عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-08-2023, 07:42 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,014
إفتراضي

حدثنا على بن معبد , قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء , قال : أنا محمد بن عمرو , فذكر بإسناده مثله .
حدثنا فهد , قال : ثنا أحمد بن حميد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن السدى , عن أبيه , عن أبى هريرة رضى الله عنه رفعه، مثله .
فهذا يعارض الحديث الأول إذا كان معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى , و لكنا لا نحمله على المعارضة , و نجعل الحديثين صحيحين , فنجعل النهى الذى كان فى حديث بشير للنجاسة التى كانت فى النعلين ؛ لئلا ينجس القبور , كما قد نهى أن يتغوط عليها أو يبال , و حديث أبى هريرة رضى الله عنه يدل على إباحة المشى بالنعال التى لا قذر فيها بين القبور , فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معانى الآثار , وقد جاءت الآثار متواترة عن رسول الله (ص) بما قد ذكرنا عنه من صلاته فى نعليه , ومن خلعه إياهما فى وقت ما خلعهما للنجاسة التى كانت فيهما , ومن إباحة الناس الصلاة فى النعال . ا هـ
وقد أجاب عن ذلك ابن حزم , وابن القيم:
قال ابن حزم فى المحلى 5/137 ,138 : وقال بعض من لا يبالى بما أطلق به لسانه , فقال : لعل تينك النعلين كان فيهما قذر .
فمن قطع بهذا فقد كذب على رسول الله (ص) ؛ إذ قوله ما لم يقل , ومن لم يقطع بذلك فقد حكم بالظن , وقفا ما لا علم له به , و كلاهما خطتا خسف , نعوذ بالله منهما .
ثم يقال له : فهبك ذلك كذلك , أتقولون بهذا أنتم , فتمنعون من المشى بين القبور لا بنعلين فيهما قذارة ؟ فمن قولهم : لا .
ثم يقال له : فهبك ذلك كذلك , أتقولون بهذا أنتم , فتمنعون من المشى بين القبور بنعلين فيهما قذارة ؟ فمن قولهم : لا . فيقال لهم: فأى راحة لكم فى دعوى كاذبة ؟! ثم لو صحت لم تقولوا بها, و لبقيتم مخالفين للخبر بكل حال ؟!
و يقال له أيضا : و لعل البناء فى الرعاف إنما هو فى الدم الأسود ؛ لشبهه بدم الحيض , و لعل فساد صلاة الرجل إلى جنب المرأة إنما هواذا كانت شابة خوف الفتنة , و مثل هذا كثير. ا هـ
وقال ابن القيم تهذيب السنن 9/41 بعد أن ذكر كلام الطحاوى : وهذا ليس بشىء , ولا ذكر فى الحديث شىء من ذلك . ا هـ
جـ القول الثالث : الكراهة . وهذا هو مذهب أهل الظاهر , وبه قال يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل , ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين ,فقد قال فضيلته فى مجموع الفتاوى 17/200 : والقول بأن المشى بالنعال بين القبور للكراهة هو قول جمهور العلماء , و هو عندى أظهر من القول بالتحريم ؛ لأن النهى عن ذلك من باب إكرام قبور المسلمين واحترامها , والقول بأن ذلك إهانة لها فنهى عنه , غير ظاهر ,و هذا هوالذى صرف النهى إلى الكراهة .
واذا تأملت هذه الأقوال الثلاثة وجدت أن القول بالجواز قول ضعيف ؛ لما سبق من ضعف الاستدلال بقول النبى (ص) : (( إن العبد إذا وضع فى قبره , و تولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم )) .
انظر : موسوعة فقه الإمام أحمد 6/236 , و عمدة القارى 8/147 .
يعنى بذلك : ما ورد فى حديث بشير ابن الخصاصية المتقدم ذكره من النهى عن المشى بين القبور بالنعال.
وانما قال الشيخ هنا بالكراهة دون التحريم ؛ لأنه يرى أن ما يتعلق بالآداب و مكارم الأخلاق فالأمر فيه للاستحباب , والنهى فيه للكراهة , و ما كان يتعلق بالعبادات فالأمر فيه للوجوب , والنهى للتحريم ؛ لأن الأول يتعلق بالمروءة , والثانى بالشريعة .
و ضعف التأويل الذى أولوا به حديث بشير ابن الخصاصية .
و حينئذ يبقى الأمر دائرا بين الكراهة والتحريم , واذا كان الأمر هكذا فلا شك أن الأولى والأحوط هو خلع النعال ؛ لأنك إذا خلعت نعليك عند المشى بين القبور لم ينكر عليك أحد , واذا لم تخلعهما أنكر عليك الذى يذهب إلى التحريم .
كما أننا نقول : إن القول بالكراهة دون التحريم إنما هو مقبول على قول من يرى أن ما كان من باب الآداب ومكارم الأخلاق يكون النهى فيه للكراهة .
وأما على القول بأن الأصل فى النهي هو التحريم – وهو قول جمهور الأصوليين – فلا محيص عن القول بالتحريم ؛ لورود النهى الصريح عن لبس النعال بين القبور , كما فى حديث بشير ابن الخصاصية .* * *
* ثانيا : هل يختص النهى عن المشى بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين :
القول الأول : أن النهى خاص بالنعال السبتية دون غيرها . وبه قال ابن حزم , واستدل على ذلك بما يلى :
أن النبى (ص) إنما دعا صاحب سبتيتين بنص كلامه , ثم أمره بخلع نعليه .
وما رواه البخارى (1374,1338) , ومسلم 4/2201,2200 (2870) , عن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : ( إن العبد إذا وضيع فى قبره , وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم ) .
قال ابن حزم فى المحلى 5/137 : فهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون بعده , وان الناس من المسلمين سيلبسون النعال فى مدافن الموتى إلى يوم القيامة , على عموم إنذاره عليه السلام بذلك
قال فى المحلى 5/136 : ولا يحل لأحد أن يمشى بين القبور بنعلين سبتيتين , وهما اللتان لا شعر فيهما ,
فإن كان فيهما شعر جاز ذلك , فإن كانت إحداهما بشعر , والأخرى بلا شعر جاز المشى فيهما . ا
و لم ينه عنه , والأخبار لا تنسخ أصلا , فصح إباحة لباس النعال فى المقابر , ووجب استثناء السبتية منها ؛ لنصه عليه السلام عليها . ا هـ
و يجاب عن هذا الاستدلال منه بما سبق أن أجبنا به على هذا الحديث عند الكلام على أدلة القائلين بجواز المشى بين القبور بالنعال .
و ممن ذهب كذلك إلى كون النهى خاصا بالنعال السبتتية : القاضى أبو يعلى .
قال ابن القيم فى تهذيب السنن 9/42 : وقال القاضى أبو يعلى : ذلك مختص بالنعال السبتية لا يتعداها إلى غيرها .قال : لأن الحكم تعبدى غير معلل , فلا يتعدى مورد النص . اهـ
والقول الثانى فى هذه المسألة : أنه لا فرق بين النعال السبتية و غيرها من النعال التى عليها شعر ؛ إذ الكل فى مثابة واحدة فى المشى فيها بين القبور , و منافاتها لاحترامها .
وقد قال ابن حجر معلقا على ما ذهب إليه ابن حزم من كون النهى خاصا بالنعال السبتية , قال فى الفتح 3/206 : واغرب ابن حزم فقال : يحرم المشى بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها , و هو جمود شديد
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار 4/107 : و لا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين ؛ لعدم الفارق بينها و بين غيرها , وقال ابن حزم : يجوز وطء القبور بالنعال التى ليست سبتية ؛ لحديث : ((إن الميت يسمع خفق نعالهم )) . و خص المنع بالسبتية , و جعل هذا جمعا بين الحديثين , و هو وهم ؛ لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشى على قبر أو بين القبور فلا معارضة . ا هـ
و هذا هو القول الراجح بلا شك , و كون الرجل كان يلبس نعلين سبتيتين هذا وصف طردى، لا مناسبة فيه للحكم .
ومثال ذلك : لو جاء فى بعض الأحاديث أن رجلا كثير الشعر , ضخم البدن , مفتول العضلات, جاء إلى النبى (ص) , و هو يقول :يا رسول الله , إنى جامعت امرأتى فى نهار رمضان , فماذا على ؟
فهذه الأوصاف كلها أوصاف طردية , و على هذا فلو استفتانا رجل نحيف أصلع ضعيف العضلات فإنه يكون حكمه كحكم الأول تماما , مع أن الأول كان كثير الشعر , مفتول العضلات , كبير الجسم , وهذا الثانى نحيف أصلع ضعيف العضلات , و مع ذلك كله نقول : إن حكمه كحكمه ؛ لأن الأوصاف المذكورة أوصاف طردية لا مناسبة لها .
* ثالثا : فإن كان للماشى عذر يمنعه من خلع نعليه ؛ مثل الشوك يخافه على قدميه , أو نجاسة تمسهما، أو شدة حرارة الأرض , أو نحو ذلك , لم يكره المشى فى النعلين.
قال أحمد فى الرجل يدخل المقابر , و فيها شوك , يخلع نعليه : هذا يضيق على الناس حتى يمشى الرجل فى الشوك , وان فعله فحسن , هو احوط , وان لم يفعله رجل . يعنى لا بأس
* رابعا : فإذا مشى الإنسان فى نعليه بين القبور لغير حاجة أنكر عليه , كما أنكر النبى (ص) على صاحب السبتيتين , وعلم الحكم الشرعى .
* خامسا : فإذا لم يمر بين القبور فإنه لا يخلع نعليه ؛ مثل أن يقف عند أول المقبرة , ويسلم . * سادسا : ولا يدخل فى المنع من لبس النعال بين القبور الخفاف؛ لأن نزعها يشق , وقد روى عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج الى الجنازة لبس خفيه , مع أمره بخلع النعال ."
وكل المسائل السابقة خلاف دون وجود نص حقيقى فالحديث الذى اعتمده المؤلف وهو حديث خلع النعال السبتية يتعارض مع أن خلع النعال يكون في الوادى المقدس وفيه البيت الحرام كما قال تعالى :
" اخلع نعليك إنك بالواد المقدس"

ومن ثم لا يجوز خلعهما في المقابر
وأما المسألة الثانية وهى المشى بين القبور فأمر مباح لقوله تعالى :
" ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره"

فالقيام على القبر وهو الوقوف خارج الحفرة يقتضى المشى إليها ولم يذكر الله خلع النعال أو الأحذية
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس