عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-06-2023, 07:44 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,998
إفتراضي

وهو مخطوط بالمتحف البريطاني، وفي مكتبات باريس وكامبردج والجزائر وفاس نسخ منه، وقد نشر سنة 1315 بمعرفة عبدالرحمن الصنادلي ... -إلى أن قال- ويلاحظ على هذه الكتب أنها تحمل الطابع الأسطوري الذي لا يعرفه الواقدي، كما أن فيها إلى شخصيات من القرن السادس والسابع (سيدي أبو مدين، سيدي أبو الحجاج الأقصري ... ) مما يكاد يجزم بأن هذه الكتب في حالتها التي إلينا بها على الأقل ليست للواقدي، وقد دخلتها الأسطورة في الغالب بعد القرن السابع الهجري) .
وفي هذا النقل بالإضافة إلى ما سبق فائدتان مهمتان:
- أن الغربيين الذين نشروا الكتاب قد رسموا على طرته عبارة: (المنسوب إلى الواقدي)!
- والثانية: وجود أسماء متأخرة جدا في ثنايا الكتاب، وهذا دليل صارخ كاف وحده لإهدار الكتاب برمته.
ويقول الأستاذ محمد بن صامل السلمي :

(كتاب قصص يختلف في سياقه وأسلوبه وعباراته عن أسلوب الواقدي والعصر الذي عاش فيه، إذ يكثر فيه السجع المتكلف وركاكة العبارة، وضعف البناء الشعري فيما يورده من أشعار منسوبة للفاتحين من الصحابة والتابعين، كما أنه يغرق في التفصيلات والوصف الخيالي للأبطال، ويذكر أبطالا غير معروفين، مثل ما ذكر عن أبي الهول وأنه قاد ألفا من عبيد السودان مع ميسرة بن مسروق العبسي، كما أن الرواة الذين رويت هذه الفتوح عنهم لم أجد لهم تراجم في كتب الرجال، وهذا يؤكد عدم صحة نسبة الكتاب للواقدي).
وقد تضمن كلام السلمي مقوضات عدة لنسبة الكتاب إلى الواقدي، تقدم جلها وزاد هنا جهالة الرواة الذين رووا تلك الأخبار وحكوا تلك المشاهد والوقائع.
وممن رأيته من المستشرقين نص على زيف كتب الفتوح المنسوبة للواقدي، المستشرق كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي، يقول:
(وهناك كتب كثيرة في الفتوح نسبت إلى الواقدي، وكثر انتشارها خصوصا في أيام الحروب الصليبية لبث الشجاعة والحمية في نفوس المجاهدين
ويقول المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه وهو يعدد مصادر الفتوحات الإسلامية:
(أما الروايات العديدة عن الفتوحات والتي تنسب للواقدي فهي أعمال زائفة تنسب لعصر لاحق
ويقول المستشرق مارسدن جونس في مقدمته على كتاب المغازي للواقدي:
(أما فتوح الشام وفتوح العراق للواقدي، فقد فقدا ولم نعثر على أثر لهما، وما يتداوله الناس اليوم باسم فتوح الشام وفتوح العراق وغيرها ليست له، إذ أنها متأخرة عنه
وذكر الزركلي في ترجمة سيمون أكلي وهو مستشرق إنجليزي، ألف كتابا في تاريخ المسلمين، أنه انتقد عليه في كتابه كثرة اعتماده على كتاب فتوح الشام للواقدي، قال الزركلي في ترجمته:
(وفي دائرة المعارف البريطانية: "مما يؤسف له كثرة اعتماده في تأليف كتابه، على مخطوطة من كتاب فتوح الشام المنسوب للواقدي، وهو أقرب إلى أن يكون قصة خيالية من أن يكون تاريخا"
وفي هذا الذي أوردته كفاية، ومن تتبع كلام أهل الاختصاص عن كتب الفتوح المنسوبة إلى الواقدي وجد أكثر مما ذكرت ..
ولولا أن المقام مقام تنبيه، لتناولت بعض ما جاء فيه بالدراسة والتحليل، ولكن حسبي ما تقدم ففيه مقنع إن شاء الله ..
فليس يسوغ بعد هذا ولا يجوز لأحد قط أن ينسب إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا أو قولا، لا استشهادا ولا اعتضادا، ولا استنادا ولا استئناسا، ما دام مصدره كتاب زائف تالف هذا حاله.
كيف والحال في أمر عظيم خطير، والمدعى فائحة منه رائحة النكارة!!
وما كان يسوغ نسبة الصحابة الأخيار رضوان الله عليهم إلى هذا الفعل لو رئيت نسبته إليهم في كتب التاريخ والمغازي المشهورة دون تطلب إسناده وتحقق صحته، إذ كتب التاريخ ما سلمت من الدخيل، واختلاق الأباطيل، وكما قال القحطاني في نونيته:
لا تقبلن من التوارخ كلما ‍ ... جمع الرواة وخط كل بنان
ارو الحديث المنتقى عن أهله ‍ ... سيما ذوي الأحلام والأسنان
فالتثبت في نسبة الأقوال والأفعال متعين في حق عامة الناس، فكيف بالصحب المجتبى لصحبة خير الورى صلى الله عليه وسلم.
إن بضاعة الوضاعين، واختلاقات القصاصين، ليست تحل مطالعتها والنظر فيها لغير ناقد بصير، حاذق خبير، ولا يحل إيراد شيء من كلامهم إلا لغرض التزييف والتحذير، وما يشوبون به إفكهم من بعض الحقائق فنحن في غنية عنها من طريقهم بما صح من غيرها، والواجب هو ترك مواردهم ومشاربهم كلية، ولنا في الصحيح من كتب أهل العلم منهل روي عذب زلال، وليست تلك الموارد الكدرة والمشارب الآسنة لنا بحال، بل هي للقوم الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية :
(وأما أهل الأهواء ونحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلا لا ثقة ولا معتمد، وأهون شيء عندهم الكذب المختلق، وأعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة، بل إلى سماعات عن الجاهلين والكذابين وروايات عن أهل الإفك المبين
فتلك هي مراتعهم ومعاطنهم، ومواردهم ومصادرهم، فهم حطابة ليل ما أسرع أن يوبقوا أنفسهم، وفيهم يقول القائل:
دع خبط عشواء في ليلاء مظلمة::: هاجت أفاعي رقشا بين أحجار
وأهل العلم والهدى إنما سبيلهم وديدنهم التمحيص والتفتيش، و الميز بين الصحيح والضعيف، والأصيل والزيف، فهم صيارفة الأثر، ولأجل ذلك استحقوا التوقيع عن رب البشر، وكان لهم المقام العلي والجزاء الأوفر."

إذا الكتاب لا تصح نسبته للواقدى كما أن الواقدى ليس بثقة
وأما النقطة الثانية التى تحدث عنها الأزدى فهى قول الغزة أن الواقدى ثقة فى المغازى وفيها قال :
"المقام الثاني: وهو قول أبي الوليد عن الإمام الواقدي (وهو ثقة في المغازي على الصحيح).
والكلام في هذا المقام باختصار يغني عن الإطالة إن شاء الله ..
فالواقدي إمام في المغازي بلا ريب، لكن توثيقه فيها غير صحيح، وإيضاح ذلك مرهون بمعرفة كلام أهل العلم في الواقدي، ومختصره أن أساطين أهل العلم قد تكلموا في الواقدي وتركوه، ورماه جماعة من الأكابر بالكذب كالشافعي وأحمد وابن المديني وابن راهويه والنسائي وغيرهم، وجاء عن بعض المتقدمين أنه وثقه، وليست تنهض أقوالهم مقابل أقوال من تكلم فيه، ومن نظر إلى أقوال جارحيه والقادحين فيه، علم سبرهم لحاله، ورأى لهم زيادة علم واطلاع على المعدلين، فلم يخرج كلامهم فيه إلا بعد تدقيق ومعرفة، وخاصة منهم الإمامان الجليلان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمها الله، وهذا الخلاف إنما كان بين الأوائل، وقد استقر الأمر عند المتأخرين إجماعا على ترك الواقدي، قال الذهبي :
(كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه ... إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي
وقال أيضا:
(مجمع على تركه
وقال أيضا:
(واستقر الإجماع على وهن الواقدي
وأقر هذا الإجماع الحافظ ابن حجر في التهذيب .
وذكره قبلهما الحافظ ابن طاهر المقدسي ، وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على عدم الاحتجاج بالواقدي.
فالواقدي متروك، وتركه لأحد سببين أو لهما مجتمعين:
السبب الأول: التهمة وهذا قول كبار الأئمة، وقد اتهموه بعدة أمور منها:

1 - أنه كان يقلب الأحاديث، قال عبدالله بن الإمام أحمد رحمهما الله:
(سمعت أبي يقول ما أشك في الواقدي أنه كان يقلبها يعني أحاديث وذكر منها ... .
وقد اتهمه بذلك كذلك ابن معين وأبو داود صاحب السنن رحمهما الله، قال ابن حبان :
(كان يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات، حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك، كان أحمد بن حنبل يكذبه .
2 - يروي عن الثقات المنكرات وما لا يعرف من حديثهم، ولا هو كذلك بمحفوظ، قال ابن معين :
(نظرنا في حديث الواقدي فوجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين أحاديث مناكير، فقلنا يحتمل أن تكون تلك الأحاديث المناكير منه ويحتمل أن تكون منهم، ثم نظرنا إلى حديثه عن ابن أبى ذئب ومعمر فإنه يضبط حديثهم فوجدناه قد حدث عنهما بالمناكير فعلمنا أنه منه فتركنا حديثه
وهذا النقل عن ابن معين في غاية الأهمية، وهو مبين عن دقة الأئمة وتحريهم قبل حكمهم على الرجال، وأن جرحهم للواقدي ما خرج إلا بعد سبرهم لحاله ومعرفتهم به، فلم يكتف ابن معين لترك حديث الواقدي برؤية النكارة في حديثه عن شيوخه المجاهيل لاحتمال كونها منهم، ولا هو اكتفى للترك برؤية النكارة في مطلق حديث الواقدي عن الرواة المعروفين لاحتمالية عدم ضبطه لحديثهم، بل تخير من يعلم ضبط الواقدي لحديثه ليندفع الاحتمال ويستبين الحال، فلما رأى النكارة في حديثه عنهم لم يبق إلا توجه التهمة إليه، فاستحق لأجل ذلك الترك.
وقال ابن عدي بعد ذكره عدة أحاديث رواها الواقدي:

(وهذه الأحاديث التي أمليتها للواقدي والتي لم أذكرها كلها غير محفوظة، ومن يروي عنه الواقدي من الثقات فتلك الأحاديث غير محفوظة عنهم إلا من رواية الواقدي والبلاء منه ومتون أخبار الواقدي غير محفوظة
3 - تركيب الأسانيد، قال الإمام علي بن المديني :
(سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقدي يركب الأسانيد، وسمعت يحيى بن معين يقول: الواقدي يحدث عن عاتكة ابنة عبد المطلب، وعن حمزة بن عبد المطلب من مركب
فهذه الثلاث من أبرز ما اتهم به الواقدي، وكل واحدة منها كافية لترك حديثه وخرم عدالته بمجردها ..
السبب الثاني: كثرة غلطه، وروايته عن كل ضرب، وخلطه بين الروايات المتعددة بالإسناد الواحد وهو لم يسمعها عن شيوخه مجتمعة، وإنما سمع من كل منهم بعضا منها، فلا يتميز بصنيعه قول الثقة من غيره، ولا قول معروف الحال من قول المجهول، والراوي متى أكثر من المتون أو الأسانيد التي لا يوافق عليها صار متروك الحديث،
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس