عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-11-2005, 04:03 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

كلام في موضوع العقل العربي

(2)

لم نقدم التقديم الأول من باب البطر الثقافي أو حشو الكلام ، لكن قدمناه كمحاولة للتمهيد لموضوع العقل العربي ، لتقديم ما يمكن من إسهام في منع الإحساس بالشعور بعبثية أداء المثقفين العرب ، و خيبة أملهم في اعتبار أن ما يقومون به هو عبارة عن نشاط لأناس عديمي الوزن ..


فان كان هذا الإحساس قد استفحل عند القارئ العربي .. فعزف عن قراءة ما يكتب ، حتى لو كان جادا .. فاذا شعر الكاتب أو المثقف الذي يحاول تقديم جزءا من رسالة الأمة في تصويب وضعها .. فان ينابيع هذا الجهد ستنضب شيئا فشيئا ، بحجة أنه لا يوجد من يقرأ ولا يوجد من ينتقد . وعندها ستملأ هذا الفراغ أقلام تم بريها أو تحضير مدادها في أمكنة مشبوهة ، همها الأول هو الإجهاز على ما تبقى من قلاع للدفاع عن موروثنا الحضاري ..


لكن لماذا ربطنا العنوان بمصطلح العقل ؟ فهل هناك عقلا عربيا و عقلا روسيا وعقلا أمريكيا الخ .. أليس العقل مصطلحا يقترن بالإنسان دون تخصيص جنسيته ، بل فقط لنميزه عن الحيوان و الكائنات الحية الأخرى ؟ ألم يكن من الأفضل استخدام كلمة فكر بدل عقل ، كي نخلص من تلك التساؤلات ؟ ..


بيد أنه لو استخدمنا كلمة فكر ، لتراءى لنا حصيلة النتاج الفكري لأمة من علوم مختلفة من فلك ورياضيات و طب و هندسة وفلسفة .. وهنا سيكون التمييز أكثر وضوحا عند أمة عن غيرها من الأمم . لكننا لا نناقش الفكر هنا كنتاج بل نناقشه كأداة منتجة لهذا النتاج .

ان الفكر ونتاج الفكر رغم ترابطهما العضوي و الصميمي ، لا يدلان في حالتنا العربية على الدلالة التي يرمز لها العقل ، فمصطلح العقل والذي ورد بالقرآن الكريم هو أو مشتقاته ( أفلا يعقلون ) ، له دلالة أكثر قدرة على التعبير عن العملية التي تتصل به في وقائع حدوثها أو استعمالها ..


عندما يكتب أحد المستشرقين عن واقع الأمة العربية ، أو يتناول أحد مناحيها فانه مهما اجتهد ، لن يكون ما يكتبه مطابقا لما هو فيها سواء كحالة عامة ، أو حتى المنحى الذي اختار الحديث عنه . كذلك الأمر عندما يؤلف أحد أبناء العرب عن أرسطو أو إفلاطون أو شكسبير .. وان نال فيما يكتب شهادة عليا ، فان كتابته ستكون ناقصة . ونقصان قيمة الكتابة آت من أن الكاتب في كل الحالات السابقة ، يكتب من خارج الحالة التي يكتب عنها ، أي أنه سيستخدم أداة ( العقل) التي لا تمت بصلة عن الحالة التي يكتب عنها .


اذ أن التفكير بواسطة ثقافة ما ، معناه التفكير من خلال منظومة مرجعية تتشكل إحداثياتها الأساسية من محددات هذه الثقافة ومكوناتها ، وفي مقدمتها الموروث الثقافي والمحيط الاجتماعي والنظرة الى المستقبل ، بل والنظرة الى العالم والى الكون والانسان ، كما تحددها مكونات تلك الثقافة . فاذا كان الإنسان يحمل معه تاريخه شاء أم كره ، كما يقال ، فكذلك انه يحمل الفكر معه ، شاء أم كره ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس