عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-06-2008, 02:06 AM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي الغزل الاموي (الاباحي والعذري) . موضوع بحثي &#

الغزل الاموي (الاباحي والعذري)

٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨ ، بقلم نعیمة پراندوجی


ألغزل ومعانيه المختلفة:
تجمع مجمعات اللغة علي أن أصل مصطلح ألغزل من «ألغزل» الذى هو مصدر غزل. فقد جاء فى لسان ألعرب، والقاموس المحيط، غزلتِ المرأة- ألقطن اوألصوف. ادارتهما بالمغزل. فالغزل استعمال مجازى مأخوذ من هذه المادة اللغويـة- أى ألغزل- فكلما تدير الغازلة مغزلها لتغزل به القطن ونحو، كذلك يدير الشاعر مغزل فنه لاستماله المرأة واستهوائها. _ غزل بالمرأة- يغزل من باب فرح- حادثها وأفاض بذكرها. وأغزلت الظبية- صار لها غزال. فالغزل ولد الظبية.

هذه ثلاثة معان لكلمة غزل ويوجد ارتباط وثيق بين «غزل الصوف» و«مغازلة المرأه» و«غزل الظبية».

قال الزجاجى- اصل المغازلة: الادارة والفتل. لادارته عن امر. ومنه سمى الغزل لاستدارته وسرعة دورانه. وبه سمي الغزل لسرعة عدوه، وسميت الشمس الغزالة لاستدارتها وسرعتها.

«الغزل هو اللهو مع النساء ومحادثهن ومراودتهن» وفالمغازلة اذاً ضرب من الغزل كما اثبت ابن منظور في «اللسان» أو كما قال ابن دريد في التغازل بأنه محادثة الفتيان فى الهوي.

فالغزل لايعدو ان يكون حديثاً فى الهوي، وليس مقصوراً علي ما يقوله الرجل فى حديث هواه الي المرأة، فهو ايضا وسيلة المرأة الشاعر والنساء الشواعر، اذا اردن التودد الي الرجل والترجمة عن مشاعرهن في مثل هذا الضرب من الاحاديث.

وقد غني ألغزل بألفاظ كثيرة توافق هذه المعاني الجمة التي عرض لها الشعراء وتوافق هذه العاطفة الثائرة، وما يتصل بها من لوعة وحرقة وأنين.

ومن هذه ألألفاظ:
النسيب، التشبيب، العشق، الحب، الهوي، الصبابة، الهيام، الشغف، العلاقة، اللوعة، الوجد، التيم، التبل، التدليه.
واذا شئناً أن نكشف معانى هذه الألفاظ، ونعرف مدلولاتها، فأنها لاتخرج هي وسائر ألفاظ الغزل عن معان ثلاثة:

ألتحدث إلي المرأة، والتودد اليها.
العلاقة التى يتركها هذا الحديث، ومدي هذه العلاقة من قوة او ضعف.
آثار العلاقة، وتعدد نواحي هذه الآثار.
واذا كان علماء اللغة يقولون ان هناك مناسبة بين أللفظ وألمعني ,فإنا نري المناسبة بين ألفاظ الغزل ومعانيه أثر وضوحاً وبياناً.
ويحسن بي فى هذا المقام ان اوجه النظر الي الملاحظات الآتية:
لاصعوبة ولاتنافر فى هذه الألفاظ، ولا فى الحروف التى تتألف منها.
ليس فى ألفاظ الغزل حرف ثقيل بالتضعيف، أى التشديد، واذا وجدته فى مثل متيم، مدلّه، فإن الياء حرف لين، تضعيفها لايزيدها ثقلاً بل ليناً. وفإن تضعيف اللام لاثقل فيه ولاشدة.
حروف اللين ثلاثة: ألألف، والواو الياء، وتسمية هذه الحروف باللين صادقة ولعلك تري أن هذه الحروف تكثر فى ألفاظ الغزل.
فى بعض الفاظ الغزل او كثير منها مد قصيرأو طويل. ومن ذلك مثلاً: الهوي، الغرام، ولعله بأن لك من هذه الملاحظة أن الفاظ الغزل سهلة لينة تناسب معانى الغزل من رقة وعذوبة.
فالمحبوب حين يتحدث الي حبيبته نفسه لا تراه الا عذب الحديث، وحين يودعها لاتراه الا هزيلاً يرسل نفثات حبه وهو معذب معني، بل حين تهجره وتجفوه لاتراه الا ضارعاً متوسلاً خاضعاً متذللاً. لعلها ترضى بعد امتناع، وتبسم بعد عبوس. ان سهولة ألفاظ ألغزل وسهولة حروف هذه ألالفاظ لاتناسب معانى الغزل من حيث الرقه والعذوبة فحسب، ولكنها توافق طبيعة العربى وحبه للغزل.

قال ابن دريد: واعلم إن اكثر الحروف استعمالاً عند العرب، الواو، الياء، الهمزة. واقل ما يستعملونه علي ألسنتهم لثقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الحاء ثم العين ثم النون ثم اللام ثم الراء، ثم الباء، ثم الميم.
ولعلك تري ان حروف ألفاظ الغزل التي ذكرتها هي من هذه الحروف كثيرة الاستعمال علي رأي ابن دريد.
ويظهر ان هذه السهولة تخطت الفاظ الغزل الي اسماء نساء الغزل، فتري امثال دعد، هند، ليلي، لبني، سلمي، عزة وبثينة. وهي اسماء سهلة عذبة فى النطق حلوة فى اللسان.
الغزل والتغزل النسيب والتشبيب والفروق بينهما:
اذا رجعنا الى امهات كتب اللغة وجدنا ان الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات:فان سيدة يقول:ان الغزل تحديث الفتيات الجواري،و التغزل:تكلف ذلك.و النسيب:التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.

وابن منظور يقول: ان الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف ذلك. ونسب بالنساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذالك.

ألغزل والنسيب، ليست هاتان الكلمتان مترادفتين بالمعني الأخص كما جري فى عرف الناس، ولكن بينهما فرقاً نبه عليه قدامة فقاله: إن النسيب ذكر خلق النساء واخلاقهن وتصرف أحوال الهوي به معهن، وقد يذهب[عن] قوم موضع الفرق بين النسيب والغزل، والفرق بينهما ان الغزل هو المعني الذى اعتقده الانسان.

والتشبيب عبارة عن وصف حال المعشوق وحال الشاعر فى عشقه ويسمونه ايضاً بالنسيب أو الغزل، ولكن المشهور بين الناس ان كل صفة او حال يشرحونها فى بداية القصائد باستثناء مدح الممدوح تعتبر تشبيباً.

لانكاد نجد- فرقاً فى الاستعمال اللغوى بين كلمات الغزل، والتشبيب، والنسيب، فاللغويون يعرفون إحدي هذه الكلمات بالاخري، ففى لسان العرب: تشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب، ونسب بالنساء: شبب بهن فى الشعر، وتغزل، والغزل: حديث الفتيان والفتيات، وفى القاموس الميحط، التشبيب: النسيب بالنساء، ونسب بالمرأة: شبب بها فى الشعر، ومغازله النساء: محادثتهن، والاسم الغزل، وفى المخصص لإبن سيده التشبيب: التغزل بالنساء فى الشعر، والتشبيب مثله، والغزل تحديث الفتيان الجوارى.
ووردت هذه الكلمات علي ألسنة الشعراء بمعني واحد ايضاً:

قال اياس بن سهم الهندلى.
نسبناً بليلي، فانبعثت تعيبها
أضل من الحجام او ساق مغزل…

وقال عمر بن ابي ربيعه:
فبتلك أهذي ما حييت صبابة
وبهـا الحيـاة أشبب الأشعـار…

وهذا ابن سلام يستعمل(التشبيب) مكان(الغزل)؛ اذ يقول فى معرض حديثه عن عبدالله ابن قيس الرقيات: «و كان غزلاً، واغزل من شعره شعر عمر بن ابي ربيعه، وكان عمر يصرح بالغزل، ولا يهجو، ولايمدح، وكان عبيدالله يشبب ولايصرح». كما يستخدم (النسيب) مكان(التشبيت) اذ يقول: كان لكثيّر في التشبيب؛ نصيب وافر، وجميل مقدم عليه وعلي اصحاب النسيب جميعاً في النسيب.
الصبوة الي النساء والنسيب بهن من اجله، فكان النسيب ذكر الغزل، والغزل المعني نفسه.
ويرى ابن رشيق ان الغزل والنسيب والتشبيب كلها بمعنى واحد وان الغزل الف النساءو التخلق بما يوافقهن،و قد اقتفى اثر قدامة في ان الغزل غير التغزل.الا ان الدكتور الحوفي لا يميل الى التفرقة بين الغزل والتغزل،لان التغزل ليس تكلف الغزل كما يتبادر،ذالك ان التاء هنا كالتاء في مصادر اخرى مثل التقدم والترقي والتعلم.و قد حاول بعض القدماء ان يفرقوا بين هذه الكلمات.و من هؤلاء التبريزي الذي يرى"ان النسيب ذكر الشاعر المرأة بالحسن والاخبار عن تصرف هواها به،و ليس هو الغزل.و انما الغزل الاشتهار بالمودات النساء والصبوة اليهن والنسيب ذكر ذالك".

اما في العصر الحاضر فقد حاول المرحوم محمد هاشم عطية ان يصنع شيئا يشبه ان يكون تحديدا لهذه الكلمات فقال:"و يترجح عندنا ان الغزل هو الاشتهار بمودات النساء وتتبعهن والحديث اليهن والبعث بذلك في الكلام وان لم يتعلق القائل منهن يهوى او صبابة واما التشبيب فهو ما يقصد اله الشاعر من ذكر المرأة في مطالع الكلام وما يضاف الى ذلك من ذكر الرسوم ومساءلة الاطلال،توخياََ لتعليق القلوب وتعقيد الاسماع قبل لمفاجأة" ويتفق معه الاستاذ السباعب بيومي في ان التشبيب هو الغزل التمهيدي. ويختلف معه في غير ذلك.فوصف جمال المرأة ومحاسنها وجاذبيتها نسيب عند الاستاض هاشم وغزل عند الاستاذ السباعي

قول طه حسين: برأيى إن إختلاف التشبيب والغزل يرجع الي هذا الامر: كان الشعراء فى العصر الجاهلي يعنون بالغزل كما يعنون بغيره من الفنون، وربما اتخذوه وسيلة فى اكثر الأحيان لاغاية. اما اصحابنا [الغزليون] هؤلاء فقد اتخذوا الغزل غاية لاوسيلة. ولم نعرف انهم مدحوا او عنوا بفن آخر من فنون الشعر الا ما كان يضطرهم اليه الغزل.
اما مقطعات الشعر الجاهلى المختصة بالنسيب المنقولة الينا من كتب الأدب واللغة فقليلة جداً وهي كما قلته, امن باب التشبيب لا من باب التغزل، فلهذا الامر علي رأئي سببان:
الاول: إن التعبير عما في القلب من الهوي والعشق والشوق يستدعى كلاماً ليناً سهل المأخذ بعيداً عن الألفاظ الغريبة وقريب المعانى.
والسبب الثانى: وهو الاخطر إن الشعر فى النسيب المحض كان علي ظني عند العرب الجاهلية نوعاً عامياً تعاطاه ايضاً رعاع الناس فأهانه نوابغ الشعراء وأهملوه وامتنعوا عن قوله قانعين بوضع ابيات النسيب فى اول قصائدهم.
ولعل سبباً ثالثاً ايضاً عمل في كراهة الشعراء المجيدين المفلقين للغزل وهو علو منزلة النظم فى حياة العرب الإجتماعية لأن غاية الشعر الجاهلي انما كان عندهم تعظيم الأ كابرو تخليد ذكر مآثر القبائل والإفتخار بالحماسة أو المكرمات وهجاء الأعداء فلذلك لم يكن التشبيب المحض مماعد من مقاصد الشعرالسامية.
اما فى خلافة على بن ابى طالب وما يتبعهما من الزمان فنجد بمكة والمدينة نوعاً جديداً من الشعر أخذ يزهو بهما بغتة بل يغلب علي سائر الأنواع, فكادت أجيد الشعراء فى مدن الحجاز لايتعاطون غيره خلافاً لعرفهم فيما قلل, وهذا النوع الجديد هو الغزل ولعل اول من اشتهر به ابودهبل الجمحى من أشراف الناس بمكة: وقال الشعر فى آخر خلافة على ومدح معاويه وعبدالله بن الزبير وغيرهما من الأكابر. وما صاغه ابودهبل من الشعر فيها رقيق ظريف بعيد عن اسلوب نسيب اهل البادية المعروف.

التعريف بجنس الغزل:
وإنطلاقاً من الإصطلاح اللغوي المتقدم، تعبير الغزل من الناحية الادبية: فناً من فنون القصيدة الغنائية للتعبير عن الحب واحاسيس المحبين وانفعالاتهم وما تعكسه تلك الإنفعالات فى النفس من ألوان الشعور.
وهكذا يكون الغزل، اذا نبغ من تجربة الشاعر الصادقة احد الوان الشعر الغنائى عند العرب وأقربها الي النزعة الوجدانية فيه، يستمد الشاعر معانيه بما فيها من عطاء الشعور واثر الحس والخيال من علاقته بالمرأة ونظرته اليها، ومنزلتها في واقعه ووجوده، ما يترتب عن ذلك من ميل او حب، علي تباين فى صوره تبعاً للعوامل المؤثرة في امزجة الشعراء وعوامل البئية والعصر.

لماذا ازدهر هذا الجنس في الحجاز؟

1- وإن سألتموني عن سبب هذا التقلب الشديد فى أساليب الشعر فى المدن الحجازية قلت: لايخفى علي احد ان اكثر رجال السياسة والحرب قد تركوا جزيرة العرب فى اواخر خلافة على إبن ابيطالب فبقيت بالمدينة اهل التقي والعبادة والنسك من الأنصار والمهاجرين, كان فى الشام والدين بمدنية النبى وقد كثرت فى ذلك العصر ثروة الحرمين ولاسيما مكة لاتساع العلائق والمعارف التجارية ولزيادة الوافدين عليهما تأدية لفريضة الحج. فبزيادة الثروة والنعمة واتساع العيش زاد ايضا ما تنزع النفوس اليه من الشهوات والملاذ والتنعم بانواع الترف.و فسدت اخلاق الشبان من البيوتات الكبيرة الذين لم يكن لهم بالحجاز مجال واسع بامور السياسة والحرب ولابالعلوم العقلية التي لم تزل مجهولة عندالعرب فى ذلك الزمان فاشتد ميلهم الى التظرف والتغزل وسماع الغناء وحضور الملاهى. وجلبت الي مكة والمدينة القينات والمغنيات بالرومى او بالفارسى. ثم اخذت الموالى يغنون بالعربى. وربما كان فتيان مكة من الأغنياء والظرفاء يرتحلون الي المدينة لالتقاء ظرفائها وظرائفها. فان كان الامر كذلك لاعجب فى ابتداء نوع جديد من الشعر لم يسبق اليه فحول الجاهلية ولا اهل البادية ثم لاعجب ان اكثر شعراء المدن الحجازية لم يتجاوزوا الغزل الي المديح ولا الهجاء وتركوا اسلوب القصيدة القديمة. ثم شاع حب التشبيب فى البلاد البعيدة عن الحجاز وغلب فى شعر بعض من اراد حفظ الاساليب القديمة والتكسب بالمديح.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس