عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-11-2006, 04:34 PM   #39
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

نظرية الإيطالي (كيتاني) حول جزيرة العرب:

أحيانا يجد القارئ في الكتب العربية القديمة، ومن خلال أشعار شعراء الجاهلية ذكر لحيوانات كالأسد وحمار الوحش والريم (بقر الوحش) وأشجار ضخمة، ويتساءل القارئ: هل ذلك من ضرب الخيال، أم أن تلك المناظر قد اختفت من المشهد في الجزيرة العربية، ولماذا اختفت وغير ذلك من الأسئلة..

لقد أجاب الإيطالي (كيتاني) على تلك الأسئلة وغيرها، من خلال نظرية وضعها قائلا: أن جزيرة العرب كانت لفترات طويلة جدا عبارة عن أمكنة وفيرة الخصوبة مثيرة للابتهاج، وقد أرجع فكرة (جنة عدن) أنها في الجزيرة العربية، وأن ذكر الجنة في التوراة يقصد به جزيرة العرب، لكن الظروف قست عليها ودفعت بسكانها الى التفكير بالهجرة خارجها وتنفيذ ذلك التفكير، فكانت (برأيه) معظم الهجرات العظيمة قد حدثت بين عامي 2500 و1500 قبل الميلاد. ولكنه يرجع التغير المناخي الى حوالي عشرة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، إلا أن سكان الجزيرة لم يبدءوا بالإحساس بقسوة التغيير إلا بعد حدوثه بخمسة آلاف سنة.

ويتصور (كيتاني) أن سكان جزيرة العرب وهم (الساميون) حسب نظريته، كانوا ينعمون بأنهار وفيرة المياه، وقد حددها بوادي الحمض ووادي الرمة ووادي الدواسر ووادي السرحان، والتي كانت تتغذى من المرتفعات المحاذية لها.

وقد وافقه المستشرق الألماني(فرتز هومل) الذي أصر على أن أنهار جنة عدن المذكورة في التوراة هي أودية (الدواسر والرمة والسرحان وحوران ). وشاركهما في ذلك (كلاسر) الذي اعتقد جازما أن نهري (جيحون وفيشون) المذكورين بالتوراة هما في جزيرة العرب.

وقد اعتقد (كيتاني) أن الجزيرة كان بها أفيال وبالذات في أرض (مدين) وأن الصيادين كانوا يخرجون لصيدها باستمرار.. وقد قسم (كيتاني) أرض جزيرة العرب الى قسمين: الغربي المحاذي لسواحل البحر الأحمر الشرقية، وهو ذو طبيعة جبلية سكانه أكثر رقيا وقوة من سكان القسم الشرقي الذي ينحدر حتى يصل الى سواحل الخليج العربي، وأن السيطرة كانت لسكان المناطق الغربية، كما أن قسوة الظروف قد تأثر بها سكان المنطقة الشرقية، فبدأت الهجرة عندهم بوقت أبكر منه في المناطق الغربية، فاتجهوا نحو العراق أو سلكوا الخط الساحلي متجهين الى ما وراء المياه في اتجاه الهضبة الإيرانية أو إفريقيا. وبرأي كيتاني استمرت الهجرة من القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد وتوقفت عند القرن السابع الميلادي.


وقد لاقت نظرية (كيتاني) رواجا بين المؤرخين وعلماء الآثار، فامتدحها السير (توماس أرنولد) واعتبرها أهم نظرية تتحدث عن الساميين .

هجوم المستشرق (لويس موسل) على نظرية (كيتاني):

سخر المستشرق (لويس موسل) من نظرية (كيتاني) واعتبرها نظرية ينقصها الأدلة القوية.. فحاكمها من خلال :

1ـ أن اعتماد الجفاف كعامل مسبب للهجرة، يفتقر الى المنطق، ويتساءل: وهل أصبحت جزيرة العرب منطقة ماطرة وخصبة بعد القرن السابع الميلادي؟ حتى تتوقف الهجرة، ثم يضرب مثلا بأن المناطق الجافة في الجزيرة عندما حسنت الإدارات الحكومية فيها تم إعمارها في أوائل القرن التاسع عشر، مستشهدا في مناطق كثيرة في الجزيرة والأردن والعراق وسوريا، والتي لم تكن محاذية للأنهر .

2ـ ويرى (موسل) أن اختفاء الحيوانات، قد يعود لجور الإنسان وليس لقسوة الظروف.. وقد أنكر (الهمذاني) قول أن الجزيرة كان بها أسود وأفيال وغيرها.. فاعتبر (موسل) أن المسألة تحتاج المزيد من الأدلة ..

3ـ استنكر (موسل) موضوع الأنهار، حتى وإن ورد في التوراة، فبرأيه أن هذا الكلام مجرد تخمين يخلو من الحقائق العلمية ..

4ـ رد موسل قيام هيئات حكومية تشكل ما يشبه الدول (الغساسنة والمناذرة)، بأنها إدارات عشائرية قامت على أنقاض دولة (تدمر) ودولة (الأنباط) وارتبطت بمن يجاورها من إمبراطوريات (فارسية و رومانية) .. كما ينكر (موسل) ارتباط قبائل (الغساسنة والمناذرة) باليمن، ويرجع ادعائهم بذلك، هو سيطرة أهل اليمن على طرق المواصلات، فكانت تلك القبائل تدعي ارتباطها باليمن!

5ـ يرجع (موسل) ضعف عطاء الأرض وهدم سد (مأرب) الى الفساد بالحكومات وعدم انتباهها لا للعوامل الجوية ..

6ـ يعترض موسل على أن الفتوحات الإسلامية تشكل هجرة، فيقول أن فتح العراق والشام جاء بمساعدة أهالي العراق والشام الذين يلتقون مع إرادة إخوانهم في جزيرة العرب ضد الفرس والروم .. وليس بدافع ديني!

سنقف في المرة القادمة على رأي مؤرخ عربي هو الدكتور جواد علي ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس