الموضوع: ضفاف العمر
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-02-2010, 03:57 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
أهلاً وسهلاً بك أخانا وشاعرنا العزيز أحمد مانع الركابي .لقد قرأت القصيدة غير مرة وأعجبني فيها أنها تجمع بين الحداثة في المضمون والأسلوب وبين الأصالة في الشكل .
فإذا كان شاعر العصر الحديث يعبر عن القوم لا الذات ، ويتخذ من قضايا أمته أداة لانطلاق إبداعه وإذا كان يحرص على خصوصية تعبيره وعمومية فهم المتلقي ، فإن هذا كله وجدته في قصيدتك والتي ابتعتدت بشكل كبير عن أسلوب الخطابة الذي يشوع على نحو كبير عند الكثير من شعراء الشعر العمودي ، كما ابتعد عن سيريالية بعض دهاقنة شعر النثر .
المنحى الرمزي كان مميزًا للقصيدة والتي بدأت تتفتح رؤاها رويدًا كي تصل إلى مرحلة المباشرة النسبية التي تكون القصيدة قابلة للتأويل على العديد من الأوجه خاصة وأنها تصلح لكل زمان ومكان ولا تنحصر بنطاق جغرافي أو زمني أو عرقي أو أيديولوجي معين .
كان البيت الأول به رمزية تحيل إلى الوطن ذلك الأعرج الذي يعجز عن الوقوف بسبب ما يكيدونه له من مؤامرات ،وهذا يعكس إيمانك بإمكانية الانتصار ، وتأتي لفظة أمان الأرض لتعبر عن تلك الخضرة التي يستطيع تثبيت قدميه فيها لتنغرسا صامدتين لكنهم (معروفون) يقومون بزحزحته وهذا فيه روعة التعبير غير المباشر والنعت بالخسة والدناءة والخيانة .وهذا ما تأكد في البيت التالي خاصة يغرق فيها الماء كي يصلوا ، فثمة حالة من التطلع للوصول لكنه وصول بالغرق وبزعزعة الآخر مما يجعل الآخرين(الخونة) متعددي الوسائل فلا البحر ولا البر زجرهم وهذا يجعلنا نتساءل هل يطير الوطن ويستحيل ذلك الطائر الذي يبحث عن مأمن له ؟!
وهذه الخسة من الأعادي الأصدقاء تتأكد من خلال ثوب المساء. وهذه المحاولة لكسر خط الحيادية ميزها أنها تبعد عن المباشرةفي التعبير بما تصنعه من تصورات ذهنية للقارئ .
وتأتي الشطرة "إيه على وطن أفراحه سرِقَت" لتشعل المساحة المطفأة من المباشرة وتبدأ المباشرة تأخذ طريقها في دلالة على التوتر والانفعال المسيطرين على الشاعر في الأبيات بما يضطره إلى البوح بما لم يكن يمكن السكوت عليه، فإلى هذه المرحلة يمكن السكوت لكن عند السرقة يرتفع الصوت للتحذير .
ومع هذا فإن كثيرًا من السرد كان يمكن اختزاله وكان معبرًا عن نوازع الشاعر الشخصية أكثر مما عبر عن كيفية متقنة يمكن من خلالها صوغ الفكرة والرؤية.
وهذه الأبيات بما عبرت عنه من انتقالية إلى الخطاب بضمير الجماعة كانت نقطة فارقة في النص :
صرنا نلوذُ من الاحداث فـي حلـمٍ

والحلمُ زادٌ بـهِ للـدرب نرتحـلُ

كنّا نطيـرُ مـن الآلام فـي أفـقٍ

لم نبصر الضوء لكن جنحنا الامـلُ

فاعتمادها على فكرة المفارقة والتي كانت تسمى في البلاغة القديمة بالمقابلة جعل الصورتين
أمام القارئ ليجد نفسه في عمر \ بحر ضفتاه لا يعرف إلى أين يصل منهما.
كما أن الأفعال المضارعة المبدوءة بالنون أضافت حالة من الحزن الجماعي والذي يتحدث به الشاعر بصيغة الجماعة معبرًا عن هذا الشجن الذي يظهر نتيجة الاسترجاع لذكريات الماضي عندما يفاضلونها (يقارنونها) بالحاضر :
نخطو بافكارنا حيث اختفت مـدنٌ

نبعثرُ الـ(أين) نلقى تحتها الـدولُ

تعبير نبعثر الأين وهو تعبير عن تناثر الأسئلة الحائرة كان مميزًا من خلال استخدام
(أل) التعريف للتعبير عن المكان ،ويبدو أن كلمة المكان قد بلغت من الصعوبة درجة
اضطرت -بسبب شدة الحزن- الشاعر لاستخدام لفظة الاستفهام بديلاً عن المكان وهذا
التعبير عن وجود الدول تحت الاستفهام كان دليلاً عن الوجود المعنوي فقط والذي
استغنى به الشاعر عن الوجود المادي الذي لا يبدو أنه لائح في الأفق .وهذا ما
أكده البيت :

نسائل الرمل عن اجساد عاصمـةٍ

خضراء يقطرُ من تذكارها العسـلُ
إذ لو كانت العاصمة حاضرة لما سأل عن جسدها .وهذا التجسيد
لها يدل على بقاء الجسد وغياب الوجود الجوهري لها لتبقى
مدينة خاوية على عروشها روحًا بلا جسد.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 21-02-2010 الساعة 09:26 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس