عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-06-2022, 08:31 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,991
إفتراضي نقد كتاب محاسبة النفس ضرورة ملحة

نقد كتاب محاسبة النفس ضرورة ملحة
المؤلف عبدالله بن محمد العسكر وهو يدور حول محاسبة الفرد لنفسه وقد استهل الكتاب بتعريف المحاسبة لغويا واصطلاحيا فقال :
"المبحث الأول
معنى المحاسبة
في اللغة :
هي صيغة على وزن مفاعلة ، فعلها حاسب وجاء في "المعجم الوسيط " : " حاسبه محاسبة ، وحسابا : ناقشه الحساب وجازاه "
ب- أما تعريفها عند العلماء :
فقد قال الماوردي في ذلك : " أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل"
وقال ابن القيم "هي التمييز بين ماله وما عليه ( يقصد العبد ) فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافر سفر من لا يعود"
وأما الحارث المحاسبي فقد عرفها بقوله : "هي التثبت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبين له ما يفعل وما يترك، فإن تبين له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانبه بعقد ضمير قلبه، وكف جوارحه عما كرهه الله ـ عز وجل ـ ومنع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه "
محاسب أو حساب النفس قد تكون قد العمل وقد تكون بعد العمل فمن يحاسب نفسه قبل العمل لا يخطىء وهو أمر قليل الوقوع واما الحساب بعد العمل فهو يتضمن أمرين:
الأول حمد الله على طاعته
الثانى الاستغفار للذنوب وهى الأخطاء والتوبة منها والتوبة قد تكون استغفار فقط وقد استغفار مع كفارة كالحلف المحنوث به وقد تكون استغفار مع إعادة المال لصاحبه
وتحدث العسكر على فوائد حساب النفس فقال :
"المبحث الثاني
فوائد محاسبة النفس
لمحاسبة النفس فوائد متعددة نذكر منها ما يلي:
1 - الاطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها، ومن ثم؛ إعطاؤها مكانتها الحقيقية إن جنحت إلى الكبر والتغطرس ولا شك أن معرفة العبد لقدر نفسه يورثه تذللا لله فلا يدل بعمله مهما عظم، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر قال أبو الدرداء: " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتا وليعلم العبد علم اليقين أنه مهما قدم من طاعات وقربات فذاك لا يوازي فضل الله عليه ، فالحذر من أن يتسلل إلى العبد داء العجب القتال فإنه محبط للعمل ، مسقط من عين الله ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم أنه قال له رجل : إني لأقوم في صلاتي فأبكي حتى يكاد ينبت البقل من دموعي فقال له ذلك العالم : إنك أن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك ، فإن صلاة الدال لا تصعد فوقه فقال : أوصني ، قال : عليك بالزهد في الدنيا وألا تنازعها أهلها ، وأن تكون كالنحلة : إن أكلت أكلت طيبا ،وإن وضعت وضعت طيبا ، وإن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره وأوصيك بالنصح لله _ عز وجل_ نصح الكلب لأهله ؛ فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم "
2 - أن يتعرف على حق الله _تعالى _ عليه وعظيم فضله ومنه؛ وذلك عندما يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله ، فيكون ذلك رادعا له عن فعل كل مشين وقبيح ؛ وعند ذلك يعلم أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، ويتيقن أنه من حقه _ سبحانه _ أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر
3 - تزكية النفس وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمر الله ـ تعالى ـ وهذه هي الثمرة المرجوة من جراء محاسبة العبد لنفسه فتزكية النفس عليها مدار فلاح العبد ونجاته من عذاب الله قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )
وقال مالك بن دينار: " رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله ـ عز وجل ـ فكان لها قائدا "
4 – " أنها تربي عند الإنسان الضمير داخل النفس، وتنمي في الذات الشعور بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرفات بميزان دقيق هو ميزان الشرع " حكى الغزالي أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ عند الموت: " ما أحد من الناس أحب إلي من عمر " ثم قال لها : "كيف قلت" ؟ فأعادت عليه ما قال، فقال: " ما أحد أعز علي من عمر " !! يقول الغزالي: " فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة غيرها " "
المحاسبة لها فائدة واحدة وهى انقاذ النفس من دخول النار وليس لها سوى مقياس واحد وهو شرع الله فالضمير المزعوم ليس مقياسا للحسن والسوء وإنما المقياس هو أحكام الله
وكرر فوائد المحاسبة تحت عنوان فضل المحاسبة فقال :
"المبحث الثالث فضل المحاسبة وما ورد في ذلك من آثار
لقد حث الله أهل الإيمان على محاسبة نفوسهم والتأمل فيما قدموه لأخراهم فقال : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) قال صاحب الظلال: " وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه، ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها، وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد؛ فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلا ورصيده من البر ضئيلا ؟! إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا، ولا يكف عن النظر والتقليب "
وقال تعالى : ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) يقول الفراء: " ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت، وإن عملت شرا قالت: ليتني لم أفعل " وقال الحسن في تفسير هذه الآية :" لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه: ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه "
ويقول الله _عز وجل _ في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلة والتقصير ويرجعون عماكانوا عليه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " قال الترمذي : " معنى قوله من دان نفسه :حاسب نفسه في الدنيا فبل أن يحاسب يوم القيامة "
وما أجمل قول الفاروق عمر _ رضي الله عنه _في عبارته الشهيرة : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) وصدق فإن المحاسبة للنفس في دار الدنيا أهون من محاسبة الله للعبد في يوم تشيب فيه رؤوس الولدان فالمحاسب هو الله ، وكفى بالله حسيبا والوثيقة التي يدان بها العبد ( كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
يصف الحسن البصري المؤمن بقوله :"المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة" ويقول ميمون بن مهران: "إنه لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه "
روي عن الإمام أحمد أن وهب بن منبه قال : " مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات :ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات ، وإجماما للقلوب " ومن هنا تتضح أهمية محاسبة النفس ، وخطورة إهمالها من غير محاسبة وملاحظة ؛ لأن إهمالها هو شأن الغافلين السادرين قال ابن القيم: " أضر ما على المكلف الإهمال وترك المحاسبة، والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها؛ فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذا حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب، ويمشي الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها وعسر عليه فطامها "
ولنستمع إلى هذه الكلمات الجميلة لأبي حامد الغزالي وهو يصف أرباب القلوب المنيبة وذوي البصائر الحية فيقول:
رضا البطاوى متصل الآن   الرد مع إقتباس