عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 12:39 PM   #57
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

البئر *


أختارُ يوماً غائماً لأَمُرَّ بالبئر القديمة .

رُبما امتلأتْ سماءً , رُبَّما فاضَتْ عن المعنى وَعَنْ أُمْثُولة الراعي .

سأشربُ حفنةً من مائها

وأقولُ للموتى حوالَيْها : سلاماً , أيُّها البَاقونَ

حول البئر في ماء الفراشةِ ! أَرفَعُ الطَّيُّونَ

عن حَجَرٍ : سلاماً أَيها الحَجَرُ الصغير !

لعَّلنا كُنَّا جناحَيْ طائرٍ ما زال يوجِعُنا

سلاماً أَيها القَمَرُ المُحَلِّقُ حَوْلَ صُورتَه التي لن يلتقي أَبَداً بها !

وأقول للسَّرْوِ : انتبْه ممَّا يقولُ لَكَ الغبارُ

لعَّلنا كنا هنا وَتَريْ كمان في وليمة حارسات اللازَوَرْدِ , لعلَّنا كُنَّا ذراعَيْ عاشِقٍ ...

قد كنتُ أَمشي حَذْوَ نفسي : كُنْ قوياً

يا قريني , وارفعِ الماضي كقرِنَيْ ماعزٍ

بيديكَ , واجلسْ قرب بئرك .

رُبَّما التفتتْ إليكَ أَيائلُ الوادي ..

ولاح الصوتُ – صوتُك – صورةُ حجريَّةً للحاضر المكسورِ ...

لم أُكْملْ زيارتي القصيرةَ بَعْدَ للنسيانِ ...

لم آخُذْ مَعي أَدواتِ قلبي كُلَّها :

جَرَسي على ريح الصَنوبرِ

سُلَّمي قرب السماءِ

كواكبي حول السطوحِ

وبُحَّتي من لسْعة الملح القديم ...











وَقُلْتُ للذكرى : سَلاماً يا كلام الجَدة العَفَوِيَّ

يأخُذُنا إلى أَيَّامنا البيضاءِ تحت نُعَاسها ...

واسمْي يرنُّ كليرة الذَّهَبِ القديمة عِنْدَ باب البئرِ .

أسْمَعُ وَحْشَةَ الأَسلاف بين الميم والواو السحيقة مثل وادٍ غيرِ ذي زرعٍ .

وأُخفي ثعلبي الوديّ .

أَعرفُ أَنني سأعود حيَّا , بعد ساعات , من البئر التي لم أَلْقَ فيها يوسفاً أَو خَوْفَ إخوتِهِ مِنَ الأصداء .

كُنْ حَذِراً ! هنا وضعَتْكَ أُمَّكَ قرب باب البئر, وانصرَفَتْ إلى تَعْويذةٍ ...

فاصنعْ بنفسكَ ما تشاءُ .

صَنَعْتُ وحدي ما أَشاءُ : كَبرتُ ليلاً في الحكاية بين أَضلاعِ المُثَلَّثِ مصرَ , سوريّا , وبابل .

ههنا وحدي كَبرتُ بلا إِلَهاتٍ الزراعة .

[ كُنّ يَغْسِلْنَ الحصى في غابة الزيتون .

كُنّ مُبلَّلاتٍ بالندى ] ... ورأيتُ أَنِّي قد سقطتُ عليَّ من سَفَرِ القوافِل , قُرب أَفعى .

لم أَجِدْ أَحداً لأُكْمَلَهُ سوى شَبَحي . رَمتْني الأَرضُ خارجَ أَرضها , واسمي يَرِنُّ على خُطَايَ

كَحذْوةِ الفَرسِ : اقتربْ ... أَعود من هذا

الفراغَ إِليكَ يا جلجامشُ الأبديُّ في اسْمِكَ !

كُنْ أَخي ! واذْهَبْ معي لنصيحَ بالبئر

القديمة ... ربما امتلأتْ كأنثي بالسماء ,

ورُبَّما فاضت عن المعنى وعمَّا سوف يحدُثُ في انتظارِ ولادتي من بئري الأُولى !

سنشرب حفنةً من مائها ,

سنقول للموتى حواليها : سلاماً

أيها الأحياءُ في ماء الفَرَاشِ ,

وأَيُّها الموتى , سلاماً !



(من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا" 1995)

السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس