عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-03-2010, 10:40 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وكان الأخير أكثر حظاً منه ، يلازم الضابط في غرفته المكيفة .. ممدداً أطرافه على أرضية رخامية ملساء ، بينما هو يمتطي ( بياده) يكاد عنقها يزهق أنفاسه قبل أن يصهر قدميه – صيحة نداء واحدة كفيله أن يأتيه ويلبيه قبل أن يرتد إليه طرفه .. حتى لا يحبط عمله - سمعه هذه المرة بوضوح نقر على باب غرفته الزجاجي الداكن بظهر كفه القابض على أيام أجازته خشية أن تهدر أو تتساقط من بين أصابعه – دخل راصداً مقعد الضابط خلف مكتبه لم يجده .. كان متكئاًً على أريكة ثرية أمام التلفاز تعبث أصابعه بجهاز صغير يقلب به قنوات لم يشاهدها من قبل - ويده الأخرى يحك بها سوالفه الغزيرة .
هنا ننتقل إلى حالة زائدة نوعًا ما من المباشرة لكنها على أي حال مباشرة في صالح النص وبدأت تصنع الدراما من هذه التناقضات بين الكلب( الملازم)للضابط والجندي أو العسكري الذي يقف بالخارج تحت لفحة الشمس ، عمومًا كان هذا عنصرًا فاعلاً ومبررًا منطقيًا للنهاية وأشعرني أنه مرسوم بدقة أي أن الكلب والضابط رفيقي درب مما يؤكد معنى الضباط ووصفهم الصادق بالكلاب لدى كثير من الناس لاسيما الذين ذاقوا(عضتهم) .
التعبير" يحبط عمله" كان جيدًا متناسبًا مع جو الموقف دون تجاوز وهو استخدام جيد للاقتباس القرآني . اللغة المجازية والتعبير الرائع "القابض على أيام أجازته" كان في صالح النص إذ أن القضية التي ينافح عنها ويتحمل العناء من أجلها هذا الجندي واضحة للغاية ، وهذا جعل للحدث والعناصر الفاعلة في تحريكه منطقية كبيرة في سيرها على هذا المنوال .
مرة أخرى يبرز عنصر الشمس بدلالة هي الأعنف ، وهي الدليل على الفساد وعدم الاكتراث ، فرغم أن الوقت في وضح النهار إلا أن السيد الضابط ما زال في الغرفة المكيفة لا يفعل أي شيء غير التلفاز والسوالف ..
إن هذا هو وقت الذروة الذي تتراكم فيه الأوامر والشكاوى والمشاكل والتي يكون العاملون فيها في أقصى انشغال لهم . إنه من الممكن أن يكون هذا الحال مقبولاً عندأفول الشمس أو انتصاف الليل ، لكن الحنكة في الرصد أتت على هذا الملمح بشكل فريد لم تكتف بالفساد كظاهرة واجب محاربتها وإنما أيضًا الإهمال إذ أن من أبجديات العمل الشرطي االانضباط في الملبس والشكل وهذه السوالف دليل إهمال واستهتار بأخلاقيات العمل . إن عنوان الشرطة نفسه صار مصدر سخرية وهنا يكون الألم إذ أن النظام الأمني شكلاً ومضمونًا يعاني هذا التدهور .
في ظل هذه الدراما التي تتخذ الشكل الساخر أداة لها كان التعبير الكاريكاتوري رغم إضحاكه مشعرًا بحالة البؤس التي يعانيها ليس وحده ، وإنما عشرات ومئات وقد يكون ألوفًا من
العاملين في نفس مجال الخدمة . هذه الصورة :
كانت أول ما طلب تعبئته من المقبلات – تمني لو يمتد لسانه ويلعق (لحسه) مما يصب في هذا الكوب الصغير ، ولكن قصر قامته لم يترك للسانه نصيب من الطول( لو نال لحسة طحينة لكان خيراً له )
إ نه الحرمان المتبّل بأقصى درجات الاستعباد ، وكان عنصر المبالغة فاعلاً في توصيل قتامة الصورة وبؤسها ودافعًا إلى التعاطف مع محور من محاور العمل .
ورغم المباشرة في هذا التعبير :
لم يستطع أن يخفي شماتته تجاه الكلب - كان ينظر إليه بزهو – الآن هما سواسية - كلاهما يقف بالخارج تحت وطأة الشمس
إلا أنها كانت مشعرة بالمفارقة إذ يصير هذا الكلب مثار شماتة إنسان ، ويا بؤس التناقض .
لكن هذ االتعبير كان مبالغًا فيه تقريريًا باعثًا على استنكار القارئ العادي :
يكفي لإطعام عائلته شهرًا من الزمان .. بلا حرمان
إن كيلو الكباب والكفتة أوغيرها يبلغ 100 جنيهًا ولو بلغ 200 جنيهًا، فليس هذا المبلغ ليكفي فردًا لمدة أسبوع فضلاً عن أن يكفي أسرة لشهر بحاله.السخرية كانت أبعد مما يجب والتقريرية كانت كذلك مقحمة .
" ماذا دهاك يا دفعه؟"
في هذا الجزء أدى السؤال حالة من الأسى والضيق تصنعها بلادة الحس لدى هذا الفصيل من الأمنيين ، فرجل الشرطة –لأنه في المكيف – لا يعرف حال الجندي حتى يسأله هذا السؤال ،وهنا يكون السؤال مؤديًا أدوارًا لا تؤديها الكلمات والشعارات ، وهومن أكثر الأجزاء نجاحًا.
لاحظ أخي العزيز أن الرمز يتسق مع كونه حالة تعدو الحالة الفردية لتكون تعبيرًا عن دول العالم المتقدمة (الضابط) والدول النامية(الجندي)والموارد(الكباب \ الطحينة)وهذا عنصر يبنغي أخذه في الاعتبار وهو ازدواجية الدلالة .
في لهجة آمره ( أخرجها للكلب .. واحرص على تنظيف المكان بعد أكله ).

إنها أجزاء موضوعة بمسطرة بل بترمومتر دقيق ، فلا يكتفي الضابط باللهجة الآمرة وإنما المأساة في الحرص على التنظيف . إن ذكر الكلب يعني أن للكلب دلالة وقيمة عند هذا الضابط لذا قال للكلب ولم يقل أخرجها له أو أخرجها .. وإنما تخصيص الكلب جاء لتوضيح الهدف (ووجه التشابه ....سبحان الله !) والموقف لعبتَ فيه على عنصر الدراما من خلال التناقض المضحك المبكي ، فالتخيل الذهني لصورة الجندي وهو يحاول احتضان القطعة في غاية الإضحاك لكن حينما تعرَف الخلفية التي ارتكز عليها هذا الحدث يتغير الانفعال .

بعدما أفنى الكلب كل ما تبقى من لحم وعظم - أخذ يلملم بواقي اللفه – سقطت منها علبة بلاستيكية بيضاء محكمة الغلق .. كما أخذها من البائع – من حسن حظه .. أن كلاهما لا يشتهيان الطحينة .. ( الكلب .. والباشا )

هنا كانت النهاية مدهشة رائعة للغاية وأحدثت النهاية أثرًا في القارئ إذ أن ضمير المتكلم وظف السخرية من الجندي طيلة العمل لكن جاءت النهاية في اتجاه آخر إذ مزجت بشكل متقن بين كل من الكلب والباشا ، وتقديم كلمة الكلب كان دليلاً على تقديم الكلب في خبيئة الكاتب على الباشا ، كما أن الكلب في نفس الضابط كان مقدمًا على الجندي .
هنا يعلو صوت السخرية إذ أن الإنسان في كل حالة هو الأدنى .. إنها رؤية لا يكون من التجاوز القول إنها عالمية جعلت الكلب \المادة مفضلة على الإنسان وباسمها انتهكت حقوق الإنسان .
لله در هذا العمل وما فيه من عناصر ويكفي أن العمل يمكن تحويله إلى عمل كوميدي صرف أو درامي صرف وهذه الثنائيات (الجد –الهزل ، المحلية –العالمية، المباشرة – الرمز ) كلها تجعل للعمل قيمة عبر التاريخ لا تنتهي .ووجود نقطتين بين الكلب .. والباشا لها دلالتها والتي يكون فيها الكلب مفضلاً (مرتين) عن الضابط وتفيد توكيد المعنى وهو الترتيب والتراخي أي الكلب ثم الباشا ، فهاتان النقطتان قامتا بأداء وظيفة حرف العطف ثم وجمدت الأداة الواو العاطفة ، وهذا شكل من أشكال جدلية الحداثة فلسفة النحو في العمل الأدبي
أحسنت ووفقك الله ودمت مبدعًا دائمًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس