عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-02-2010, 12:10 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

جمال العمل الأدبي يكمن في هذا المزج بين المباشرة والاستتار أو الرمزية ، والعمل (جارة) هو واحد من هذه القصائد التي تقع في منطقة المباشرة النسبية .وإذا كانت الطفولة واحدة من الذكريات التي تظل عالقة في ذهن الفرد فإن الشاعر يستخدم هذه الأحداث ليصنع منها مادة إنسانية رائعة شجية كانت أو مرحة أو غير ذلك .ويتسم هذا النص بقدر كبير من الهدوء والاستخدام للغة السهلة البسيطة التي يفهمها جميع أبناء المجتمع ، والبدء بالفعل أمسكتيه ، ألقيته جعل الجانب الحركي الذي في أول القصيدة مدخلاً لحالة من النشاط والبهجة سواء على صعيد الحركة الحقيقية أو حركة وحالات الانفعال الإنساني .وهذه القصيدة ( جارة) هي مزج بين إنسانية التجربة واجتماعية الرؤية أو الهدف ، ففي هذا العصر الذي اتسمت فيه الجيرة بهذا القدر من الصدام والعراك تأتي صورة الجيرة في الماضي معرّضة بحال اليوم وهذا التناغم بين الجانبين سواء أتى متعمدًا أو غير متعمد يزيد العمل توهجًا ويعدد من وجوه تفسيره والتفاعل الإنساني معه .وإذا كان الشاعر يصف المشاعر الإنسانية في أدق تفاصيلها فإن المقطع (تقلدين أبًا وأمًا) يبدو مشهدًا جميلاً من الطراز النادر ، إذ أن الشعراء في غمرة انفعالاتهم وصخب أفكارهم تتفلت الجوانب الإنسانية الرقيقة الدقيقة من بين أياديهم ، وهنا يحسب للمبدع أنه أتى بهذه الصورة الطفولية التي تستفز هذه المشاعر الراكدة لتتفاعل معها في غمرة هذه الأجواء الجافة.
وجاءت الزلزلة والجمر والحلم بما فيها من تداعيات حركية معبرة عن هذا التوقد الإنساني ، فالزلزلة هي (شقاوة )الطفل بينما الجمر هذا الشوق في الصبا والحلم هو تلك المرحلة من الشبيبة .

وتأتي الاستعارة في الحلم العفوي ذلك الحلم الذي لم يكن على سبق ميعاد معه وإنما صقلته البراءة .إن مثل هذه التعبيرات تبعد بالنص عن التقريرية والمباشرة وتجعله في منطقة يشعر كل فرد بأنها تعبر عن جزء من حياته في مرحلة ما. وتقدم الضمير أنا في بدء الجملة جاء ليذكر المخاطَب وهي الجارة بنفسه ، وكأنه يعرّض باحتمالات نسيانه ، والحالة التي تبدو القصيدة فيها كأنه لقاء بعد طول أمد في مدارات تلك الحياة تلك التي يفارقك الجار فيها فجأة ، وكذلك يلتقيك فجأة .بينما جاء النداء للجارة (أيتها) بعد ثلاث مرات من تكرار الضمير أنا ، للتشويق وإحداث المفاجأة أو الدهشة تلك التي تتمثل في هذا اللقاء بهذه االأنثى والتي هي الأم أو جارة بمكانة الأم وكان ذكر الطفل الحفيد ليستعيد المبدع ذكراه من خلاله .
إن حياتنا كثيرًا ما ينتابها الفراق مؤقتًا أو مطلقًا ، ولكن هذه القصيدة تأتي إهداء للأم أو لجارة تحل في مكان الأم لتستعيد بعضًا من عبق الماضي وتبلل في مياهه العذبة منديلها لتسمح عنه أسى ودموع الحياة التي نعيشها .
عمل رائع ودمت مبدعًا أستاذنا العزيز
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس