عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-01-2022, 08:31 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,958
إفتراضي

كل ما قاله المؤلف ضرب من الوهم فالإسلام جاء للفصل فى كل قضايا الحياة الإنسانية سواء سموها أدبية أو شرعية أو عقلية أو طبيعية لقوله تعالى :
" وكل شىء فصلناه تفصيلا "
وقوله :
"ما كان حديث يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء"
ومن ثم فالله أنزل العلوم كلها فى كتابه حتى يفصل فى كل ما يشغل الإنسان
وعاود الرجل الحديث عن تأثير الفلسفات العقلية على بعض أفراد مجتمعنا فقال :
"أما المسلمون فإنهم أيضا لم يتأثروا بالثقافة لا من حيث طريقة تفكيرهم ولا من حيث فهمهم للإسلام، وظلت عقلية المسلمين عقلية إسلامية بحتة إلا أن هنالك أفرادا تأثروا هم بالمعارف العقلية الأجنبية، فنشأت عندهم أفكار جديدة فهناك أفراد قد أوجدت دراسة الفلسفات الأجنبية غشاوة على أذهانهم أدت إلى وقوعهم في الخطأ في فهم بعض أفكار الإسلام، أو أدت إلى وقوعهم في الضلال حين البحث العقلي، وفهموا بعض الأفكار دون التقيد بالعقيدة الإسلامية، وبأفكار الإسلام وهؤلاء فريقان:
أحدهما كان الخطأ في الفهم هو الذي أوقعهم فيما وقعوا فيه ولكنهم ظلوا يحملون عقلية إسلامية، ونفسية إسلامية ولذلك يعتبر إنتاجهم العقلي من الثقافة الإسلامية ولو كان يحوي أفكارا خاطئة، ولكنه خطأ في الفهم
والفريق الثاني كان الضلال في الإدراك هو الذي أوقعهم فيما وقعوا فيه، وقد انحرفوا عن العقيدة الإسلامية كل الانحراف وصاروا يحملون عقلية غير إسلامية، ولذلك لا يعتبر إنتاجهم العقلي من الثقافة الإسلامية
أما الفريق الأول فقد كان تأثره بالفلسفة الهندية سبب خطأه في الفهم ذلك أن الفلسفة الهندية تقول بالتقشف وبالإعراض عن الدنيا فالتبس ذلك على بعض المسلمين وظنوا هذا التقشف هو الزهد الذي ورد في بعض الأحاديث، فنشأ عن هذا الفهم فئة الصوفية، وأثر ذلك على فهم معنى الأخذ من الدنيا أو الإعراض عنها مع أن الزهد في الدنيا يعني عدم اتخاذها غاية ومثلا أعلى يكسب المال من أجلها، ولا يعني عدم التمتع بالطيبات بخلاف التقشف والإعراض عن الدنيا فإنه يعني ترك ملذات الحياة وطيباتها مع المقدرة عليها، وهذا يتناقض مع الإسلام فنشأ هذا الفهم الخاطئ من جراء الغشاوة التي غشت على أذهان بعض المسلمين من جراء دراسة الفلسفة الهندية
أما الفريق الثاني فقد كان تأثره بالفلسفة اليونانية سبب ضلاله في الفهم ذلك أن الفلسفة اليونانية جاءت بأفكار وأبحاث فيما وراء الطبيعة، وتعرضت لبحث وجود الإله وصفاته وقد هاجم المثقفون بها من غير المسلمين في البلاد المفتوحة، الإسلام، مما حمل بعض المسلمين على ترجمتها وعلى دراستها للرد على المهاجمين للإسلام وقد حاولوا التوفيق بين ما جاء في الفلسفة وبين الإسلام، فأدى ذلك إلى وجود أبحاث تأثر أصحابها بالفلسفة اليونانية مثل بحث خلق القرآن، ومثل بحث هل الصفة عين الموصوف، أو غير الموصوف، وغير ذلك من الأبحاث إلا أن هذه الأبحاث وقفت عند حدود العقيدة الإسلامية، والتزم أصحابها بها وتقيدوا بأفكارها وكانت العقيدة الإسلامية سبب أبحاثهم، فلم يحيدوا عنها، ولم يندفعوا في الفلسفة أكثر مما تنطبق عليه هذه العقيدة فكانت أفكارهم أفكارا إسلامية، وتعتبر أبحاثهم ثقافة إسلامية ولذلك لم ينحرفوا ولم يضلوا، وكان تقيدهم بالعقيدة الإسلامية حاميا لهم من الضلال وهؤلاء أمثال المعتزلة من علماء التوحيد
ولكن وجد هنالك أشخاص قلائل اندفعوا في الفلسفة اليونانية دون أن يتقيدوا بالعقيدة الإسلامية، وبحثوا في الفلسفة اليونانية بحثا على أساس عقلي محض دون أي تقيد بالإسلام وقد توغلوا في بحث الفلسفة اليونانية وأخذوا يحاولون تقليدها والإقتداء بها، كما أخذوا يحاولون إيجاد فلسفة لهم على منوالها ولم يجعلوا للعقيدة الإسلامية أي أثر في أبحاثهم، ولم يلاحظوا وجودها، بل كان بحثهم بحثا فلسفيا محضا، وإن كانوا باعتبارهم مسلمين قد ظهرت في أبحاثهم نواحي إسلامية، ولكن ذلك كان من جراء مفاهيم الأعماق الإسلامية الموجودة لديهم كما كانت الحال عند فلاسفة اليهود، وهذا لا يقرب فلسفتهم من الإسلام أية خطوة بل هي فلسفة عقلية سائرة في طريق الفلسفة اليونانية وهؤلاء هم الفلاسفة المسلمون كابن سينا والفارابي وابن رشد وأمثالهم وفلسفتهم هذه ليست فلسفة إسلامية ولا فلسفة الإسلام عن الحياة، ولا علاقة لها بالإسلام مطلقا، بل لا تعتبر ثقافة إسلامية، لأن العقيدة الإسلامية لم تكن شيئا في بحثها بل لم تلاحظ حين بحثها، وإنما كانت الفلسفة اليونانية هي موضع بحثها وليست لها أية علاقة بالإسلام ولا بالعقيدة الإسلامية"
المسلم لا يتأثر بشىء من الباطل ومن تأثر مخالفا كتاب الله عمدا مصرا على مخالفته فقد كفر وارتد عن دينه
وحاول المؤلف أن يلخص ما سبق فقال :
"هذه هي خلاصة موقف المسلمين من الثقافات غير الإسلامية فهم لم يتأثروا، ولم ينتفعوا، ولم يدرسوا الثقافات الأجنبية المتعلقة بالأحكام الفقهية مطلقا، فلم يوجد في المعارف الشرعية أي شيء يتعلق بالثقافات غير الإسلامية، وانتفعوا بالمعاني والتشبيهات والأخيلة الموجودة في الثقافات الأجنبية، إلا أن ذلك لم يؤثر على اللغة العربية ولا على الأدب العربي، فكانت دراستهم للثقافات غير الإسلامية من هذه الجهة دراسة انتفاع لا دراسة تأثر أما العلوم العقلية فإنهم درسوها وانتفعوا بها من حيث أسلوب الأداء في المنطق وعلم التوحيد ولكن الإسلام وأفكار الإسلام لم تتأثر، ولكن بعض المسلمين تأثر في فهمه وحده للإسلام فظهر ذلك في تصرفاتهم وكتاباتهم هم، لا في الثقافة الإسلامية والأفكار الإسلامية، وذلك كالصوفية والفلاسفة المسلمين
هذا بالنسبة للثقافة، أما بالنسبة للعلوم من طبيعية ورياضية وفلك وطب وغيرها، فإن المسلمين درسوها وأخذوها أخذا عالميا وهي لا تدخل في باب الثقافة التي تؤثر على وجهة النظر في الحياة، وإنما هي علوم تجريبية، وهي عامة لجميع الناس، وهي عالمية لا تختص بأمة دون غيرها من الأمم ولذلك أخذها المسلمون وانتفعوا بها"
حديث المؤلف هنا ينم عن جهل بالثقافات الأجنبية فى مجال العلوم الطبيعية والرياضية فالفيزياء الصينية تقوم على نظريات غير النظريات الغربية غير الهندية وهى نابعة من أديانهم أو معتقداتهم وكذلك علك الفلك فما يسمى بالعلوم الطبيعية والرياضية ليس واحدا فى كل العالم وربما حدث هذا فى عصرنا وأما قبل قرن أو أكثر فكان الأمر مختلفا وقد تم فرض تلك الوحدة بقوة السلاح من خلال الاحتلال الغربى وإدخال المناهج الغربية فى تلك البلاد فمنها ما كان بالحديد والنار كما فى الجزائر ومنها كان سهلا بسبب اختلاف وتنوع اللغات فى البلد المحتل ففرضت لغة المحتل على الكل كما فى الهند وأفريقيا التى يسمونها الفرنسية والانجليزية
وتحدث عن كون الثقافة الإسلامية بدأت شفوية وظلت فترة طويلة كذلك فقال:
"وأما أسلوب التأليف في العلوم والثقافة الإسلامية، فإنه نما نموا طبيعيا حتى وصل إلى التنظيم فقد بدأت الثقافة الإسلامية شفوية يتناقلها الناس بعضهم من بعض بالسماع ولم يعن بتدوين شيء سوى القرآن، إلى أن اتسعت رقعة الدولة وصارت الحاجة ماسة لكتابة العلوم والمعارف فبدأ حينئذ يكثر التدوين شيئا فشيئا، ولكنه كان على غير نظام معين فكانوا يكتبون مسألة في التفسير، ومسألة في الحديث، ومسألة في الفقه، ومسألة في التاريخ، ومسألة في الأدب الخ كلها في كتاب واحد من غير ترتيب ولا تبويب لأنها كلها علم في نظرهم ولا فرق عندهم بين أي علم وعلم، ولا بين أي معرفة ومعرفة، بل العلم كله شيء واحد، والعالم غير متميز بعلم معين ثم أخذ يتركز التأليف حين اتسعت دائرة المعارف وصار أكثر العلماء لا تتسع قدرتهم على الإحاطة بها، فغلب على كل طائفة منهم ميل خاص إلى نوع من العلوم والمعارف وبذلك صارت المسائل المتشابهة يجمع بعضها إلى بعض فتميزت العلوم والمعارف، وصار العلماء يدخلون عليها التنظيم شيئا فشيئا وبذلك اتجهت الأفكار إلى التنظيم والتأليف، حتى كان مثل كتاب الموطأ في الحديث، وكليلة ودمنة في الأدب، وكتاب الرسالة في الأصول، وكتب محمد في الفقه، وكتاب العين في اللغة، وكتاب سيبويه في النحو، وكتاب ابن هشام في السيرة، وكتاب الطبري في التاريخ، وهكذا بل وجدت كتب في فرع واحد من الفقه، مثل كتاب الخراج لأبي يوسف في الاقتصاد، وكتاب الأحكام السلطانية للماوردي في الحكم ثم شمل التأليف كل فرع من فروع العلوم والمعارف وصار تنظيمه يترقى تدريجيا في مسائله وأبوابه إلى أن أصبح تأليفا راقيا يشمل جميع أنواع المعارف والعلوم
ثم تميزت الثقافة عن العلم في التأليف وفي صفوف الدراسة العليا في الجامعات وهكذا
ومما يجدر ذكره أن المسلمين أخذوا من غيرهم أسلوب التأليف، لأن أسلوب التأليف كالعلم ليس خاصا وإنما هو عام"
وهذا الكلام عن البداية الشفوية وغير المنظمة ينم عن جعل بكتاب الله وهو كلام يناقض أمر الله بالكتابة فى قوله تعالى:
" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق"
فالله أنزل علم الكتابة على المسلمين وأمر الكل بتعلمه حتى يقدروا على قراءة القرآن فقوله تعالى مثلا:
" فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
لا يمكن أن يتم دون أن يكون المسلم أو المسلمة قد تعلموا القراءة والكتاب
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس