عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-11-2008, 01:27 PM   #20
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الثالث: الصراع من أجل نيل الاعتراف والتقدير.

13ـ في البدء كانت معركة حياة أو موت من أجل المنزلة الخالصة

( وليس بالوسع نيل الحرية إلا بالمخاطرة بالحياة. حينئذ فقط يمكننا التدليل على أن جوهر وعي الإنسان بذاته ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، ولا هو مجرد الصورة المباشر التي يبزغ فيها هذا الوعي لأول مرة .. فالفرد الذي لا يخاطر بحياته قد يُعْتَرَف به فردا، غير أنه لم ينل حقيقة هذا الاعتراف باعتباره وعيا مستقلا بالذات)
............................. ج.ف.هيجل: [فينومينولوجيا العقل]

(( الرغبة الناشئة عن طبيعة الإنسان ـ الرغبة التي يتولد عنها الوعي بالذات وواقع الإنسان، هي في أصلها تعبير عن الرغبة في نيل الاعتراف والتقدير. وما المخاطرة بالحياة التي يبزغ بها واقع الإنسان الى النور، إلا مخاطرة من أجل إشباع تلك الرغبة. وبالتالي فإن أي حديث عن مصدر الوعي بالذات هو بالضرورة حديث عن معركة حياة أو موت من أجل الاعتراف والتقدير))

....................... ألكسندر كوجيف: [مقدمة لقراءة هيكل]

يستهل الكاتب مقالته هنا، والتي تتصدر الجزء الثالث، باقتباسين اثنين، ومن يجمع اقتباسات الافتتاح للكاتب يستطيع أن يتعرف على الدينامو المحرك لتفكيره أو ما يطلق عليه (الدافع الإبستمولوجي). فهو يريد أن يقرر أن الليبراليين هم ورثة كل المفكرين الجادين، والذي يحرص الكاتب أن يكونوا كتابا من الغرب.

أخطار و مخاوف وأحلام.

ما هي الأخطار والمحاذير بالنسبة لشعوب العالم؟ (يتساءل المؤلف): ويجيب: إنها ثقل الكولونيلات المكروهين أو قادة الأحزاب الذين يضطهدون غيرهم، والحكام الذين يلجئون للاعتقال التعسفي للمواطنين. إن الشعوب تحلم بالعيش دون خوف، والتمتع بقدر من الرخاء. ولكن الرخاء لن يأتي إلا بالديمقراطية والرأسمالية، وحتى إن جاء الرخاء في ظل حكومات غير ليبرالية كما في كوريا وسنغافورة وتايوان (وهي حكومات أوتوقراطية) فإن هذا الرخاء لن يكتمل إلا بالليبرالية!

يضيف الكاتب: وحتى نقف المعنى الحقيقي لليبرالية علينا الرجوع الى ما قبل (هيجل)، أي الى عهد ( توماس هوبز ـ توفي 1679)و(جون لوك المتوفى 1704) حيث منابع الليبرالية، لكنه يفضل الوقوف عند ما كتب (هيجل المتوفى عام 1831)، لأنه يفهمنا الليبرالية بطريقة أكثر نبلا، ولأن الآخرين كانوا يميلون لتغليب الحلم البرجوازي الذي ينشغل باستمرار برخاء عيشها المادي. في حين أن الليبرالية تتوجه للجانب الإنساني في فكرها.

لقد أنكر هيجل أن هناك طبيعة بشرية ثابتة لا تتغير، فالإنسان عنده حر غير محدد، وقادر على تشكيل طبيعته عبر الزمن التاريخي. وقد ذكر هيجل في كتابه (فينومينولوجيا العقل) أن الإنسان الأول (الطبيعي) يشترك مع الحيوان في حاجات طبيعية أساسية كالطعام والنوم والمأوى والحفاظ على حياته، لكن الإنسان الأول يتفوق على الحيوان في أنه يرغب أن يقدره الآخرون ويعترفون به وبوجوده وآثاره، وبقدر ما يفعلون ذلك بقدر ما يحس أنه كائن اجتماعي يختلف عن الحيوان.

انتصار وهزيمة ومخاطرة

يقرر هيجل بأن الإنسان هو كائن اجتماعي يميل للمخاطرة، واجتماعيته لا تؤدي به الى الحياة في مجتمع مدني يسوده السلام، وإنما الى صراع عنيف حتى الموت من أجل المنزلة الخاصة. التقى اثنان من (الإنسان الأول) ودارت بينهما معركة، وقد تسفر هذه المعركة الدموية عن نتيجة من ثلاث: فقد يموت المتصارعان، فتنتهي بموتهما الحياة نفسها. وقد يموت أحد المتنافسين، فيظل المنتصر غير راض عن الوضع إذ لم يعد ثمة وعي بشري آخر ليعترف به. وقد تنتهي المعركة بقيام علاقة بين سيد وعبد، إذ يقرر أحد المتنافسين الإذعان لوضع العبودية مفضلا إياه على خطر الموت. وحينئذ يشعر السيد بالرضا إذ خاطر بحياته ونال الاعتراف والتقدير بسبب هذه المخاطرة من كائن بشري آخر.

هذا التدريج بالفهم لحركة البشر، تكلم عنه أيضا (هوبز) في موضوع الطبيعة وعلاقتها بالإنسان. كما تكلم عنها (لوك) في الحديث عن (الحرب).

التراتب الاجتماعي والطبقية

إذا كان المجتمع عند (هيجل) و(لوك) ينقسم الى فئتين: فئة على استعداد أن تخاطر بحياتها وهم (السادة) الذين يرسمون في النهاية شكل حركة عبيدهم وكمية الضرائب الواجب عليهم دفعها الخ، وطبقة الذين ليسوا على استعداد للمخاطرة بحياتهم وهم العبيد، فإن ماركس رفض هذا التقسيم وآثر تقسيم المجتمع الى مالكين لأدوات الإنتاج (أرض، آلات، أموال الخ) وعمال أو زراع يقدمون جهدهم لهؤلاء رغما عنهم وبطريقة غير عادلة.

لكن هيجل يسوق أمثلة تدلل على نظريته، فيورد مثل الصخرة التي تتدحرج من أعلى جبل بفعل ثقلها وبفعل الجاذبية الأرضية، لا يوقفها شيء ويرجع ذلك الى حرية الظواهر الطبيعية. كما يضرب مثلا: دب جائع يتحرك بوحشية لسد جوعه. ولكن الإنسان بإنسانيته يرفض أن تكون الطبيعة هي من يوجه حركته و (يحدد حريته)، فكلما استطاع الوقوف في وجه تدخلها كلما اقترب من إنسانيته وكان حرا أي غير ملبي لنداء الطبيعة.

من هنا يشارك هيجل، كل الفلاسفة الذين يعتبرون أن الحروب، حتى لو كانت لأسباب تافهة، فهي تعبر عن الإنسان مستعد للمخاطرة بحياته ضد من يحاول إجباره على القبول بشيء. ويعاود هيجل للقول: أنه إذا كان صراع الحيوانات من أجل إطعام نفسها أو صغارها، أو تحديد الرقعة التي يتحرك فيها الحيوان، فإن الأمر يختلف عند الإنسان فقد يقاتل من أجل علم (راية) أو لتقلد منصب أو يهلك نفسه في تمارين من أجل وسام.

تعليق:

يستطيع أي متأمل ـ لغاية الآن ـ أن يفهم مغزى الترابط بين المقالات السابقة التي تمجد من الإنسان الليبرالي الغربي، الذي ورث فلسفة وحكمة من سبقه من أبناء بيئته، ليكون الإنسان المنتصر من أجل الإنسانية، والمستحق لقيادتها، مبعدا الهمجية من طريقه.

لقد قالها قبل (فوكوياما) كل من (مونتسكيو) و (فولتير) (روسو)، عندما مهدوا للثورة الفرنسية [ التي يجلها فوكوياما]، حيث كانت فحوى دعواهم بأنه لا يجوز احتلال ملك الغير إلا بقانون ولا يجوز قتل الغير إلا بقانون ولا يجوز سن قانون إلا بوجود ممثلين لمن تُسَن لهم القوانين (الشعب)، ولكن بعد عقدين من الزمن وجدنا أن رواد الثورة الفرنسية قد احتلوا (مصر) وكأن من يقطنها هم كائنات غير بشرية، وهذا ما تكرر في تبجح (فوكوياما) بإنسانية (ليبراليته) التي أذاقت العالم من ويلاتها في عقد من الزمن ما لم يذقه في قرون
!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس