عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-10-2007, 12:58 AM   #8
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]حوار مكاشفة مع الشاعر يحيى توفيق
اكتب تعليقك | محاور العدد


كتبت 7000 بيت واتهموني بسرقة نصف بيت

ــ الشاعر يحيى توفيق أثناء الحوار

لقاؤنا مع أحد فرسان القصيدة الغنائية الذين أعطوها حضوراً متميزاً وقصائده تحمل جرساً موسيقياً وعبارات مجنحة وخيال شاعري مما جعله واحداً من الشعراء الذين جعلوا من قصائدهم محل الإعجاب والتقدير وجعل بالتالي الشعر العمودي حياً وقادراً على التفوق واستيعاب كافة التيارات الجديدة ورصد معطيات الحياة في قصائد عديدة تتسم بعاطفيتها وخيالها المجنـح.

إنه الشاعر (يحيى توفيق حسن) صاحب التاريخ الشعري العريق والإسهام الأدبي الفاعل في حياتنا الثقافية.. التقيناه في هذا الحوار فتحدث بكل صراحة وفتح أوراقه القديمة وأدلى بشهادته حول الشعر والنقد والذات الشاعرة..

يسرنا التحليق مع شاعرنا في هذه المكاشفة.

\\ الشعر فن العربية الأول، وهو ديوان العرب، ولكن مع تطور الرواية برز من يزعم أن الرواية ديوان العرب، فما رأيك في هذه القضية؟

| بالطبع لا.. فالشعر يختلف تماماً عن الرواية، الشعر ديوان العرب، وميزة الشعر أنه شيء يحفظ في الذاكرة، طبعاً أنا أتحدث عن الشعر.. الشعر، ولا أتحدث عمّا أقرأه هذه الأيام، الشعر إذا كان شعراً نابعاً من الروح والحس مغلفاً بالانفعال، فلاشك أنه يرسخ في ذهن المتلقي ويحرك كل أحاسيسه، ولا يمكن لأي فن من الفنون الأخرى أن يأخذ مكان الشعر إطلاقاً، ولكن أين هو الشعر هذه الأيام وسط هذا الغثاء مع الأسف الشديد الذي نراه ونقرأه في صحفنا؟ الشاعر الحريص هو الذي لا ينشر إلا ما يرضى عنه، وما يحس إحساساً كبيراً أنه سيصل إلى عمق أعماق المتلقي، وإلا فالأكرم والأولى بالشاعر ألا ينشر، ولكن للأسف الشديد هناك من يريد أن ينشر أي شيء، أقرأ في بعض الأحيان شعراً عمودياً، وأجد أنه لا يوجد في الصفحة الواحدة بيتاً لا يوجد فيه كسر أو خطأ للأسف الشديد.

\\ مع طغيان الحداثة، هناك اتهام يتبناه البعض وهو أن القصيدة العمودية لم تستوعب المتغيرات المعاصرة ووقفت وتجمدت عند عصر معين ، فما ردك على هذا الزعم؟

| أميز الشعراء الحداثيين أصلهم شعراء تقليديون، وإذا نظرت إلى شعرهم الحداثي تجد أن التقليدي فيه أميز وأروع مئات المرات من الحداثي، لذلك فإن هذا الاتهام غير منطقي، فالقصيدة العمودية مازالت قادرة على العطاء ومواكبة كافة الأساليب الفنية الحديثة، وتقديم الحداثة نفسها، وليس أدل على ذلك من بقائها حتى الآن خالدة في ذاكرة الشعوب.

\\ هناك ظاهرة مؤسفة وقع فيها ـ للأسف ـ عدد من كبار الشعراء العرب، وهي التوظيف السيء للمعتقدات الدينية في الشعر وذلك بحثاً عن الإبهار الشعري والتفوق ولفت الانتباه، برأيك كيف نواجه هذه الظاهرة؟

| هذا عجز من الشاعر، وينبغي أن يكون الشاعر قادراً على أن يعبر عما يريد بحروفه هو وليس بالاستعانة بالقرآن الكريم أو بحروف شاعر آخر أو غير ذلك، ويمكن للشاعر أن يوظف المعاني القرآنية الكريمة في أشعاره بشرط عدم الإخلال بها أو تحريفها أو تبديلها، وهناك عدد كبير من شعرائنا على مر التاريخ استلهموا من القرآن الكريم ومعانيه واستلهموا الموروث الديني بشكل إيجابي أضاف للقصيدة قوة ورجاحة وبيان، ولابأس من توظيف التراث في القصيدة بشكل لا يربك المعاني في القصيدة.


\\ قدمت أحد دواوينك بإهداء رقيق هو (إلى أم الدكاترة)، وهذا يدفعني إلى السؤال عن دور الأسرة في حياة الشاعر؟

| بالنسبة لزوجتي ـ شفاها الله ـ فقد كانت أماً صالحة وقد ربت أبناءها وبناتها تربية صالحة، فأنا عندي ابنتان وابنان ثلاثة منهم دكاترة وواحد مهندس، وهذا طبعاً يعود إلى فضل الأم بالدرجة الأولى والطموح لدى الأبناء والبنات بالدرجة الثانية، ولولا طموحهم ولولا حرص أمهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فابني الكبير يوسف استشاري بالأمراض الجلدية، وابنتي الدكتورة حنان، وابنتي الدكتورة نادية، جميعهم ـ ولله الحمد ـ ناجحون في أعمالهم وتخصصاتهم، وابني المهندس محمد ـ تبارك الله ـ ناجح، ويسير في حياته كما ينبغي ولله الحمد والشكر.

ولاشك أن للأم دوراً كبيراً جداً في توجيه الأبناء وتربيتهم، ولها أيضاً دور مهم في تهيئة الجو المناسب للشاعر لكي يمارس إبداعه.

\\ اختلف الشعراء والكتاب على مر العصور حول وظيفة الشعر، والآن في عصر الفضائيات والتقنيات الحديثة، ما وظيفة الشعر الحقيقية؟

| الشعر فن، بل قمة الفنون، وليس هناك وظيفة معينة أو مجردة للشعر لكي يؤديها، ولكن الشعر حس وانفعال، فمهما كان الحدث.. إذا استطعت أن تنفعل به كشاعر وتسجله فهو بلاشك شعر حي، يسجل في الوقت نفسه انفعالك بحدث معين، وليس شرطاً إطلاقاً أن يكون للشعر وظيفة يؤديها، فهو فن متصل بالروح والجسد ودوره إمتاع هذا الجانب في الإنسان، فالشعر مثل الموسيقى والغناء، والأدب، والرسم، ومثل النحت، هذه كلها فنون متصلة ببعض، وأبرز ما يجمع هذه الأمور بعضها ببعض هو «الذات الشاعرة»، وقد كتبت مؤخراً مقالاً مطولاً نشر في جريدة «الجزيرة» عن الذات الشاعرة، وعرفت الذات الشاعرة بأنها التي تملك الحس ورقة الشعور وسرعة الانفعال بالحدث والقدرة والملكة على التعبير لتسجيل هذا الحدث وقلت إن الذات الشاعرة هي الذات التي تستطيع أن تصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه في كل ما تريد التعبير عنه، وبقدر ما يستطيع الشاعر أو الموسيقار أو الرسام أن يصل إلى أقصى حدود ما يمكن الوصول إليه في التعبير عن انفعاله بأدواته سواء أكان موسيقاراً أم مطرباً أم فناناً أم ممثلاً، أم رساماً، أم شاعراً، على قدر ما يستطيع أن يسمو بقدراته حتى يصل بها إلى أقصى ما يمكن الوصول به للتعبير عن هذا الحدث أو للتعبير عن انفعاله بهذا الحدث، على قدر ذلك يكون الشاعر شاعراً متفوقاً مبدعاً، والرسام رساماً مبدعاً، والموسيقار موسيقاراً مبدعاً.


| حتى الجواهري في العراق عندما وضع يده في يد السلطة قامت ثورة علمية، ولا أدري لماذا، ربما لأن الشاعر منوط به أن يكشف أخطاء وسلبيات الحكم إن كانت هناك سلبيات وأخطاء، وعندما يضع يده في يد الحكم فكأنه قد خان مبادئه وأنه من حيث المبدأ قد وافق أن يؤازر الحكم ويتخلى عن دوره في الكشف عن السلبيات والأخطاء ربما.

\\ ما أهم ملامح الحركة الشعرية في المملكة؟ وما استشرافك لمستقبلها؟

| أنا للأسف غير متفائل وسبب ذلك أننا في وطننا العربي برمته تقل بيننا المؤازرة والحماس للأصلح والحماس للمتفوق ومؤازرة المبدع، بل على العكس للأسف الشديد تجد من يثبط ويقلل من قيمته وقيمة إبداعه، وتجد أن هؤلاء الذي يقللون من قيمة إبداعه وقيمة تفوقه أناس عاديون لا يملكون شيئاً، ليس عندهم قاعدة يرتكزون عليها، ومع ذلك يتقبلهم المجتمع، لأن المجتمع للأسف الشديد بطبعه يحب أن يقرأ النقد ولا يحب أن يقرأ الثناء، وهذه مأساة، والسبب أن المجتمع بغالبيته لا يستطيع أن يحكم حكماً سليماً على إبداع المبدع، تأخرت الثقافة وتأخر العلم عندنا وتأخرت أشياء عديدة لدينا، جعلت من الصعب جداً على الفرد أن يستوعب ويحكم فعلاً هل هذا شاعر مبدع، أم رسام مبدع، أم موسيقار مبدع؟

للأسف ضاعت المقاييس وأصبح لا أحد يستطيع أن يحكم، مع أن الذين يحكمون هم المبدعون فإنهم هم أولى الناس بأن يعرفوا الإبداع إذا كان رائعاً كبيراً جميلاً أو غير ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

\\ القصيدة نزيف الروح، ولكل قصيدة تجربة وموقف ووجع خاص، ولكن تبقى في حياة كل شاعر قصيدة لها مكانتها لديه، فما هذه القصيدة في رحلتك الإبداعية؟

| قصيدة (سمراء) وأغنيتها بيعت منها حوالي مليون أسطوانة في الستينات ولكن القصيدة الجميلة التي لها في ذاتي أثر كبير، هي قصيدة (صغيرتي) وأقول فيها:

جاءت تسير على أهداب أشعاري

تدنو تهدهدها أنات قيثاري

العطر نكهتها والسحر ضحكتها

والرقص خطوتها يابؤس أقداري

قالت أحبك.. قلت الحب يانغمي

نار.. وأخشى عليك الخوض في النار

لا.. لن تكوني لقلب جاع مائدة

صوني صباك فما أرضاكِ للعار

لا تكبريني كأني في الهوى ملك

أنا الصغير وإن أدمنت إكباري

لا.. لن تكوني لقلبي لعبة أبداً

ولا أريدك قرباناً لأوزاري

\\ النقد فن وعلم ضروري لتقدم الإبداع، ولكن الناظر للساحة الأدبية سوف يلاحظ غياباً واضحاً للنقد بمفهومه المنهجي الصحيح، فما موقفك ـ بصفتك شاعراً ـ من هذه القضية؟

| تعرضت شخصياً لتجربة من أحد الإخوة اتهمني بسرقة بيت شعر، لي سبعة آلاف بيت شعر وأتهم بسرقة بيت واحد.

\\ هذه تهمة أساساً لم ينج منها شاعر؟

| ولكن أنت تتحدث عن النقد، أبوذؤيب لديه بيت يقول فيه:

وتجلدي للشامتين أريهمو

أني لريب الدهر لا أتضعضع

وعندي رباعية مطلعها:

عجبوا لما ألقى وما أتجرع

والدهر يطحنني ولا أتضعضع

لا قسوة الدنيا تفل عزيمتي

وعلى الحوادث صابر لا أجزع

هو منهار ومتضعضع يحاول أن يتجلد لكي يوحي أنه غير منهار وغير متضعضع، وأنا أقول إن الدهر يطحنني ولا أتضعضع، لا قسوة الدنيا تفل عزيمتي وعلى الحوادث صابر لا أجزع، بمعنى أنني عكس أبي ذؤيب تماماً، هو متضعضع، وأنا لا يضعضعني شيء، فكيف يأتي من يقول أني سرقت المعنى والمبنى.. إلخ، لكن المأساة في وطني أن كل من هب ودب يستطيع أن يهدم ويشوه باسم النقد، والبعض يعينه ويساعده بزعمهم أن في ذلك بعض الإثارة دون مراعاة لحق المبدع وكرامته وأعصابه.

فإذا وجدوا من يريد أن يقفز إلى السطح ـ وهو مقعد ـ أخذوا بيده لمساعدته على ذلك القفز حتى لو كان في ذلك دق عنقه وموته وكشفه وفضيحته، هذا هو النقد في وطني للأسف الشديد أو هذه صورة من صور النقد، إنه العبث بجهد المتفوقين وعرقهم وكفاحهم وعصاميتهم، وتحطيماً وتشويهاً لجهدهم الذي ظلوا طوال عمرهم يبذلونه ليحققوا من خلالهم شيئاً لوطنهم وأمتهم.

\\ الجرجاني يقول: إن المعاني والألفاظ مطروقة في الشارع يعرفها العربي والعجمي.. والمحك هو المعنى المبتكر الجديد؟

| منذ ألف وخمسة عام قال عنترة:


هل غادر الشعراء من متردم
بمعنى أن المعاني كلها قد استعملها الشعراء من قبله، ولم يتركوا له شيئاً يترنم به، ماذا نقول نحن اليوم، صدقني أنا أعاني كثيراً حتى أكمل القصيدة، فالثابت أن المفردات تتساقط على الشاعر المطبوع بلا تكلف، وهنا مكمن الخطر فكما سقطت عليه هذه المفردة في هذا المعنى فقد تكون سقطت لشاعر قبله، وقد تسقط على شاعر بعده، لهذا تجدني أحاول تفلية القصيدة فأستبدل مفردة مستهلكة بأخرى جديدة على قدر ما أستطيع حتى لا أقع في مصيدة انتحال معنى أو انتحال مبنى، ولا يستطيع أن يفهم هذا الذي أقوله إلا الشعراء المطبوعون.


[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس