عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-08-2008, 12:31 PM   #52
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

إلى شاعرٍ عراقي ...

( 1 )



أُعِدُّ لأَرْثيكَ , عِشْرينَ عاماً مِنْ الحُبِّ , كُنْتُ وَحَيداً هناكَ تُؤَثِّثُ مَنْفى لسَيَّدَةِ الزَّيْزَفُونِ , وبَيْتا ,,, لِسَيِّدِنا في أعالي الكَلامِ .
تَكَلَّمْ لِنَصْعَدَ أَعْلى..وَ أَعْلَى ... وَأَعْلى ...

على سُلَّمِ الْبِئْرِ , يا صاحِبي , أَينَ أَنتَ ؟

تَقَدَّمْ لأَحْمِلَ عنكَ الكَلامَ .. وأَرْثيك /



... لو كانَ جِسْراً عَبَرْناهُ , لكنَّه الدَّارُ والهاوَية

وللقَمَر البابِليِّ على شَجَرِ اللَّيلِ مَمَلَكَةٌ لَمْ تَعُدْ

لَنا , مُنْذُ عادَ التَّتارُ على خَيْلِنا

والتَّتارُ الجُدُدْ يَجُرُّونَ أَسْماءَنا خَلْفَهُم في شَعابِ الجِبالِ , ويَنْسَونْنا

وَيَنْسَوْنَ فينا نَخيلاً ونَهْرَيْنِ :

يَنْسَوْنَ فينا العِراقْ



أَما قُلْتَ لي في الطَّريقِ إلى الرِّيحِ :

عَمَّا قَليل سَنَشْحَنُ تاريخَنا بالمَعاني ,

وَتَنْطَفِئُ الحَربْ عمَّا قَليل

وَ عمَّا قَليل نُشَيِّدُ سُومَرَ , ثانِيَةً , في الأَغاني

وَنَفْتَحُ بابَ المَسارحِ للنَّاسِ والطَّيْرِ مِن كلّ جِنْسِ ؟

وَنَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ بِنا الرِّيح .../

(.... )



لَنا غُرَفٌ في حَدائِقِ آبَ , هُنا في البِلادِ الَّتي







( 2 )



تُحِبُّ الكِلابَ وتَكْرَهُ شَعْبْكَ واسْمَ الْجَنوبِ

لَنا بَقايا نِساءٍ طُردْنَ مِنْ الأُقْحُوانِ

لَنا أَصْدِقاءُ من الغَجَرِ الطَّيِّبينَ .

لَنا دَرَجُ الْبَارِ .

رامبو لَنا ,ولنا رَصيفٌ مِنَ الكَستَنْاءِ .

لَنا تكنولوجيا لِقَتْلِ الْعِراق



تَهُبُّ جَنُوبيّةٌ ريحُ مَوْتاكَ , تَسْأَلُني :

هَلْ أَراك ؟

أَقولُ : تَراني مساءً قَتيلاً على نَشْرَةِ الشَّاشَةِ الْخامِسَة

فَما نَفْعُ حُرِّيَّتي يا تَماثيلَ رودانَ ؟

لا تَتَساءَلْ , ولا تُعَلِّقْ على بَلَحِ النَّخْلِ ذاكرَتي جَرَساً .

قَدْ خَسِرْنا مَنافِينا مُنْذُ هَبَّتْ جَنوبِيَّةَ ريحُ مَوْتاك.../



.... لا بُدَّ مِنْ فَرَسٍ لْغَرِيبِ ليَتْبَعَ قَيْصَرَ , أَوْ

ليَرْجِعَ مِنْ لَسْعَةِ النَّايِ .

لاَ بُدَّ مِنْ فَرَسٍ للغَريبْ

أَما كانَ في وُسْعِنا أَنْ نَرى قَمَراً وَاحِداً لا يَدُلُّ

على امْرَأَةٍ ما ؟

أَما كان في وُسْعِنا أَنْ نُمَيِّزَ بَيْنَ البَصيرَةِ ,

يا صاحِبي , والبَصَرْ ؟







( 3 )



لَنا ما عَلَيْنا من النَّحْلِ وَالمُفْرداتِ .

خُلِقْنا لِنَكْتُبَ عَمَّا يُهَدِّدُنا مِنْ نساءٍ وَقَيْصَرَ ..

والأَرْضِ حِينَ تَصيرُ لُغَةْ ,

وَعَنْ سِرٍّ جلَجامشَ الْمُستَحيلِ , لِنَهْرُبَ مِنْ عَصْرِنا إِلى أَمْسِ خَمْرَتِنا الذَّهَبيِّ ذَهَبْنَا ,

وَسِرنْا إلى عُمْرِ حِكْمَتنا

وكانت أَغاني الحَنينِ عِراقّيَةً ,

والعِراقُ نَخَيلٌ وَنَهْرانَ .../



... لِي قَمَرٌ في الرَّصافَةِ .

لِي سَمَكٌ في الفُراتِ ودِجْلَةْ

ولِي قارِئٌ في الجَنُوبِ , ولِي حَجَرُ الشَّمْسِ في نَيْنَوى ونَيْروزُ لِي في ضَفائِرِ كُرديّةٍ في شَمالِ الشَّجَنْ ...

ولِي وَرْدَةٌ فِي حَدائِقَ بابِلَ .

لي شاعِرٌ في بُوَيْب,

ولي جُثَّتي تَحْتَ شَمْسَ العراق

ولا الغَربُ غَرْبٌ , تَوَحَّدَ إِخْوَتُنا في غَريزَةِ قابيلَ , لا تُعاتِبْ أَخاكَ ,

فإِنْ الْبَنَفْسَجَ شاهِدَةُ الْقَبر ..../



... قَبْرٌ لِباريسَ , لُنُدنَ , روما , نيويورك , موسكو , وقبر لِبَغْدادَ , هَلْ كانَ من حَقْها أَن تُصَدِّقُ ماضيَها المُرْتَقَبْ ؟

وَقَبْرٌ لإِيتاكَةِ الدَّرْبِ وَالْهَدَفِ الصَّعْبِ , قَبْرٌ لِيافا ...





( 4 )



وَقَبْرٌ لهِوميِّر أَيْضاً وَ لِلبُحْتُرِيِّ , وَقَبْرٌ هو الشَّعْرُ, قبرٌ من الرِّيحِ ... يا حَجَرَ الرُّوحِ ,

يا صَمْتَنا !

نُصَدِّقُ , كَي نُكْمِلَ التَّيهُ , أَنَ الخَريفَ تَغَيَّرَ فينا .. نَعَمْ , نَحْنُ أَوْراقُ هذا الصَّنَوَبَرِ , نَحْنُ التَّعَب..., وقَدْ خَفَّ , خارِجَ أجسادنا , كالنَّدى ... وَانْسَكَب

نَوارِسَ بيضاءَ , تبحثُ عن شُعَراءِ الْهَواجِس فينا ..

وعَنْ دَمْعَةِ الْعَرَبِيِّ الأَخيرةِ ,

صَحْراء ... صَحْراء.... /



(....)

ولا صَوْتَ يَصْعَدُ , لا صَوْتَ يَهْبِطُ , بَعْدَ قَليل ..

سَنُفْرِغُ آخِرَ أَلْفاظنا في مَديحِ المَكانِ , وَبَعْدَ قليل سَنَرْنو إلى غَدنا , خَلْفَنا , في حَريرِ الكَلامِ القَديم

وسَوْفَ نُشاهِدُ أَحْلامَنا في المَمَرَّاتِ تَبْحَثُ عَنَّا

وعَنْ نَسْرِ أَعْلامِنا السُّود .../



صَحْراءُ للصَّوْتِ , صَحْراءُ للصَّمْتِ , صَحراء للْعَبَثِ الأَبَديّ

للَوْحِ الشَّرائِعِ صَحْراءُ , للكُتُبِ الْمَدْرَسِيَّةِ , للأَنبِياء وللَعُلَماءْ



( 5 )



لَشيكسبير صَحْراءُ , للباحِثينَ عنِ الله في الكائنَ الآدَمِيّ

هُنا يَكْتُبُ العَرَبيُّ الأَخِيرُ : أَنَا العَرَبِيُّ الَذي لَمْ يَكُنْ

أَنَا العَرَبِيُّ الَذي لَمْ يَكُنْ



قُلِ الآنِ إِنْكَ أَخْطَأْتَ , أَو لا تَقُلْ

فَلَنْ يَسْمَعَ المَيتونَ اعْتذارَكَ منهم , ولَنْ يَقْرَؤوا

مَجَلاّتِ قاتِلِهمْ كَيْ يَرَوْا ما يَرَوْنَ , ولن يَرْجعِوا إِلى الْبَصْرَةَ الأَبَدِيةِ كَيْ يَعْرِفوا ما صَنَعْتَ بأُمِّك ,

حِينَ انْتَبَهْتَ إلى زُرْقَةِ الْبَحْر .../

(....)



سَأُولَدُ مِنْكَ وَتُولَدُ مِنّي . رُوَيْداً رُوَيْداً سأَخْلَعُ عَنْك أصابعَ مَوتايَ , أَزْرارَ قُمصانهمْ.

وبطاقاتِ ميلادهمْ وتخلعُ عنيِّ رسائلَ مَوْتاكَ للْقُدْس , ثُمَ نُنَظِّفُ نظَّرَتَيْنا من الدمِ , يا صاحِبي , كَيْ نُعيدَ قِراءَةَ كافْكا ونَفْتَحَ نافِذَتَيْنِ على شارِعِ الظِّلّ .../

... في داخِلي , لا تُصَدِّقْ دُخانَ الشِّتاءِ كثيراً

فعمَّا قليل سَيَخْرُجُ إِبْريلُ مِنْ نَوْمِنا , خارِجي داخِلي فلا تَكْتَرِثْ بِالتَّماثيلِ ... سَوْفَ تُطَرِّزُ بِنْتٌ عِراقيِّةٌ ثَوْبَها بأَوَّلِ زَهْرَةِ لَوْزِ ,

وتَكْتُبُ أَوَّلَ حَرْفٍ مِنَ اسْمِكَ

على طَرَف السَّهْمِ فَوْقَ اسْمِها ....

في مَهَبِّ الْعِراق ..



(من ديوان " أَحد عشر كوكباً " 1992)



السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس