عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-10-2007, 07:10 AM   #13
الوافـــــي
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 30,397
إرسال رسالة عبر MSN إلى الوافـــــي
إفتراضي

ز - والقول بالقيمة فيه مخالفة للأصول من جهتين :

الجهة الأولي :
أن النبي صلي الله عليه وسلم لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر كما ذكر العوض في زكاة الإبل وهو صلي الله عليه وسلم أشفق وأرحم بالمساكين من كل إنسان .
وهناك قاعدة ينبغي أن يتنبه لها وهي :

أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر .

وإلي هذه القاعدة المقررة يشير ابن حزم في كثير من استدلالاته بقوله تعالي " وما كان ربك نسيا "
وذلك لأنه إذا كان الله لا ينسي – سبحانه فهو منزه عن النسيان وعن كل نقص- فسكوته سبحانه أو سكوت رسول الله صلي الله عليه وسلم المبلغ عنه في معرض البيان لشيء من أفعال المكلفين عن شيء أخر يشبهه أو يجانسه لا يكون نسيانا أو ذهولاً – تعالي لله عن ذلك - ولكنه يفيد قصر الحكم عن ذلك الشيء المبين حكمه ويكون ما عداه وهو المسكوت عنه مخالفا له في الحكم .
فإن كان المنصوص عليه بالبيان مأذونا فيه كان السكوت عنه ممنوعا وإن كان العكس فالعكس وهو معني قولهم السكوت في معرض البيان يفيد الحصر
وهي قاعدة عظيمة بني عليها العلماء كثيرا من الأحكام .

الجهة الثانية :
وهي القاعدة العامة
" أنه لا ينتقل إلي البدل إلا عند فقد المبدل عنه " .
وأن الفرع إذا كان يعود علي الأصل بالبطلان هو باطل .
فلو أن كل الناس أخذوا بإخراج القيمة لتعطل العمل بالأجناس المنصوصة فكأن الفرع الذي هو القيمة سيعود علي الأصل الذي هو الطعام بالإبطال فيبطل .

- قال الشوكاني في السيل الجرار( 2/86) :
والحق أنه ليس هناك ما يسوغ مخالفة السنة الواردة فى ذلك المفروضة ينص كلام النبي صلي الله عليه وسلم اللهم إلا الضرورة التى تقدر بقدرها والتي لا ينقض الأصل من أجلها .
وقد سبق قبل تجويز العلماء ذلك عند الضرورة .

- حيث قال النووي كما في المجموع (6/112) :
قال إسحاق وأبو ثور لا تجزئ (أي القيمة) ألا عند الضرورة .


- هذا وقد توسط ابن تيمية في المسألة فاحسن فقال :

والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه وإما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به .
مثل أن يبيع ثمر بستان أو زرعه بدراهم فهذا إخراج عُشْر الدراهم يجزيه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة فأنه قد يساوي الفقير بنفسه وقد نص أحمد علي جواز ذلك .
ومثل أن تجب عليه شاه في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاه فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلي المدينة أخرى ليشتري شاه ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها انفع للفقراء مجموع (الفتاوى 25/82 )

ثم مراعاة عدم التوسع في جواز إخراج الزكاة بالقيمة إلا في حدود الضرورة والحاجة والمصلحة الراجحة .
فمن ذلك الفقير الذي يحتاج إلي الدواء دون الطعام أحوج إلي القيمة فلو أن إنسانا أعطاه قيمة زكاة فطره لأجزاه ذلك .
وانظر لكلام ابن تيمية " مثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع للفقراء فأنظر إلي قوله المستحقون للزكاة فلو طلب ذلك هؤلاء المتجولة المتسولون فلا يعطيهم القيمة لأنهم إنما يطلبون ما يخف عليهم حملة ليحملوا أقصي ما يمكن حملة من أموال الزكاة فلا تصل بذلك إلي مستحقيها .

- هذا وقد وقال المناوي في فيض القدير في قول النبي صلي الله عنه وسلم :
خذ الحب من الحب والشاه من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وفيه كلام .
قال المناوى : والمراد أن الزكاة من جنس المأخوذ منه هذا هو الأصل وقد يعدل عنه الواجب .

- وقال الشيخ أبو بكر الجزائري كما في منهاج المسلم :
الواجب أن تخرج زكاة الفطر من أنواع الطعام ولا يعدل عنه إلي النقود إلا الضرورة إذا لم يثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم اخرج بدلها نقودا بل لم ينقل حتى عن الصحابة إخراجها نقودا
فإذا قلنا إن من جوز القيمة من العلماء إنما نظر لبعض الحالات التى تقتضي إخراجها بالقيمة فهي مقدرة بقدر الضرورة التى تدعو إليها فلو صح ذلك لم يكن في المسألة خلاف حقيقي أصلا بين العلماء فيها .
لأن الجميع متفقون علي جواز المخالفة عند الضرورة المقتضية لذلك عملا بقاعدة رفع الحرج .
إما ما احتج به هذا الفريق علي الجواز على العموم فلا يصح .

ح - والقول بإخراج الزكاة قيمة جرء الناس على ما هو أعظم وهو القول بالقيمة في الهدي ولم يقل به أحد من العلماء علما بأن الأحناف أنفسهم لا يجيزون القيمة في الهدي لأن الهدي فيه جانب تعبد وهو النسك .

قال النووي في المجموع (5/359 ) :
علي أنه لا تجزي القيمة في الأضحية . أ هـ
فهذا لا خلاف فيه بين العلماء بما فيهم من جوز دفع القيمة
ففى العبادات فضلا عن الزكاة لا ينبغي أن نعول على العقل وإنما المرجع فيه إلى الله تعالي .
فإن مالك المال الحقيقي هو الله سبحانه ونحن مستخلفون فيه فالأغنياء وكلاء الله تعالي في ماله والوكيل لا يجوز أن يخالف ما يأمره به موكله فإذا كنت وكيلا لغني في ماله فقال لك اعط الفقير من الطعام فأعطيته من المال لكنت مستحق للومه وعتابه .

- قال النووي المجموع (5/380 ) :
أن الزكاة قربه لله تعالي وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالي
فلا يجوز أن يتعلل المسلم بأن هذا الحكم غير مناسب للعصر أو أن ينسب القائل بإخراجها طعام بالجمود وعدم الاجتهاد فالعلماء متفقون علي أنه لا اجتهاد في وجود نص فإذا جاء نص من الشارع في أمر من الأمور فيجب إتباع ما ورد في النص وعدم مخالفته امتثالا لقوله تعالي " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فته أو يصيبهم عذاب أليم " [ النور 63 ]
وليعلم أن ذلك بما يقتضيه الإيمان لقوله تعالي " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [الأحزاب : 36]

ط - أن زكاة الفطر فيها جانب تعبد طهره الصائم وطعمه للمساكين كما أن عملية شرائها وكيلها وتقديمها فيه إشعار بهذه العبادة أما تقديمها نقداً فلا يكون فيه فرق عن أي صدقه من الصدقات من حيث الإحساس بالواجب والشعور بالإطعام .
فإخراج القيمة يخرج زكاة الفطرة من كونها شعيرة ظاهره إلي كونها صدقة خفية.
فإن إخراجها صاعاً من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين معلومة للصغير والكبير يشاهدون كيلها وتوزيعها ويتبادلونها بينهم بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ .

ي - أن المسلم إذا عمل بقول جمهور الأئمة الذين أوجبوا إخراج الأعيان المنصوصة فأداها علي سبيل الوجوب برئت ذمته عند جميع الأئمة .

وأما إذا أخرج القيمة بغير عذر فأنه يبقى مطالبا بواجب علي قول جمع كبير من العلماء ، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول : " دع ما يريك إلي مالا يريبك " .
ويقول صلي الله عليه وسلم أيضا :" فمن أتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " فعلي العبد أن يخرج من خلاف العلماء ما أمكن احتياطا وكان الإمام أبوبكر الأعمش رحمه الله يقول :
أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لأن أقرب إلي امتثال الأمر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه .

.. يتبع ..
__________________



للتواصل ( alwafi248@hotmail.com )
{ موضوعات أدرجها الوافـــــي}


الوافـــــي غير متصل   الرد مع إقتباس