عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-05-2009, 01:22 PM   #2
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي

ويظهر ضياعُ البنت ومأساة وجودها أكثر حينما تصرح لأبيها بأنها لا تريد أن تصبح أمّا- وهل هي متزوجة أصلا؟ فواضح من سياق كلامها أنها تتحدث عن الإنجاب خارج مؤسسة الأسرة الطبيعية. لا تريد البنتُ (نينار) أن تصبح أما، لأنها، حسب تعليلها الحداثي البائس، لا تريد أن تنجب مخلوقا سينتهي إلى الموت(ص82). وبدل أن تكون أمّا عَزَبَة لمخلوقات آدمية، اختارت أن تكون أمّا لقطتين توليهما من عطفها وحبها الشيء الكثير(ص82).

ولا أدل على ضلال هذه البنت وخبالها من أن تتمنى أن تحرق جثتها بعد موتها، وأن يذرّ رمادها في البحر المتوسط، لأن هذا الفعل، حسب عبارتها، له دلالة رمزية(ص125)!!

ألا تستحق هذه البنتُ منا الشفقة والرثاء؟

هل تركت هذه البنتُ شيئا لتستحق أن تكون النموذج المثالي للجالية العربية المسلمة المغَرّبة التائهة الضائعة في دخان الحضارة الغربية الحداثية اللادينية؟

عن الأب العجوز الملحد لا يُخفي الوالدُ أدونيس موافقته لابنته في كثير من جهالاتها وزندقاتها وهرطقاتها؛ فلا خلاف بينهما على الإطلاق في التنكر للدين، وكذلك في المجاهرة، في كل مناسبة، بالكراهية والعداء للإسلام وشرائعه وآدابه وتقاليد أهله. أليسا معا حداثيين؟ أليسا ينتميان إلى صنف من البشر، ويحتلان مكانة فوق البشر، ويفهمان أكثر من البشر؟ باختصار، أليس هو أدونيس، وهي ابنته نينار؟

وأكتفي، فيما يلي، بإطلالة سريعة ومقتضبة على بعض المقولات الأدونيسية الإلحادية والعبثية الواردة في أثناء أحاديثه مع ابنته.

يُعجبُ الأبَ العجوزَ كثيرا أن يتحدث في كل مناسبة عن لقبه (أدونيس)- وهو اسم لأحد الآلهة في الأساطير الوثنية القديمة- ويشيد بما أكسبه إياه هذا اللقب من المعنى الإنساني الكوني ، فضلا عن الشهرة. فهذا اللقب، يؤكد أدونيس مفتخرا، هو الذي أخرجه من ضيق الطائفية الإسلامية التي كان يسجنه فيها اسمه (علي) إلى سعة الهوية العالمية التي لا حدود لها. وحينما تلاحظ ابنته بأن اسم (علي) له دلالة إسلامية بخلاف لقب (أدونيس) الراسخ في الوثنية، فإنه يردّ بسرعة بأنه مع المعنى الوثني(ص46). وهذا ردّ طبيعي، وخاصة إذا علمنا أن أدونيس قد صرح في مناسبات عديدة بأنه وثني في معتقده. بل هو يذهب بعيدا لإثبات الأصل الوثني لاسمه الإسلامي حينما يزعم أن اسم (علي) مشتق من (EL ) وهو اسم الإله الأعظم عند السومريين...(ص46).

وهل يُخفي أدونيس إلحادَه؟ وهل يتردد الرجل في إعلان عدم إيمانه بأي دين؟

في(ص107) تسأله بنتُه: هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا حدود وبلا دين؟ فيجيبها بالحرف: "هناك كثير من الناس يعيشون بلا دين، وأنا واحد منهم. إني لا أؤمن بدين". وتعقب (نينار) قائلة: "وأنا كذلك. إذن، يمكن للإنسان أن يعيش مستقلا عن الدين..."

وتسأله في (ص187) سؤالا مباشرا: ما هي علاقتك بالدين؟ فيجيب بقوله: "على الرغم من أنني نشأت في بيئة دينية، ورغم الحب الكبير الذي أكنه لأبي، فإنه ليس بيني وبين الدين أية علاقة". ويؤكد جوابه بقوله: "ولا علاقة واحدة(aucune)".

وتسأله عن علاقته بطائفته العلوية في سوريا، فيجيبها بأنها علاقة محصورة في الجانب الاجتماعي والتاريخي(ص187).

والدين عموما، عند أدونيس، ليس فيه ما ينفع الناس اليوم. بل إن الإسلام اليوم، في زعمه، مذهب مفروض بالقوة(ص168). ويتجرأ فيحكم بأن جزءا كبيرا من المسلمين اليوم ليسوا بمؤمنين، ولكنهم مضطرون أن يُظهروا غيرَ ما يعتقدون(168-169).

والإسلام كما يرى الملحدُ أدونيس كان في عصوره الأولى "متسامحا"؛ ففي عهد العباسيين كان اللواط مقبولا ومعترفا به(ص174-175). وعند هذه النقطة تغمر البنتَ نشوة، وهي تسمع أباها يعرض عليها هذه "التفاهات"، فتقاطعه من السعادة صائحة: "ممتاز! إنه أمر عظيم Bravo! C"est génial! !"(ص175).

وجميع الديانات التوحيدية، في زعم أدونيس، كانت ضد التجديد والإبداع(ص160). ولهذا كان كبارُ المبدعين، من الشعراء والفلاسفة، في تراثنا العربي الإسلامي، من الملحدين(ص146).
وفكرةُ "الله"؟ هي، عند أدونيس الذي لا يدين بدين، من الأفكار التي اخترعها الإنسان لمواجهة قضايا الغيب والموت(ص163).

وهل "وأد البنات" في الجاهلية كان واقعا اجتماعيا لقوله تعالى:...وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت؟ يجيب أدونيس بلا، بل هي فرية افتراها المؤرخون المسلمون لإدانة الحضارة العربية قبل الإسلام والانتقاص من قيمتها!!(ص171)

وماذا عن تسمية فترة ما قبل الإسلام بالجاهلية؟ يجيب أدونيس بأنها تسمية من صناعة الإديولوجية الإسلامية للطعن على الحضارة الوثنية في فترة ما قبل الإسلام(ص171).

أما عن الخمار الإسلامي، فلأدونيس فيه تفسيرٌ عجيب فضلا عن إنكار أصله القرآني؛ فهو يرى أن المرأة لمّا كانت هي المنافس الوحيد لصورة الإله، فإن الرجل ارتأى أن يغطيَها(ص158). وقد عبر أدونيس عن موقفه من المسلمات الفرنسيات المتحجبات أثناء المعركة السياسية والقانونية والحقوقية التي اندلعت في فرنسا بهذا الشأن. وقد كتب مقالة في الموضوع كان فيها مَلكيّا أكثر من الملك، لأنه تطرف إلى أقصى حدّ في التشنيع على المواطنات الفرنسيات المتحجبات، واتهامهن في إيمانهن ونياتهن، وأنهن لم يردن بالتزام الحجاب إلا السوء لجمهورية الأنوار والإخاء والمواساة..!!

في جملة، قد تسأل أدونيس عن جميع أشياء الدنيا، وجوابُه دائما هو هو، يرجع بك، في نواته الصلبة، إلى أن الإلحاد هو معدن النور والحداثة والإبداع، وأن الدين هو أصل كل الشرور وكل أشكال القيود والمظالم والنقائص على وجه الأرض.
هذا هو (أدونيس) الأب، وهذه هي بنته (نينار)، في محادثاتهما "الحداثية" إلى أقصى حد.
هذا هو الكتاب الذي استدعت وزارة الثقافة المخزنية صاحبَته لتقديمه للقارئ المغربي المسلم.
وبعد، فلا مرحبا بالإلحاد وأولاد الإلحاد في الدار البيضاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس