عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-08-2010, 12:41 PM   #6
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

أنا ابن تلك الحروف الحاضنات رؤى
والغافيات بحجر الطينِ إن كشفا
شفاهها لو يشحُ الضوءُ تقرؤهُ
وتثمرُ الشمس من اجداثها الفا
انا ابن تلكَ الديار الشاربات أسىً
والواقفاتِ بوجهِ الظلمِ إن عصفا
بعد هذا الإفضاء ينتقل الشاعر إلى التحدث بضمير الجماعة التي التحم بآلامها وأحلامها ورؤاها ليخرج لنا هذه الأبيات الرائعات المعبرة عن تجذره في تربة أرضه إذ تمتزج حروفه بتربة هذه الأرض لتنجب -كأنها تتعمّد بمائها-ديارًا شاربات الأسى تقف بوجه الظلم مهما عصف.
ما بعّدت سحبُ الافاك عن نظري
طفلُ الحقيقةِ في أيّ الدجى التحفا
هناك خطأ في سحبُ ، طفلُ أحدهما لا بد أن يكون منصوبًا ،لتكون الحقيقة هي ذلك الطفل الذي ينمو ولا تعيق رؤيته سحب الإفك ،وتعبير طفل الحقيقة ، سحب الأفاك كانا من التعبيرات الفاعلة للغاية المعبرة عن التناقض بين الحجم والقوة ، فالعلاقة بينهما عكسية إذ طفل الحقيقة لا يبعد عن ناظري الشاعر مهما حاولت سحب الإفك أو الأفاك المحتل أن تلفه بالدجى ، وكان لهذا التركيب جمال خاص يتمثل في عملية التراتب بين مجيء سحب الإفك ثم نزولها أمطارًا مظلمة تلف طفل الحقيقة أي الحقيقة الناصعة البريئة كالطفل وبين استعصاء الشاعر على كل هذه الموجات المتوالية من الظلمة.
قرباننا يخضعُ الازمانَ يلهمها
ويفلقُ البحر للمظلوم منتصفا
صور جميلة وتعبيرات متفائلة يختم أو يكاد يختم الشاعر بها القصيدة لتكون الحروف هي قربانه أو الحب هو ذلك القربان الذي يخضع الأزمان ويلهمها ، إنه حب أقوى من عواصف الدهور ،لكن الأجمل من ذلك استلهام القصص القرآني في فلق البحر للمظلوم إلا أنني لا أتفق مع مثل هذه التعبيرات لأنها -من حيث لا يريد الشاعر-تعطي تأليها ولو معنويًا للأرض ، وأي شيء يأتي من فكرة التأليه لغير الله لا ينبغي أن يكون حاضرًا في ضمير الشاعر المسلم.
دعني على وجعي في نزفهِ املٌ
فالجرحُ نهرٌ به للأمنياتِ صفا
الله ! أجمِل بها من رؤية! حينما يكون الجرح هو نهرًا به صفاء الأمنيات ،جميلة هذه الرؤية التي اتخذت من القربان أداة لتقييم كل ما حولها ، فكما أن صاحب القربان يشعر بالسعادة بهذه القرابين تحت وهج الشمس وعاصف المطر ، كذلك تكون صورة الأمل المنبعث من بين نزيف نهر الدماء ، تلك الدماء التي تصفو بها أمنيات الحياة وهي الحرية والعدل والعزة ، وكان استخدام تعبير (نهر) في مكانه السليم لتناسبه مع العذوبة والهدوء.
نمدّ ُ مثل ضياءٍ هامهُ اقتطعت
بالقطرِ طيف جمالٍ سحرهُ خلفا
من خلف نافذةِ الاوجاعِ ياوطني
جاءت وعام َ شراعُ الموت مختطفا
بيضَ النوارس من أحضانِ ساحلها
ويزرع السمّ في الابدان مرتشفا
مجدي وماءُ صفاء الروح يخرجهُ
قيئا يؤججُ في اكبادهِ القرفا
وفي غمرة هذه النشوة التي تسيطر على الشاعر لا ينسى أن هناك ما هو شر من الاحتلال -هكذا فهمت- وهو الاستقلال الوهمي الذي يلوث جمال هذه الصور فيكون شراع الموت العائم (وليس الغريق) ، وهو ذلك الذي يقئ صفاء الروح ويخرجه قيئًا ، لطالما تعود أن يلوك أحلام الأرض والإنسان.وهذه الصورة الرائعة الماتعة المبهجة أو البهيجة للعين المتمثلة في النوارس هي الأخرى تذوي ، ليصبح القارئ أمام صورة أخرى ممثلة في تشبيه غير مباشر للاستقلال الوهمي بشيء يشبه التنين أو الأفعى دون تصريح الشاعر بذلك بل كان إعطاؤه هذه السمات تعبيرًا عن طبيعته الكؤود المفسدة لجمال الأحلام.
لا لن تموت خيول الشعرِ في رئتي
مهما تطاول عهدٌ بالاذى وحفا
يعود مرة أخرى شاعرنا العزيز ليبرز هذا القدر من التمسك بالأمل بشدة من خلال الاستخدام لأداتي نفس متواليتين لا ، لن ، وتكون الصورةأجمل من خلال خيول الشعر في رئتي إذ تتركب الصورة من خيول الشعر كناية عن شدة جريان الشعر وسرعته كالخيول ثم في الرئة ، كي يكون الشاعر هو الذي يتنفس هذا الشعر وليكون الشعر هو ذلك المقاوم الذي لن يطاله المحتل مهما ظن في نفسه قوة ومنعة ، ويتأكد دور الشاعر والشعر الاجتماعيين من خلال هذا البيت.
كوخٌ وصال جنون الجوع متخذا
من سمرة البسطاء الخوف واللهفا
لا تترك الناده المسكين يابلدي
لحنا يقطرُ في الاسماع ما نزفا
واربط حضورك والامال في القٍ
تعلو لعاصفةِ الاوجاع مؤتلفا
إن العراق وان خان الزمان به
عودا سياتي لمهر الفجر مرتدفا
في نهاية المطاف يأتي الختام على شاكلة القدماء من خلال الحكمة أو ما يشبهها لتكون بيت الختام ولكن يأبى الشاعر إلا أن يختم المشهد إلا بصورة مركبة رائعة من المُهر والارتداف أي الرديف وهو من يجلس خلف من يقود الخيل وتأتي كلمة (مُهر) معبرة عن هذه الأنوثة الموارة أنوثة العزة والكرامة والحرية ويأتي تعبير مهر الفجر متناسبًا مع رقته وهدوئه .القصيدة رائعة للغاية وكان استخدام بحر البسيط وقوة الألفاظ مع معاصرة التناول عنصرًا يُحسب للشاعر في جمعه الأصالة والمعاصرة بين دفتي قصيدته ، وهذا هو الإبداع حقًا ، تراثًا وأصالة ..تجديدًا ومعاصرة.


دمت مبدعًا وفقك الله واعذرني على التأخر في الرد على قصائدك لأنها تحتاج وقتًا قلما
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس