عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-07-2019, 07:39 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,909
إفتراضي نقد كتاب البَداء

نقد كتاب البَداء
الكتاب تأليف مرتضى العسكري وهو من إصدار مركز الأبحاث العقائدية برعاية السيستانى والغرض من تلك الكتب هو التقريب بين السنة والشيعة كما تقول مقدمات تلك الكتب
البداء أحد العقائد الموجودة فى كتب علم الكلام المختصة بذكر أقوال الفرق المختلفة فى المسائل الكلامية وعقيدة البداء فى كتب الفرق السنية تنسب فى الغالب لفرق الشيعة ومن ثم فالكتاب هو إظهار وتفنيد لذلك الاعتقاد الموجود فى تلك الكتب والذى ما زال أهل السنة يتهمون به الشيعة مع أن كتب الفريقين الحديثية تثبته
بدأ العسكرى الكتاب بتعريف البداء لغويا واصطلاحيا فقال :
"البَداء في اللّغة والإصطلاح:
البَداء في اللغة:
للبَداء في اللّغة معنيان:
أ ـ بدا الأمر بُدُوّاً وبَداءً ظهر ظهوراً بيّناً
ب ـ بدا له في الأمر كذا جدّ له فيه رأي، نشأ له فيه رأي
البداء في مصطلح علماء العقائد الإسلامية:
بدا لله في أمر بَداءً، أي ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافياً على العباد
وأخطأ من ظنّ أنّ المقصود من بَدا لله في أمر بداءً جَدَّ له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البداء، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً "

عرف الرجل تلك العقيدة المشهورة بكون الله تبدو له البداوات أى يغير القضاء بعد أن كتبه لظهور ما لم يكن يعلمه وقد نفاها الرجل نفيا قاطعا لأنها تنسب الجهل لله
بعد هذا ذكر الرجل ما ظن هو وغيره أنه أصل البداء فى القرآن فقال :
"البَداء في القرآن الكريم
أ ـ قال الله تعالى في سورة الرعد(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )(الآيتان 7و27)ثمّ قال تعالى(وَمَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة اِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجْل كِتَاب * يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمَّ الْكِتَابِ * وَإِنْ مَا نُرِينَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الآيات 38-40)....
تفسير الآيات:
أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أنّ كفار قريش طلبوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأتيهم بآيات، كما بيّن طلبهم ذلك في قوله تعالى في سورة الإسراء (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تفْجرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلا) (الآيتان/90و92) وقال في الآية (38) من سورة الرعد (وَمَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة) مقترحة عليه (إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) وأنّ لكلّ أمر وقتاً مُحدّداً سجّل في كتاب واستثنى منه في الآية بعدها وقال (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ )من ذلك الكتاب ما كان مكتوباً فيه من رزق وأجل وسعادة وشقاء وغيرها (وَيُثْبِتُ) ما يشاء ممّا لم يكن مكتوباً في ذلك الكتاب (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، أي أصل الكتاب وهو اللّوح المحفوظ، الذي لا يتغيّر ما فيه ولا يبدل
وبناءً على ذلك قال بعدها (وَإِنْ مَا نُريَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب في حياتك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغ) فحسب "

وما ذكره العسكرى هو تفسير خاطىء منه وممن فسر الآيات وتفسيرها عندى هو :
"ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "وضح الله لنبيه(ص)أنه قد أرسل رسلا من قبله والمراد قد بعث أنبياء من قبل وجوده مصداق لقوله بسورة النحل"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا "وجعلنا لهم أزواجا وذرية والمراد وخلقنا لهم نساء وأولاد وهذا يعنى أن كل الرسل تزوجوا وأنجبوا بلا استثناء ،ويبين له أنه ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله والمراد ما كان لنبى (ص)أن يحضر معجزة إلا بأمر الله وهذا يعنى أن المعجزات لا تأتى إلا بأمر الله ويبين له أن لكل أجل كتاب والمراد لكل مخلوق سجل مكتوب فيه أعماله والله يمحو ما يشاء ويثبت والمراد والله يزيل ما يريد أى يعفو عما يريد من الذنوب كما قال تعالى "ويعفو عن السيئات" ويبقى ما يريد ويبين له أن عنده أم الكتاب والمراد لديه أصل السجلات كلها وهذا يعنى أنه يعلم كل شىء فى الكون "
فالمحو هو العفو عن عقاب الذنوب التى استغفر صاحبها الله لها بإخلاص كما قال تعالى "ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" فالله يمحو الذنوب بمعنى يعفو عن عقاب الذنوب كما قال تعالى "ويعفو عن السيئات" أى يكفر السيئات
فهذا هو المحو الذى قضاه على نفسه ومن ثم فهو لا يغير أى شىء مما قضاه من آجال وأرزاق وغير ذلك ولذا وصف الله القضاء بأنه مستقر أى ثابت كما قال تعالى "لكل نبأ مستقر " وقال "وكل أمر مستقر"
بعد هذا ذكر الرجل بعض الروايات فى كتب التفاسير الدالة على البداء فقال :
"ويدلّ على ما ذكرناه ما رواه الطبري والقرطبي وابن كثير في تفسير الآية وقالوا ما موجزه:
إنّ عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويقول اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب
وروي عن ابن مسعود أنّه كان يقول
اللّهمّ إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُمّ الكتاب
وروي عن أبي وائل أنّه كان يكثر أن يدعو اللّهمّ إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب
وفي البحار وإن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني من السّعداء، فإنّك قلت في كتابك المنزّل على نبيّك
1-أخرج الأحاديث الثلاثة الطبري بتفسير الآية وأبو وائل شفيق بن سلمة الأسدي الكوفي قال في ترجمته بتهذيب التهذيب ثقة مخضرم، أدرك عهد الصحابة والتابعين، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة، أخرج له جميع أصحاب الصِّحاح والسنن (10 354)
صلواتك عليه وآله (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)
واستدلّ القرطبي ـ أيضاً ـ على هذا التأويل بما روى عن صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله (ص) قال"من سرَّهُ أن يُبسطَ له في رزقهِ ويُنسأَ لهُ في أثرهِ ـ أجلهِ ـ فلْيصلْ رَحِمَه"وفي رواية "مَن أحبّ أن يَمُدَّ الله في عمره ويبسطَ له رزقهُ فليتَّق الله وليصلْ رحمه"
ونقل عن ابن عباس أنّه قال في جواب من سأله وقال كيف يزاد في العمر والأجل؟"

هذه الروايات كلها خاطئة فالقضاء وهو المكتوب لا يتغير لأن لا أحد يعلمه
وأما الدليل الثانى الذى قاله العسكرى فقال :
2-قال الله عزّ وجلّ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ)، فالأجل الأوّل أجل العبد من حين ولادته الى حين موته، والأجل الثاني ـ يعني المسمّى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلاّ الله، فإذا اتّقى العبد ربّه ووصل رَحِمَه، زاده الله في أجل عمره الأوّل من أجل البرزخ ما شاء، وإذا عصى وقطع رحمه، نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء، فيزيده من أجل البرزخ الحديث وأضاف ابن كثير على هذا الإستدلال وقال ما موجزه وقد يستأنس لهذا القول ما رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن النبي (ص) أنّه قال
"إنّ الرجل ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه ولا يردُّ القدر إلاّ الدّعاءُ ولا يزيدُ في العمر إلاّ البرّ"
وقال وفي حديث آخر
"إنّ الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السّماء والأرض"
نلاحظ هنا تفسيرا جنونيا وهو وجود أجلين اجل وأجل مسمى بينما هو أجل واحد لا ثانى له وقوله"والأجل الثاني ـ يعني المسمّى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلاّ الله" يكذبه قوله تعالى:
"هو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى"
فالله يبعث الإنسان فى النهار حتى يقضى الأجل المسمى حتى نومه التالى وهكذا يتكرر الأجل المسمى حتى ينتهى العمر
كما يكذب حكاية زيادة العمر قوله تعالى :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
ثم ذكر العسكرى الوجوه الأخرى التى ذكرها المفسرون فقال :
"كان ما ذكرناه وجهاً واحداً ممّا ذكروه في تأويل هذه الآية، وذكروا معها وجوهاً أُخر في تأويل الآية مثل قولهم
إنّ المراد محو حكم وإثبات آخر، أي نسخ الأحكام،والصواب في القول إنّه يعمّ الجميع، وهذا ما اختاره القرطبي ـ أيضاً ـ وقال الآية عامّة في جميع الأشياء وهو الأظهر والله أعلم وروى الطبري والسيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، قال يُقَدِّرُ الله أمر السّنة في ليلة القدر إلاّ السعادة والشقاء


رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس