عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-11-2007, 12:13 AM   #1
youcefi abdelkader
كاتب ساخر
 
الصورة الرمزية لـ youcefi abdelkader
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 223
إفتراضي قصة العم 'ابن دحمان ' المقدمة والأجزاء . للدكتور يوسف عبد القادر

قصة العم 'ابن دحمان ' الجزء الثالث

لازال " ابن دحمان" ينتظر دواء الرحمان والقوم حوله و منهم من أسند ظهره لجدار من الطوب و استسلم لملك الرقاد و منهم من تقوقع داخل كساء فصار لا يرى منه سوى العينان كطائر البوم

لما عسعس الليل, صارت روح شيخنا المذعورة تتردد بين الخروج للأفق الرحب و البقاء داخل داك القفص من الأضلع الهشة، خلخلتها نوبات سعال كالرعد. كانت جرعات من الدواء" أو لسعة إبرة تنفث ترياقا يسري في كامل جسده كافية لينجلي عن صدره ذاك الصديد و الغبار و الأدران العالقة داخل رئتيه ، لكنه اكتفى بما جادت به قمم الجبل من شيح و أزير و أعشاب أخرى ،أعدتها له" الحاجة ميمونة" في قنينة ليحتسى منها قدحا كل صباح و مساء .زعم كبير أبناءه و القيم عليهم ، أن أن تابعا من الجن كان يأتي أباه كل يوم خميس، قبيل المغرب ، في صورة طائر أسود ،و أنه سمع أباه يكلمه ذات مرة، و قد مكث فيهم ذاك الطائر شهرا لا يبرح


سقف البيت ، ثم اختفى .اقتفى أثره فلم يعثر عليه. و ما أظنه إلا أصاب الشيخ بسوء و عرج إلى السماء يسترق السمع. خرج الابن مهرولا يلتمس لأبيه رجلا يرقيه ، فدله أحدهم على مكان'' الطالب الغزالي''.
كان عجوزا قد بلغ من الكبر عتيا،امتطاه الشيطان مند أعوام فغرر به ، علمه السحر و الدجل ; و صار قرينا له . اتخذ ملجأ خارج المدينة، وسط غابة موحشة، تعانقت أشجارها كأسنة البخت و ادعى أن جنية تأتيه بأخبار السماء، فهابه الناس و العجيب أن قرينته هذه لم تعد له بصرا أو تمنعه من ضرباتنا الموجعة نحن صبية الحي ، إذ كنا نجمع ما تيسر حمله من حجارة الوادي المسننة، فنكبر و نهلل و نقذفها بمقلاع محكم الحبك، كالمنجنيق نحو كوخه من حيث نراه و لا يرانا ، و ما كان عملنا ذاك إلا جهادا ابتغينا من وراءه ثوابا من الله، لنقض مضجع عدوه، فيسومه سوء العذاب بأيدينا، و لازلنا معه في كر و فر حتى أظهرنا الله عليه .لعن الله من ناوله دواة أو برى له قلما.كان يفرق بين المرء و زوجه .
دخل المشعوذ و معه ثلاثة رجال شداد غلاظ، لا يعصون له أمرا ، أمرهم ببطح شيخنا أرضا وكبله من أطرافه الأربعة، وقد انكشفت عورته و بانت سوءته .تلمس الأذن اليمنى لشيخنا و ظل يتلو فيها تعاويذ و عزائم لا يفقهها العامة من الناس حتى خفت صوته و راح يضربه على أم رأسه، ثم عمد للبصاق في أدنه ثلاثا و خنقه حتى اصفر وجهه و أدمعت عيناه، ثم صاح بصوت أجش "إني آمرك أن تخرج أيها الجني من أصبع القدم اليمنى لابن دحمان ابن "رقية". ضغط بكل ما أوتى من قوة على الأصبع لكن شيخنا المبطوح أرضا باغته برفسة قدم مقاسها" 45" على البطن ، على حين غرة. فتدحرج المشعوذ للوراء يتأوه، و يشكو ألما مبرحا في أحشاءه ،كتمت نوبة ضحك هستيرية انتابتني .
طلب المشعوذ الدجال شيء من ماء الورد و الزعفران و حفنة بيضاء ، و أخرج من حقيبته دواة و قلم .سحق عيدان الزعفران و مزجها بماء الورد ثم تناول االجفنة و خط فيها خطوطا و رسم مربعات و مثلثات، في كل مربع كتب حرفا، و قبل أن تجف محاها بماء الشرب، فاستخلص محلولا اصفر . سكب المحلول في كفه و قد أصاب ثوبه الأبيض شيء منه، و راح يدهن به جبهة عمي ابن دحمان و قطر ما تبقى في منخاري الرجل، فجعله يعطس عطسة عظيمة أطفئت نور السراج ، دخل شيخنا على إثرها في غيبوبة أسوء مما كان عليه من قبل .

شرع الرجال الثلاثة في قرع الطبول، و تلاوة التعاويذ، و المشعوذ يتخبط كان به مس من الجن،أخذت قرعات طبولهن تعلو شيئا فشيئا ،حتى حمى الوطيس، و صار كل من في الدار يهتز خشوعا أو طربا . أخد المشايخ يحذفونه بالدراهم حذفا منكرا ،وعلى صياحهم فأزعج الجيران، جعل العقل يقف على الباب حيران ، يتساءل أين نحن مما وصل أليه الأمريكان، من علم و ما نحن فيه من هذيان ، مجنون تتهاطل عليه الدراهم
و ذا لب في ركن حيران. ورب الكعبة لن يعلو لنا بين الأمم بنيان، و سيطويننا النسيان، فنصير في خبر كان .

أما شيخنا ، فشهق شهقة ، ثم خر مغشيا عليه بين يدي ابنه كأنما صعق، فظنناه مات. بلع التعب من ذاك البهلوان مبلغا عظيما ، فتوقف و توقفت الطبول و خيم الهدوء ،في ذاك الظلام هنيهة من الوقت ،حبست فيها أنفاس الناس، انتظارا لما سيؤول إليه حال الشيخ.
لم تؤتى تلك الشطحات و ذاك الهرج و المرج أكله ، فخسئ عمل المشعوذ زمرته .ظننت انه سيأتي بمعجزة تجعل' ابن دحمان' يعود لوعيه فيستوي قائما، و يرحب بالحاضرين حوله ، فينقلب الحزن إلي فرح و تدق الطبول و تعزف الأنغام و ترقص و تغني القينات، و ربما تشرب أقداح من الخمر العتيقة حتى الصباح، احتفاء بشفاء الشيخ.
لم يفلح عمل المشعوذ، فأوجس في نفسه خيفة، و خشي أن يدركه ملك الموت فيسلبه بعض ما تبقي له من أعوام ، آثر الانصراف في داك الظلام المدلهم حافي القدمين.
youcefi abdelkader غير متصل   الرد مع إقتباس