عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-03-2009, 11:31 AM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي نظام الكفيل-متى نغير طريقة التعامل مع العمالة العربية؟

النص أدناه نشر في جريدة الأهرام عن معاناة طبيب مصري تحت ظل نظام الكفيل.
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=post1.htm&DID=9899
إذا كنا نجأر أو نجعر بالتحذير من الخطر الإيراني فقد آن لنا أن نغير سياسة التشغيل في الخليج ونشجع العمالة العربية ونقلل من العمالة غير العربية التي تهدد بتحويل هوية الخليج تحويلا نهائيا حتى غدت اللغة العربية غريبة في بلادها كما يعلم كل من يسكن الإمارات مثلا
ونظام الكفيل يذكر بمقولة عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟
يجب أن نتعود على الفكرة التالية: العربي هو أخونا ويجب أن نقاسمه السراء والضراء وإلا والله سنفقد بلادنا ويرثها الأجنبي ولات حين مندم.

أعلم انني سأنكأ جرحا لن يتوقف نزيفه من الدماء والآلام والدموع والحسرات والمرارات‏,‏ ولكني سأضع الأمر بين يديك تاركا لكم تقدير الموقف‏.‏

فأنا أحد الأطباء من المصريين العاملين بالخليج تحت نظام الكفالة اللعين والذي هو المرادف لنظام الرق والتجارة في البشر في العصر الحديث الذي تتباهي فيه الدول بما حققته لشعوبها من تقدم في مجال الحرية وحقوق الإنسان‏!‏

المهم ذهبت إلي هناك مشحونا بأحلام العدل والإنصاف والكرامة ولقمة العيش الهنية ثم أن ادخر مالا استعين بظله علي مواجهة هجير الأسعار التي يزداد أوارها يوما بعد يوم فاستقبلنا الرجل في مكتب السفريات الفلاني بوجه صبوح وابتسامة واسعة واستقبال رائع فرأيت حصوني تنهار فجأة أمام هذه الأخلاق الرائعة وأوافق سعيدا علي شروط العقد التي رأيتها مجحفة إلا أنني كذبت نفسي وقلت لا يمكن أن نري من هذا الرجل‏(‏ الكفيل‏)‏ إلا كل خير ثم ما الذي سيدفع الأمور إلي حد الصدام والاحتكام لشروط العقد؟‏!‏ هو له عندي عمل والتزام وأنا لي عنده راتب واحترام فإن اتفقنا وإلا ذهب كل منا إلي حال سبيله‏.‏

قدمت إلي بلده ياسيدي محملا بالأمل والحلم والرجاء فإذ بالوجه البشوش يتحول إلي وجه متجهم والابتسامة الواسعة تختفي لتحل محلها نظرات التعالي والفخار‏,‏ فكففت نفسي وانكفأت علي عملي لا ألوي علي شيء ولا أهتم بأحد إلا بعملي وبالمرضي الذين يراجعونني‏.‏

إلا أن الأمور لا تسير هكذا‏,‏ فلابد من الاحتكاك في الإقامة والترخيص والامتحان والبنك وكل شيء‏,‏ فأنت فاقد الأهلية لا تستطيع أن تستقدم أولادك إلا بموافقته ولا أن تؤدي شعائر الحج والعمرة إلا بموافقته‏,‏ والسكن حسب ما يتيسر له سواء راق لك وناسبك أم لا‏,‏ ومدارس أولادك وسيارتك‏,‏ كل شيء بإذن الكفيل‏,‏ فدولته أعطته تأشيرة ليحضر قوما ليكون مسئولا عنهم ولكنهم ـ أي الكفلاء ـ حولوا هذه الصلاحيات إلي تحكم بغيض في كل شيء يخص المكفول وأسرته وأولاده واللي مش عاجبه يرحل وفعلا ما أعجبني الحال فقررت الرحيل‏.‏

واسمح لي هنا أن أكتم ضحكة ساخرة مريرة تكاد تنطلق رغما عني حيث إنني ما أن لوحت مجرد تلويح بذلك إلا وانقلبت سحنة الكفيل إلي وجه شرس وأخذ يهدد ويوعد ويزيد وانتحي بي أصحاب المصالح جانبا ونصحوني بالصبر والاحتمال‏,‏ وانك لن تجد أفضل من ذلك وأن العيشة في مصر بقت صعبة وأن القرش أصبح عزيزا‏,‏ وأحمد ربنا علي النعمة التي يحسدك عليها الكثيرون‏,‏ وانه ممكن يلفق لك قضية مع ممرضة مأجورة أو مع إحدي المراجعات و و و‏...‏ الي آخره‏.‏

فرضخت وسكت ورجعت إلي استكانتي منفردا بنفسي ومهتما بعملي‏,‏ ولكن هيهات أن ينساها لي الكفيل المحترم والذي لايكف عن تذكيرنا في كل وقت بأنه يقدر يستغني عنا كلنا في لحظة‏,‏ وأن الدكاترة في مصر علي قفا مين يشيل‏,‏ والعشرة هناك بريال وانتم لو كنتم فالحين في بلادكم ما كنتم تركتوها و و و وإذا به يصدر قرارا مفاجئا بإنهاء خدماتي في ساعة زمن فحمدت الله‏,‏ وطالبته بحقوقي لكي أرحل‏,‏ ما كان منه إلا أن قال مالك عندي حقوق وأمامك مكتب العمل خليه يعطيك حقك‏!!‏

البلد دي بلد الكفيل‏!!‏ ثم قام بوقف صرف رواتبي المستحقة أيضا في حملة تجويع وإذلال ليس لها مثل ضاربا عرض الحائط بالأخلاق والالتزامات واحتياجات الأسرة والأبناء من الطعام والشراب والكهرباء والمياه والخدمات الأساسية التي لايستغني عنها بشر‏,‏ فذهبت إلي مكتب العمل شاكيا معتقدا أنني سأجد هناك من يمد لي يده ويتوسط لأخذ حقوقي وأرحل فقط‏,‏ ولكني فوجئت بالمئات والآلاف مثلي ممن لهم ظروف أقسي وآلام أكبر ومن جميع المهن والأعمار‏,‏ الكل يبحث عن القشة التي تنقذ الغرقي في بحر من عرق الخجل والإحساس بالهوان والذل‏,‏ فقررنا الاستنجاد بالسفارة المصرية فإذ بهم يقولون لنا ببرود شديد إننا لانملك عصا سحرية لحل مشاكلكم ولا يوجد لدينا إلا الحلول الودية والدبلوماسية فقط‏,‏ فإن تعنت الكفيل فلا مناص أمامكم إلا مكتب العمل والقضاء‏!‏

فانهارت مقاومتنا واندكت حصوننا‏,‏ فهذا هو ملاذنا الأخير يعلن أنه بلا حيلة ولا قوة اللهم إلا شفاعة لا تسمن ولا تغني من جوع‏,‏ فرجعنا إلي مكتب العمل والذي أمهلنا شهرا لمحاولة الإصلاح مع الكفيل‏,‏ فلما فشلت المفاوضات لرفض الكفيل إعطاءنا أي شيء بل وهدد انه سيمنعنا من دخول البلاد لمجرد أننا تجرأنا واشتكينا في مكتب العمل‏!!‏

ورفعت المعاملة إلي المحكمة‏,‏ اتدري ياسيدي متي كانت أول جلسة؟ كانت بعد ستة أشهر بالتمام والكمال‏,‏ ستة أشهر مريرة من الانتظار بلا عمل ولا دخل ولا أحد يمد لك يده بالمساعدة ولا شيء علي الإطلاق‏,‏ ثم عليك أن تقوم بتوكيل أحد المحامين ليتولي عنك عرض القضية‏,‏ ولابد أن يكون من أبناء البلد‏,‏ فلا يمكن لغيرهم أن يترافعوا أمام القضاء‏,‏ أتدري كم طلب المحامي؟‏!‏

طلب ثلاثين ألفا فقط لكل قضية‏,‏ ونحن لانملك قوت يومنا ولا نستطيع ان نعمل في أي مكان‏,‏ ولا نستطيع حتي ان نغادر الي بلادنا لأن جوازات السفر مسحوبة بمعرفة الكفيل‏,‏ ولا يمكن الخروج إلا بموافقته‏,‏ وبعضنا قد أبلغ كفيله الجوازات بهروبه‏(‏ ولابد من سجنه‏)‏ فالكفيل هنا لا ينطق إلا حقا‏!‏
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس