عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-10-2009, 01:46 AM   #449
هـــند
مشرفة
 
تاريخ التّسجيل: May 2008
الإقامة: بلاد العرب
المشاركات: 4,260
إفتراضي

وهذا متمثل في الأسطر الآتية :




لماذا تصنعون من الخبز كفرا؟
لماذا تقتلون البسمة بعد أن رسمت لنفسها عمرها؟
لماذا تؤمنون بالدنيا بعد أن صار الجب قبرا؟




لقد كونت المبدعة معجمها الإنساني الخاص من ثنيات الصور الإنسانية الجميلة إلا أن الخطاب



لا يكتمل إلا بإشراك كافة الأطياف الثقافية والمعرفية فيه ، لهذا كان ضروريًا خلع معاطف



التفنن وإطلاق العنان للعفوية والسليقة الصادقة والبوح البريء ، إذ تتخذ الكلمة خبز معنى



غير معناها ، فالخبز شيء من ضروريات الحياة ، يأكله الغني والفقير ، وهذا الخبز تعبير عن



الفرحة والنشوة والبساطة والبعد عن رتابة العمر وتكاليفه المملة. آه أيها المثقفون ،إنكم لتعقدون الدنيا بما تصطنعون من آلامها ومنغصاتها وتحاكمون البشر عندما يستمتعون ببعض حقوقهم في اللهو البرئ والبعد عن تقعر وتشعب تلك الهموم الملتوية.



وتستمر هذه البراءة والتي لا تتجنب الحس الإبداعي والصور الأخاذة عندما تجعل من البسمة



إنسانًا رسم طريقه لنفسه ، وهذه العبارة الفلسفية "رسمت لنفسها عمرها" تجعل من البسمة



عمرًا كالبيئة والطبيعة لكن تتدخل أيادي الإنسان لتفتك بها ، وتأتي رؤية الأديبة للدنيا بأنها



ذلك الحطام المتناهي بعد أن صار الجب قبرًا ذلك الجب الذي فيه الماء هو العيش، العمر



لكن حولته هموم المرء إلى قبر . إن الاستفهامات بتتابعاتها تنقل الكرة في ملعب التفلسف



والتعقد وتقود هجمة مرتدة ضده وفقًا للقانون الفيزيائي لكل فعل ردة فعل مساوية له



في المقدر ومعاكسة له في الاتجاه ، لينبلج أو يوشك الانبلاج نور الشمس من ظلمة



هذه المتاهات والتعقيدات والهموم المفتعلة .



وتستمر شراسة الهجوم محطمة كل الأطواق الدفاعية التي تقودها ظلمًا وزورًا الأنا



الأعلى لتصل إلى مرحلة الحصار ذلك لأن الإجابة على السؤال المبدوء بالهمزة تكون



بالنفي أو الإيجاب . وبعد هذه الأسئلة المعتمدة على براهين نفسية مقنعة لا تجد الأنا



الأعلى إلاأن تجيب بصوت خافت بلى.وذلك في الأسطر:




أما آن لكم أن ترفعوا سياطكم عني؟
ألا تتورعون عن الزيف بعد صافح المطر صحرائي
ألا تسترون عوراتكم ليسامحكم البحر والهواء
اسجدوا واركعوا وابكوا واخشعوا لتسامحكم الأرض والسماء




ذلك الإنسان الذي عكر بآلامه وتعقيداته الهواء وحجب نجوم السماء وتفنن في المصطلحات والأسماء آن له أن يستحيل طفلا مادًا ذراعيه للحياة في شوق ، كيف لا وقد صافحت المطر




الصحراء ، تلك الأمطار تعبير عن الانتعاش والحيوية ،والصحراء تلك النفس التي لديها الاستعداد



لأن تعيش في لجة الهموم أمدًا طويلاً . إن التسامح مع النفس كان عنوانًا عبقريًا وفكرة



مميزة دعت إليها كاتبتنا إذ أنها لم تقص الصحراء ولم تجعل المطر صفعًا لها ، بل جعلتها



مصافحة لأن الصحراء (النفس) بها جانب رملي مشرق يدعى (الشجن) والمبدعة ليست



ضد الشجن والتأمل وإنما ضد هذا الكدر وكأنها تحاكي ما كتبه الراحل إيليا أبو ماضي:



كن جميلاً ترى الوجود جميلاً .



وتأتي التعبيرات الخاصة بالسجود والركوع والبكاء والخشوع مبالغًا فيها للغاية إذ أن



هذه المعاني لا تستخدم استخدامًا مجازية لقدسيتها ولأن الإنسان مهما ضيق على نفسه



فرحمة الله واسعة تغني عن مسامحة الأرض والسماء .



وتنتهي هذه الهجمة محققة الهدف المنشود ، ذلك الهدف المتمثل في انقضاء سلطة الأنا الأعلى



المتمثلة في اصطناع القيم والفلسفيات المملة لترحل الكاتبة بنفسها وزكائها وذكائها بل وربما بجوارحها إلى هذا العالم الجميل عالم البراءة والصورة الإنسانية على أول وجوهها لتنعم فيها ببعض المنشطات التي لا غنى للإنسان عنها في امتداد رحلته الطويلة وذلك في آخر سطرين :




أما أنا، فدعوني أسافر في ليال القمرية أعانق الحب والمطر

وأداعب الورد وأغصان الشجر




والمؤكد أن المبدعة العزيزة لن تنتظر إذن هذه المخلوقات الكامنة في النفس لكي تقول لها تفضلي أو



طلبك مرفوض ، إنها تمارس بطريقتها الشخصية سياسة الأمر الواقع إذ أنها تختم بهذه العبارة النص



وذلك بعد أن فشلت محاولات دفاع الأنا ، وتأتي هذه الخاتمة البهيجة لتؤكد انتصار العفوية والبراءة



في مواجهة هذه الأعاصير الفلسفية والقِيمية الرتيبة المسماة بالعمل ، الواجبات ، التكاليف في حياتنا نحن البشر ،وما أسخفها !



أحسنت أختنا العزيزة ، ولك من التحية بمثل ما أشعلته طفولة المشاعر في نفسك



ومن الشوق بمثل ما طافت به الذكريات في أعماقك .





عمل مميز أرجو لك التوفيق ، دمت مبدعة.

__________________


آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 31-10-2009 الساعة 02:23 AM.
هـــند غير متصل   الرد مع إقتباس