسيم الوطن العربي باتفاقية سايكس ـ بيكو ؛ وعد بلفور وضياع فلسطين على دفعتين، هشاشة فكرة التنمية؛ حروب عقيمة لم تحقق نصراً ناجزاً.

وعلى الصعيد العقائدي والفكري: تم تجربة معظم ما نودي به من أفكار، القومية، الماركسية، والليبرالية، وحتى تلك التي تتعلق بالرجوع للدين، والتي لم تصمد في الجزائر وغزة وأخيراً في مصر (ولنا عودة الى ذلك).

وعلى الصعيد الاقتصادي (والذي يرتبط بالتنموي): شاهد الشباب تجارب عالمية بدأت متأخرة عن تجاربنا العربية ولكنها تقدمت وتقدمت معها شعوبها في جنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية وحتى إفريقيا..

كل ذلك جعل من الشباب قوة مشتتة تقوم بتحميل الأجيال التي سبقتها كامل المسئولية التاريخية، وإن بدا على الشباب أنهم غير منظمين ونزقين ومستعجلين ولم يعدوا العدة الكاملة لخوض معركة الحرية مرافقة لمعركة التحرر، فإنه من الممكن جداً أن يحققوا ذلك في القريب المنظور..


وهذا ما سنتابعه



هوامش
*1ـ عبد الله العروي/ مفهوم الحرية ط5/ الدار البيضاء 1993، صفحة5.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس